كان مشهداً مذهلاً حينما ظهر هنية أمام صورة لعمالقة المقاومة السلمية.. نيويورك تايمز: حماس نجحت في دمج نفسها بـ”دهاء” في المقاومة الشعبية

عربي بوست
تم النشر: 2018/04/16 الساعة 12:21 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2018/04/16 الساعة 12:21 بتوقيت غرينتش

كان المشهد مذهلاً بالفعل، يقف إسماعيل هنية رئيس المكتب السياسي لحركة حماس التي انتهجت المقاومة المسلحة واستخدمت الصواريخ والأنفاق في صراعها الطويل مع إسرائيل- قبالة صورٍ لعمالقة المقاومة السلمية: مهاتما غاندي ومارتن لوثر كينغ الابن ونيلسون مانديلا.

صحيفة The New York Times الأميركية لفت انتباهها المشهد الذي ربط فيه هنية -وهو يستحث جموع الفلسطينيين الذين بدأوا حملة جديدة من التظاهرات على طول السياج الذي يفصل غزة عن إسرائيل- كفاح الشعب الفلسطيني بكفاح الهند لنيل استقلالها والنضال ضد الفصل العنصري والتمييز في الولايات المتحدة ونظام أبارتهايد للتفرقة العنصرية في جنوب إفريقيا.

وقال: "هذه التظاهرة المباركة وطنية وسلمية وشعبية ومتحضرة".

"لدينا حلم"

فعند مخيمات العودة وعلى الحدود الشرقية لغزة وقف هنية بلحيته المهذبة، وملامح لم تكن متوترة سوى في قطبة الجبين، واليد التي كانت تلوّح بـ: I have a dream (لدي حلم)، ردد إسماعيل هنية، الجملة الشهيرة التي قالها مارتن لوثر كينغ، وأصبحت رمزاً للمقاومة السلمية في العالم بأسره.

لم يكن هنية ببلاغة مارتن لوثر كينغ، رغم فصاحته، ولم يكن بهدوئه، رغم محاولته في الدقائق الأولى لكنه بكل تأكيد كان يستلهم خطاباً جديداً لم تعتد حماس عليه، وربما سيغير الصورة الذهنية في الغرب عن الحركة.

ولم لبث هنية سوى دقائق معدودة حتى نعت التظاهرات بـ"السلاح الفتاك" الذي يمكن للفلسطينيين تحقيق أهدافهم به، مضيفاً أن البنادق والصواريخ وأنفاق الهجوم -الأسلحة الأكثر شيوعاً التي أبقت حماس مُدرجةً ضمن قائمة المنظمات الإرهابية لدى أميركا والاتحاد الأوروبي وإسرائيل- ستظل حاضرة إذا لزم الأمر.

وبكل وضوح أعلن هنية أن غزة تدخل مرحلة جديدة من المقاومة السلمية، وعلى الفور حرص رئيس المكتب السياسي لحماس للإجابة على تساؤلات ربما هاجمت عقول كل من استقبل كلمته، فماذا عن سلاح المقاومة، ليعيد ويجيب على وجه السرعة، أن غزة تدخل مرحلة جديدة من المقاومة السلمية، رغم امتلاكها الصواريخ.

وأضاف "سلاحنا وصواريخنا بيدنا، أنفاقنا معنا وتطور المقاومة ماض لكن هذا لا يتناقض مع ذلك".

وتابع "اليوم لنا درع وسيف درع الجماهير وسيف المقاومة".

تحول كبير في الخطاب

ويحمل خطاب هنية تحولاً كبيراً في تعاطي الحركة مع معركتها مع إسرائيل، إذ يعيد أصل المعركة إلى قضية "عودة اللاجئين" وإعادة قضية المقاومة إلى أصلها الجماهيري.

وكانت صحيفة The New York Times قد نشرت تقريراً في وقت سابق حول انعكاس تظاهرات "مسيرة العودة" تناولت فيه مدى تأثير ذلك الحراك الجماهيري وخطورة أن تتصاعد تلك الفعاليات لتصبح حدثاً وصفته بالخطير.

وأشارت الصحيفة إلى القلق الإسرائيلي من التحول في موقف الحركة التي كانت توصف بالمسلحة إلى الاحتجاج غير المسلح وقالت في تقريرها "الإسرائيليون بدورهم قلقون، ولأسبابٍ مختلفة، إزاء هذا التحوُّل.

إنهم يجدون الآن العالم وقد انتبه لهذه الأحداث، بينما هم يستخدمون قوةً غير متناسبةٍ لمنع ما يعتقدون أنه يمكن أن يكون خرقاً كارثياً للسياج الحدودي لغزة". 

وبعث الفلسطينيون  بعدة رسائل خلال "مسيرة العودة الكبرى"  الحملة الشعبية التي تدخل الآن أسبوعها الثالث وتسعى للتأكيد على صعوبة الحياة في غزة وتطالب بحق العودة إلى أراضي الفلسطينيين في إسرائيل.

"حماس تعيد النظر"

وبحسب محللين تحدثوا لـ"نيويورك تايمز" فإن حماس ربما تعيد النظر في إستراتيجيتها لأنَّها انضمَّت إلى تظاهرات جماعية المحشود لها بهدف أن تكون سلمية، ولم تنسَ أن تذكر أسماء أبطال العصيان المدني السلمي العالميين.

وقالت بيفرلي ميلتون إدواردز الخبيرة في شؤون الإسلام السياسي في مركز بروكينغز الدوحة في قطر التي شاركت في تأليف كتاب يتناول تاريخ حركة حماس: "من المفهوم تماماً أنه حين يرى من يعتبرون حماس "منظمة إرهابية" هنية محاطاً برموز السلام، فإنَّ هذا لا يبعد عن أذهانهم ذكريات الهجمات والتفجيرات".

وعادت لتقول أن إشادة هنية غير المتوقعة بالسلمية قد أدهشت البعض الذي قد يعتبرها عملاً انتهازياً يتناقض مع طبيعة الحركة، فتبني حركته لمظاهرات غزة له منطق واضح يمكن فهمه من منظور أكثر بساطة، منظورٍ يشبه "البديهيات".

فبينما يمكن للبعض تصديق أن تجربة الحركة مع المقاومة الشعبية جاءت مدفوعة بنية صادقة، فلا خلاف على أنَّها براغماتية بامتياز.

وقبل شهر أو اثنين، كانت هناك ضغوط على حماس بينها الأزمة المستمرة منذ وقت طويل وهي الحصار المفروض على غزة، فضلاً عن المشكلة المتجددة دائماً وهي المصالحة مع رام الله.

وقال عزام التميمي المحلل التابع لقناة تلفزيونية عربية في العاصمة البريطانية لندن الذي يتمتع بروابط وثيقة مع القيادات العليا في حماس: "اضطروا إلى تقديم الكثير من التنازلات على أمل الحصول على الفتات في مقابل ذلك، ولكن انتهى بهم الحال صفر اليدين".

وبعد عقد من تولي حماس إدارة قطاع غزة، وتعرّضها لتضييق بفعل الحصار الإسرائيلي المصري، يروج البعض أن شعبيتها آخذة في التناقص.

ويقول طارق باقوني مؤلف كتاب Hamas Contained: The Rise and Pacification of Palestinian Resistance: "مع أنَّ معظم سكان قطاع غزة يلقون باللائمة على إسرائيل في المقام الأول وعلى مصر بطريقةٍ غير مباشرة، إلا أن هناك أيضاً من الفلسطينيين من يلقون أيضاً باللائمة على حركة حماس في سبيل الحصول على حياةٍ أفضل. 

وتقول "نيويورك تايمز" إن الضغوط التي تعيشها حماس جعلت بعض المحللين والمسؤولين الأمنيين الإسرائيليين يحذرون من احتمالية سعي حماس إلى استفزاز إسرائيل لشن حرب جديدة من دافع حاجةٍ ماسة إلى تغيير الأوضاع.

ولكن لم تظهر أي نُذر للحرب. وقال باقوني: "حماس وسكان غزة منهكون تماماً".

وتضيف الصحيفة "ليس ثمة ما يدهش إذاً في أنه بعدما بدأت فكرة الحشد الجماهيري لمسيرة سلمية طويلة الأمد على طول السياج الحدودي مع غزة تحوز دعماً واسعاً، أوقفت حماس إطلاق صواريخها التي كانت تنطلق بوتيرة ثابتة إلى داخل إسرائيل؛ وألقت بثِقلها التنظيمي الكثيف في التظاهرات".

ودمجت حماس نفسها بدهاء بدعمها التظاهرات داخل حركةٍ شعبية أصبحت أكثر شعبية مع اتضاح ملامحها، وحازت دعماً دولياً جارفاً حين ردت إسرائيل عليها بالرصاص الحي، بما خلَّف عشرات القتلى من الفلسطينين كلهم تقريباً من العزل.

وعلى الفور عادت القضية الفلسطينية البائسة والأزمة في غزة إلى عناوين الأخبار، بل وحتى حق العودة إلى أرض إسرائيل بات يؤخذ على محمل الجد، ويثير ابتهاج الفلسطينيين في مخيمات اللاجئين والشتات، بعدما بدا كثيرٌ من مؤيدي حل الدولتين مستعدين للقذف به إلى عرض البحر.

وقال باقوني إنَّ الوقت مناسبٌ لحركةٍ شعبية في غزة حيث نشأ الشباب الفلسطيني، كأولئك القاطنين في الضفة والقدس الشرقية، على خيبة أمل وهم يرون عملية السلام في أوسلو لتحقيق الحكم الذاتي تلفظ أنفاسها الأخيرة. ويرغب العديد من الفلسطينيين في تحويل الحراك الوطني إلى حملة للحقوق المدنية، بدلاً من الاقتصار على المطالبة بإقامة الدولة.

ويقول باقوني: "كل ما تفعله حماس هو أنها تركب الموجة بعدما أدركت فاعلية المقاومة الشعبية في هذه اللحظة".

وتقر حماس بجدوى المقاومة الشعبية منذ خروجها من رحم الانتفاضة الأولى عام 1987. واتخذت العام الماضي خطوة أخرى بسيطة في ذاك الاتجاه بتبنيٍ سياسة جديدة تعترف بدعمٍ متزايد للمقاومة الشعبية.

ولا يستحسن البعض في غزة -بحسب الصحيفة الأميركية- انخراط حماس في المظاهرات الجديدة. فالبعض اتهم الحركة بالاستفادة من التظاهرات لخدمة أغراضها.

ويرى يوهانان تزوريف المستشار السابق للشؤون العربية في الإدارة المدنية الإسرائيلية أنه يعتمد مصير المشاركة في التظاهرات العامة على قدرة قيادة حماس والمتظاهرين في غزة على عدم ارتكاب أخطاءٍ عند السياج الفاصل بين غزة وإسرائيل.

فإذا زاد إلقاء الحجارة أو القنابل الحارقة عن الحد، قد يؤدي إلى ردٍ إسرائيلي من العيار الثقيل، وإلى حمام دم فلسطيني يمكن أن يجبر حماس على الرد بالصواريخ.

وقال باقوني: "كلما زاد إفراط إسرائيل في استخدام القوة، بات من الأصعب على حماس أن تمتنع عن الرد. فعند مرحلةٍ ما، ستبدأ حماس في فقدان شرعيتها إذا لم ترد".

ويتحدَّث الكثيرون من سكان غزة عن 15 مايو/أيار 2018 وهو اليوم الأخير للمظاهرات باعتباره اللحظة التي ستحاول فيها جماهير المتظاهرين عبور السياج إلى إسرائيل، وهو الأمر الذي لا يزال كابوساً بالنسبة لإسرائيل.

 وتحاصر إسرائيل القطاع منذ أكثر من عشر سنوات، وتقفل مصر معبر رفح، منفذه الوحيد إلى الخارج، ما فاقم أزمة البطالة التي يعاني منها القطاع حيث يتجاوز عدد السكان المليونين.

 

تحميل المزيد