هل أصبحت الكتابة عن شركات المرتزقة في سوريا تعني الموت؟.. ربما قصة “الوفاة الغامضة” لهذا الصحفي الروسي دليل

وفاة وراءها الكثير من علامات الاستفهام، إذ يبدو أن سقوط الصحفي الروسي ماكسيم بورودين من الطابق الخامس يوم 15 أبريل/نيسان في مدينة يكاتارينبوغا، ليس مجرد حادثة عرضية.

عربي بوست
تم النشر: 2018/04/19 الساعة 07:44 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2018/04/19 الساعة 07:44 بتوقيت غرينتش

وفاة وراءها الكثير من علامات الاستفهام، إذ يبدو أن سقوط الصحفي الروسي ماكسيم بورودين من الطابق الخامس يوم 15 أبريل/نيسان في مدينة يكاتارينبوغا، ليس مجرد حادثة عرضية.

الصحفي ذو الـ32 عاماً كان قد تطرَّق قبل وفاته إلى موضوع شائك في روسيا؛ الوحدات شبه العسكرية الروسية الموجودة على الأراضي السورية، التي يُطلق عليها اسم "فاغنر". فقد كشفت وسائل الإعلام عن إجراء بورودين لمقابلات مع أقارب وقادة مقاتلي وحدات "فاغنر"، مزيلاً بذلك السرية عن طريقة عودة جثث المرتزقة الذين قتلوا خلال المعركة، وتكتم أقاربهم على عملية الدفن.

بورودين كان من أوائل الصحفيين الذين كتبوا عن المرتزقة الروس في سوريا، حسب ما ذكرت صحيفة دير شبيغل.

قتل، انتحار، أم مجرد حادث؟

صرَّحت رئيسة تحرير موقع "نوفي ديان"، بولينا روميانتسيفا، الذي كان يعمل بورودين لصالحها، بأن وفاته لم تكن محاولة انتحار، وليست مجرد صدفة. لكن في اليوم التالي، غيَّرت روميانتسيفا تصريحاتها، مشيرة إلى أن وفاة بورودين قد تكون مجرد حادث مأساوي لا غير!

ووفقاً لما أورده الناشط في حقوق الإنسان، فيسشلوف بشكوف، في إحدى مقالاته، فإن بورودين قد أخبره قبل 3 أيام من وقوع الحادث بأنه تحت مراقبة شديدة، ويمكن القبض عليه في أي لحظة. وأضاف "منذ البداية ذكرت لجنة التحقيق الروسية، أنه يتعذر عليها إجراء تحقيق في وفاة الصحفي، بدعوى عدم وجود علامات تدل على وقوع جريمة، إلا أنه وفي وقت لاحق تم التوصل إلى معلومات تشير إلى بداية إجراءات التحقيق".

وأضاف بشكوف أن بورودين كتب عن مقتل مقاتلي وحدات "فاغنر" المنحدرين من مدينة أسبيست، الذين لقوا حتفهم في سوريا، في 7 فبراير/شباط، أثناء غارة جوية أميركية.

وبناء على العديد من المعطيات، ترتبط وحدات فاغنر التي ترأسها مديرية المخابرات الرئيسية، بالخدمات الخاصة الروسية، إذ شارك مقاتلوها في الاستيلاء على السلطة في شبه جزيرة القرم، وفي العمليات التي نُفذت في شرقي أوكرانيا، علماً أن روسيا تحظر نشاط المرتزقة بشكل رسمي.

وتبنَّت صحيفة نيويورك تايمز نفسَ الفكرة، مشيرة إلى وفاة الصحفي الروسي الذي اهتم مؤخراً بقضية التشكيلات السرية العسكرية الروسية الموجودة في سوريا، والذي توفي في حادث "يشوبه الكثير من الغموض والتساؤلات"، على حد وصفها.

وفي بيان لها، أوضحت لجنة التحقيق الروسية أن التحقيقات في قضية وفاة الصحفي ما زالت جارية، معتبرة إياها بمثابة حادث وفاة عادي في الوقت الراهن.

وفي سياق متصل، قال المراسل الروسي ماتيو لاكسمور، إن "تعرُّض نشطاء المعارضة والصحفيين للهجمات باستمرار، وأحياناً للقتل بسبب آرائهم أمر مثير للسخرية".

يوم الأربعاء 11 أبريل/ نيسان، اتصل بورودين بصديقه بشكوف، ليخبره عن وجود رجل مسلح ورجال ملثمين يرتدون ملابس مموهة على الدرج أمام شقته. وبعد مرور ساعة، أعاد بورودين الاتصال بصديقه معرباً عن خطئه في تقييم المسألة. لكن يبدو

أن وجودهم هناك كان "للتدرب على كيفية القيام بالجريمة على أكمل وجه"، حسب مواقع صحفية.

صحفي شجاع

في حقيقة الأمر، كان بورودين من ضمن المراسلين الشجعان الذين تطرقوا للحديث عن قضايا سياسية حساسة، إذ كتب عن نشطاء الأرثودوكس الذين حاولوا عدم السماح بعرض فيلم "ماتيلدا"، في مدينة يكاتارينبوغ. وخلال شهر فبراير/شباط، ومارس/آذار، نشر موقع "نيو ديان" عدة تقارير أعدها بورودين في مدينة أسبيست، مسقط رأس البعض ممن اختاروا الالتحاق بجبهة القتال في سوريا، كجزء من "مجموعة فاغنر"، التي تكبدت خسائر فادحة نتيجة للغارة الجوية التي نفذتها الولايات المتحدة، وذلك وفقاً لما ذكرته صحيفة "نيويورك تايمز".

كما قال لاكسمور "لقد أجرى بورودين مقابلات مع أقارب وقادة مقاتلي "مجموعة فاغنر" الذين حضروا جنازة الموتى".

كتب إيمانويل غرينشبان، في صحيفة "لو فيغارو" الفرنسية، مقالاً بعنوان "جريمة قتل أو انتحار أو حادث؟". وهكذا تضاربت المعلومات طوال نهاية الأسبوع بشأن ظروف وفاة الصحفي مكسيم بورودين، الذي أحيلت تحقيقاته الصحفية إلى السلطات.

وأضاف غرينشبان "كان بورودين من أوائل الذين نشروا تحقيقات حول مجموعة "فاغنر"، المنظمة شبه العسكرية القريبة من وزارة الدفاع الروسية، التي تقوم بإرسال المرتزقة للقتال في أوكرانيا وسوريا. كما قدم بورودين "وصفاً دقيقاً للتفاصيل السرية المرتبطة بإرسال جثث المرتزقة الذين قتلوا في المعركة، وإرغام أهاليهم على الصمت والتكتم عن عملية الدفن".

يبدو أن الكتابة عن مجموعة "فاغنر" التي لا تعترف السلطات الروسية بوجودها "أمر خطير للغاية". فعقب تطرّقه لمواضيع حساسة أخرى أثارت غضب السلطات، تعرَّض بورودين لهجوم بقضيب حديدي، بتاريخ 11 أكتوبر/تشرين الأول سنة 2017، ألزمه المكوث في المستشفى لفترة قصيرة.

جدل حول شخصيته

نشر بشكوف على فيسبوك أن بورودين اتصل به عشية الحادثة، رغبة منه في مشاركة صديقه لحالة القلق والتوتر التي يعيشها. في المقابل، أكد العديد من أصدقاء بورودين والصحفيين لصحيفة "لو فيغارو"، أن هذا الصحفي يعاني العديد من المشكلات على غرار إدمان شرب الكحول، وتعاطي بعض المواد المخدرة، فضلاً عن اتباع نظام غذائي غير صحي.

من جهته، أكد العالم السياسي المعروف بمواقفه المعارضة للسلطات، فيدور كراشينينيكوف، لصحيفة "لو فيغارو"، أن بورودين يعاني من نزعة جنون العظمة، ويعتقد أنه دائما تحت المراقبة، مشيراً إلى أن العديد من الصحفيين تطرقوا للحديث عن وحدات "فاغنر". وعلى الرغم من المهنية التي يتحلى بها بورودين، إلا أنه يعمل فقط في صحيفة محلية.

أفاد مراسل معارض للسلطات الروسية، ليونيد فولكوف "إذا تورط النظام في تنفيذ هذه الجريمة، فإن ذلك تم حتماً عن طريق اتباع مراحل تحرمه من إحراز بعض التقدم، على غرار ما حدث مع العديد من علماء الاجتماع، وعلماء السياسة، والمحامين، والاقتصاديين، الذين خُيروا بين كسب القوت والكرامة".

في شأن ذي صلة، تحدَّث مراسل من صحيفة التلغراف، أليك لون، مع أصدقاء الصحفي المتوفى. في هذا الصدد قال لون "لقد كتب بورودين العديد من التقارير لموقع "نيو ديان"، فيما يتعلق بمقتل المرتزقة الروس التابعين لوحدات "فاغنر" السرية، أثناء الغارات الجوية الأميركية على الأراضي السورية، في فبراير/شباط الماضي".

كما ذكرت التلغراف أن بورودين اتصل بصديقه بشكوف، وطلب مساعدته في العثور على محام، قائلاً إن رجالاً مسلحين وملثمين ينتظرونه بجانب الدرج، ويستعدّون لاقتحام شقته. في المقابل، أجرى بورودين اتصالات بالعديد من المحامين والصحفيين، لكن في وقت لاحق، اعتذر عن ذلك موضحاً أن الأمر مجرد تدريبات أمنية.

فور علمه بمكوث صديقه في المستشفى، أطلع بشكوف الشرطة على اتصالات بورودين، إلا أن الشرطة تجاهلت الأمر، ولم تتصل بالمحامين والصحفيين الذين اتصل بهم الصحفي قبل وفاته، وذلك وفقاً لما جاء في تصريحات بشكوف.

كما أفاد بشكوف "أعتقد أنه لن يتم استجواب الأطراف التي اتصلت ببورودين حتى يوم 12 أبريل/نيسان، وبطبيعة الحال، يعتقد الكثيرون أن وفاة مكسيم مرتبطة بمنشوراته عن سوريا، والشركة العسكرية الخاصة "فاغنر"، لكن لا يمكن قول أي شيء حيال هذه المسألة قبل الإعلان عن نتائج التحقيق".

علامات:
تحميل المزيد