هل سألت نفسك كيف يحافظ بوتين على علاقة حميمية مع إيران وإسرائيل بنفس الوقت؟

عربي بوست
تم النشر: 2018/04/19 الساعة 14:12 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2018/04/19 الساعة 14:12 بتوقيت غرينتش

استشاطت موسكو غضباً بعد أن قصفت طائراتٌ حربية قاعدةً عسكرية سورية: فلم يتم إبلاغ فلاديمير بوتين قبل الهجوم بالرغم من تمركز قواتٍ روسية في المنطقة.

وردّت موسكو في خطوةٍ غير مسبوقة باتهام إسرائيل بتنفيذ الغارات، التي أسفرت عن مقتل 7 من الجنود الإيرانيين. وتوضح الأزمة الدبلوماسية التي اندلعت الأسبوع الماضي العلاقة المعقدة بين الدولة اليهودية وروسيا جراء الحرب الدائرة في سوريا منذ 7 سنوات، وتشارك فيها الدولتان بحذرٍ وسط امتلاء الساحة بالأطراف المتقاتلة، حسب صحيفة Wall Street Journal الأميركية.

الآن، ومع تزايد احتمالية نشوب أعمالٍ عدائية بين إسرائيل والقوات الإيرانية التي تقاتل في سوريا، تخضع هذه العلاقة بين الطرفين إلى اختبارٍ لم يسبق أن مرت به من قبل. وقال مسؤولون إسرائيليون لوسائل إعلام إسرائيلية هذا الأسبوع إنَّه بعد قتل جنودٍ إيرانيين تستعد إسرائيل لهجومٍ مضاد في أي لحظة.

وفي المنتصف تجد إسرائيل نفسها في ورطةٍ فيما يتعلق بشراكتها الاستراتيجية مع روسيا، التي وصفها محللون إسرائيليون بأنَّها مهنية ويمكن الاعتماد عليها، ولكنَّها لا تحمل جدوى خاصة فيما يتعلق بكبح التمدد الإيراني في سوريا.

يضيف تقرير Wall Street Journal: منذ تدخل موسكو في سوريا عام 2015 لدعم نظام الأسد، بدأ المسؤولون الإسرائيليون ينظرون إلى روسيا باعتبارها "جارتهم الشمالية". وتجنبت الدولة اليهودية الانحياز لأي طرف في الحرب الدائرة في سوريا، وركزت انتباهها بدلاً من ذلك على مواجهة وجود إيران وحزب الله التابع لها في سوريا بعشرات الغارات التي استهدفت مخازن الأسلحة ومواقع الطائرات والقواعد الجوية.

وكان هذا يعني التنسيق مع روسيا، التي تتحكم في معظم المجال الجوي السوري. غير أنَّ الأحداث الأخيرة تشير إلى حدود العلاقة بين البلدين.

لم يكن ثمة توقيت لتنفيذ الغارة الجوية على سوريا أسوأ من ذاك الذي تمت فيه بالنسبة لبوتين، إذ يواجه انتقاداتٍ من القوى الغربية بسبب دعمه الرئيس السوري بشار الأسد، بعد هجومٍ يشتبه في استخدام الغاز السام فيه على بلدة دوما السورية، وحذر المسؤولون الروس من أنَّ الضربة الانتقامية والهجوم المفاجئ ومقتل الجنود الإيرانيين يزيد من خطر اتساع نطاق الصراع.

"لن نقبل وضع أي حدود على تصرفاتنا"

لم تؤكد إسرائيل أو تنفي أنَّها نفذت الهجوم على قاعدة التيفور الجوية في محافظة حمص. غير أنَّ وزير الدفاع الإسرائيلي أفيغدور ليبرمان قال هذا الأسبوع: "لن نقبل وضع أي حدود على تصرفاتنا في ما يتعلق بالدفاع عن مصالحنا الأمنية".

وقال لموقع Walla الإخباري: "ولكنَّنا لا نريد أن نستفز الروس. لدينا خط تواصل مفتوح على مستوى كبار المسؤولين؛ والروس يتفهمون موقفنا وأنَّنا نجحنا لسنوات في تجنب الاحتكاك بهم".

وما يثير قلق إسرائيل هو أنَّ طهران تسعى إلى استغلال الصراع السوري لتشكل ممراً برياً من إيران إلى الحدود الإسرائيلية، وأنَّها تزود حزب الله بصواريخ متطورة. ويعتقد المسؤولون الإسرائيليون أنَّ الجماعة اللبنانية المسلحة التي خاضت حرباً استمرت لمدة شهر مع إسرائيل عام 2006 تبني مصانع لتصنيع الصواريخ جنوب سوريا، ما يمكن أن يفتح جبهةً جديدة.

انزلقت سوريا في صراع متعدد الأطراف أطلق موجةً من التهديدات الجديدة لإسرائيل مع انضمام العديد من الجماعات المسلحة المعادية للدولة اليهودية إلى الحرب: بما في ذلك الجهاديون من أمثال داعش، والميليشيات الشيعية الأجنبية، وجنود فيلق القدس الإيراني. ومع تقيد الدور الأميركي في الصراع بمنطقة شمال شرق سوريا، حيثُ تركز القوات الأميركية حربها ضد تنظيم داعش، تعد روسيا القوة الأجنبية المحورية في الصراع التي يمكن لإسرائيل التواصل معها.

وقال الجنرال يعقوب ناغيل، الذي عمل مستشاراً للأمن القومي لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو حتى عام 2017: "لدينا جارٌ جديد في هذه الساحة شديدة التوتر، إنَّهم الروس. وهم لا يرغبون في التصادم معنا، ونحن لا نريد التصادم معهم؛ لذا فسنواصل المحادثات معهم، للتأكد من عدم ارتكاب أي خطأ".

نتحدث كثيراً لبوتين

وأضاف: "لا أظن أنَّ هناك أي زعيم دولي يتحدث إلى بوتين أكثر من زعيمنا".

وقال ديمتري ترينين، مدير معهد كارنيغي موسكو، إنَّ علاقة روسيا مع إسرائيل في ما يخص سوريا كانت "سمةً مميزة للنشاط الروسي في الشرق الأوسط"، مضيفاً أن هذه العلاقة تتسم "بأعلى درجة من الحميمية".

وقال ديمتري إنَّ "هذا بسبب أن إسرائيل تتعامل بقدر أكبر من الشفافية، وأنَّ الإسرائيليين أكثر لاعب في منطقة الشرق الأوسط يمكن التكهن بتصرفاته".

غير أنَّ الموقف تعقد بانخراط روسيا في القتال إلى جانب إيران وحزب الله، لاشتراكهم جميعاً في دعم نظام الأسد. وأُصيبت إسرائيل بخيبة الأمل جراء حدود الاتفاقية التي توسطت روسيا فيها، التي كان من المفترض أن تؤسس منطقة "خفض تصعيد" في الجنوب السوري مع إبعاد المقاتلين الأجانب، بما فيهم حزب الله، عن المناطق القريبة من الحدود مع إسرائيل.

ومنذ ذلك الحين، صعَّدت إسرائيل وتيرة الغارات الجوية في سوريا.

ويقول زيفي ماجين، السفير الإسرائيلي السابق لدى روسيا وأوكرانيا: "يمكن للروس أن يتعايشوا مع قتال إسرائيل للإيرانيين حتى نقطةٍ محددة. ولكن الآن بات من اللازم التوصل إلى تفاهماتٍ جديدة بين الروس والإسرائيليين. موقف روسيا مثير للإعجاب؛ إذ تحتفظ  بصلاتٍ مع الجانبين الإيراني والإسرائيلي، وهو أمرٌ مهم ليس للحرب فقط بل للسلام كذلك".

وتحدث نتنياهو وبوتين بعد يومين من الغارة على قاعدة التيفور الجوية، إذ حثَّ الزعيم الروسي نظيره الإسرائيلي على عدم ارتكاب أي فعلٍ من شأنه زعزعة استقرار سوريا. وكرر رئيس الوزراء الإسرائيلي القول إنَّ حكومته لن تسمح بوجودٍ عسكري لإيران في سوريا.

بيد أنَّه كان من الملحوظ كذلك أنَّ نتنياهو أحجم عن الانضمام إلى الدول الغربية في إدانة الدور الروسي في سوريا، بعد توارد الأنباء عن وقوع هجومٍ بالغاز في دوما. ولم تتبع إسرائيل خطى أقوى حلفائها في طرد الدبلوماسيين الروس على خلفية الهجوم على الجاسوس الروسي السابق سيرغي سكريبال في المملكة المتحدة، باستخدام غاز أعصاب مخصص للاستخدامات العسكرية.

لكننا نوقف ما تقوم به إيران وحزب الله بأنفسنا

وقال مسؤولون إسرائيليون إنَّ العلاقة معقدةٌ لدى الطرفين. واستشهد مسؤولٌ إسرائيلي بـ"إزالة" عميل استخباراتي إسرائيلي بعد أن زودت إسرائيل روسيا بمعلوماتٍ حول نقل الأسلحة إلى حزب الله. وقال المسؤول: "تعلمنا من ذلك الموقف أنَّنا إذا أردنا إيقاف شيءٍ، علينا أن نفعل ذلك بأنفسنا".

وقال يوسي كوبرفاسر الجنرال الإسرائيلي المتقاعد إنَّ السبب في هذا هو أنَّ روسيا وإيران تدعمان نظام الأسد، وأنَّ موسكو "تصم أذنيها في بعض الأحيان" عما تقوله إسرائيل. وأضاف: "لأسبابٍ متنوعة، يزعم الروس أنَّهم لا يعرفون شيئاً، حتى لا يُوجَّه إليهم اللوم على ما يفعله الإيرانيون".

وقال نيكولاي سيركوف، الخبير في شؤون الشرق الأوسط لدى معهد موسكو الحكومي للعلاقات الدولية، وهو المؤسسة التي تدرب فيها روسيا دبلوماسييها، إنَّ روسيا تحتاج دعم إيران بسبب الدور الذي تلعبه القوات البرية الإيرانية.

إيران لا تمثل خطراً على إسرائيل بحسب وجهة النظر الروسية

وقال سيركوف: "دبلوماسيو بلادنا، حتى الأعلى رتبةً فيهم، غالباً ما يقولون إنَّ إيران ليست على هذا القدر من الخطورة على أمن إسرائيل كما يزعم الإسرائيليون. من الواضح أنَّ روسيا تلعب لعبة موازنة خطرة في هذا الصدد".

وبيَّنت الغارة الجوية التي استهدفت قاعدة التيفور الجوية -التي أعلنت القناة العاشرة الإسرائيلية أنَّها نُفِّذَت لعرقلة أنظمة الطائرات بدون طيار الإيرانية في القاعدة- مدى تعقيد الموقف، إذا ما أخذنا في الاعتبار مدى التداخل الشديد بين المصالح العسكرية الإيرانية والروسية في سوريا.

وقال مسؤولٌ إسرائيلي: "إذا ما نظرنا إلى الخريطة، سندرك أنَّ أنظمة الطائرات دون طيار تلك لا تبتعد كثيراً عن المكان الذي ينام فيه الروس. ومعلوماتنا الاستخباراتية دقيقة؛ فلا داعي للقلق عليهم، يمكنهم أن يناموا في هدوء".

تحميل المزيد