بإطلاق الصواريخ وقصف سوريا اليوم، دكَّ الرئيس الأميركي دونالد ترمب أهدافاً أكثر واستخدم قوةً نارية أكبر مما فعل في ضربةٍ جوية عسكرية مشابهة العام الماضي. لكن في النهاية، يبدو أنَّه اختار شن هجومٍ متحفظ من الواضح أنَّه مُصممٌ لتجنب استفزاز رعاة سوريا في روسيا وإيران حتى لا يسعوا للانتقام.
ترامب اختار ضرب 3 أهداف بدلاً من واحد
وقالت صحيفة نيويورك تايمز الأميركية في تحليل لها، أن الولايات المتحدة الأميركية اختارت مع حلفائها الأوربيين ثلاثة أهداف بدلاً من قاعدةٍ جوية واحدة كما حدث العام الماضي، واستخدموا ضعف كمية الأسلحة السابقة.
ويشير المسؤولون الأميركيون أنَّ الهجوم كان مُعداً ليتناسب مع حجم الهجوم الكيميائي الأخير في سوريا، ويستهدف بصورةٍ خاصة منشآت الأسلحة الكيميائية السورية بدلاً من تشكيلةٍ من الأهداف أوسع نطاقاً.
الأمر لم يكن عبثاً، بل تخطيطاً عسكرياً محنكاً
في الأيام الماضية، حذر جيمس ماتيس وزير الدفاع الأميركي من شنِّ أي هجومٍ سريع دون وجود استراتيجية مدروسة بعناية، وأعرب عن قلقه إزاء التصعيد المحتمل للصراع عن طريق استدراج روسيا وإيران إلى مواجهةٍ أوسع مع الولايات المتحدة، في بلدٍ يضم قوات للبلدان الثلاثة على الأرض. ومع دعم روسيا وإيران لحكومة الرئيس السوري بشار الأسد، فإنَّ احتمالية سوء التقدير وقعت على عاتق المخططين العسكريين.
فالهدف لم يكن الأسد، إنما أسلحته الكيماوية
ورغم النبرة المتوعدة التي تحدث بها ترمب طوال هذا الأسبوع، فالبديل العملي الذي اختاره لم يبذل أي جهدٍ واضح لتدمير آلة الحرب الأكبر الخاصة بالأسد، أو مركز قيادة وتحكم حكومته في قواتها، فقط استهدف الهجوم أسلحته الكيميائية.
على أمل ردعه عن استخدامها مرة أخرى
ولا يبدو أنَّ تفجير هذه الأسلحة في هجومٍ استغرق ليلةً واحدة سيُغير على الأرجح ميزان القوى في سوريا بعد سبع سنوات من الحرب الأهلية الدموية. لكنَّ ترمب يأمل في أن يكون الهجوم كافياً لردع الأسد عن استخدام الأسلحة الكيميائية مرةً أخرى، دون التسبب في ضررٍ بالغٍ لإرغام روسيا وإيران على التدخل.
والخطة كانت معدة لعدم قتل جنود روس بالخطأ
وأخبر ماتيس مراسلين صحفيين بمقر وزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون) مساء أمس الجمعة 13 أبريل/نيسان أنَّ الضربة الجوية كانت مُعدة لتقليل فرص قتل جنود روس عن طريق الخطأ، وللحد من الدمار الذي لحق بالمنشآت المرتبطة مباشرةً بترسانة الأسلحة الكيميائية السورية. وبينما وصفها بأنَّها "ضربة جوية مكثفة"، قال ماتيس: "في الوقت الحالي سيكون هجوماً واحداً، وأعتقد أنَّه أوصل رسالةً قوية للغاية لإقناعه (الأسد) ولردعه عن تكرار مثل ذلك الأمر".
وقال محللون إنَّ الطبيعة المحدودة للضربة الجوية ربما لن تُرغِم روسيا وإيران على اتخاذ إجراءٍ مضاد جاد.
لذلك الردود المتوقعة ستكون إنشائية خطابية وليست فعلية
وقال دينيس روس، الخبير ذو الباع الطويل في شؤون الشرق الأوسط، وعمل مستشاراً لدى عدة رؤساء والآن يعمل بمعهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى: "ردود فعل الروس والإيرانيين ستكون على الأرجح هوجاء من الناحية الخطابية، إلا أنَّ ردود الفعل المباشرة غير مرجحة. الأهداف التي تعرضت للقصف مرتبطة بمرافق للأسلحة الكيميائية، وليس القواعد الجوية حيثُ يتواجد الروس والإيرانيون".
حتى تنفيذُ هجمات ضد أميركا في العراق مستبعد
وأضاف روس، أنَّه كان من المحتمل أن ترد إيران بصورةٍ غير مباشرة عن طريق استخدام الميليشيات الشيعية ضد القوات الأميركية في العراق أو ربما سوريا، لكن حتى هذا الاحتمال كان "أقل ترجيحاً بسبب الطبيعة المحدودة لهذا الهجوم".
فقد كان عدم إغضاب الروس والإيرانيين على رأس الأولويات
على مدار الساعات والأيام السابقة للضربة الجوية، طغت العواقب المحتملة على اجتماعات المسؤولين في البنتاغون، وغرفة العمليات بالبيت الأبيض، ومقر القيادة الإلكترونية للولايات المتحدة بوكالة الأمن القومي في فورت ميد في ولاية ميريلاند.
وشكك مسؤولون أميركيون في أنَّ أياً من روسيا أو إيران قد تشن هجوماً مضاداً ضد قوات الولايات المتحدة في المنطقة، لكنَّهم صبَّوا تركيزهم على احتمال حدوث انتقامٍ مختلف من شأنه أن يعتمد على القدرات الإلكترونية الهائلة لموسكو وطهران، الأمر الذي سيصعُب على واشنطن الاستعداد له أو صده.
مع ذلك حسب الأميركيون حسابهم من سلاح بوتين الأخطر: الهجمات الإلكترونية
لم تكن هناك أي معلوماتٍ استخباراتية فورية أنَّ مثل ذلك الهجوم يجري الإعداد له. ولم يتضح أيضاً إلى أي مدى قد تُخاطر روسيا وإيران بتوسيع الأزمة في سوريا بشنهما هجوماً إلكترونياً مضاداً على الغرب.
لكنَّ مسؤولين أميركيين قالوا إنََّهم كانوا يستعدون للرد على الأعمال الانتقامية المحتملة، بما في ذلك ضربات عبر الإنترنت من شأنها إعاقة الاتصالات مع القوات الأميركية في مناطق القتال.
لذلك ركز الغرب هجومهم الكلامي على روسيا كي لا تتورط في مواجهة
ركزت النبرة المستعرة في الأيام التي سبقت الضربة الجوية على روسيا بقدر تركيزها على سوريا، إن لم يكن أكثر، ما يُبرز مخاطر الانزلاق في مواجهةٍ أكثر خطورة بين الخصمين السابقين في الحرب الباردة.
وقبل ساعاتٍ من بدء الضربات الجوية، دخلت نيكي هالي سفيرة أميركا لدى الأمم المتحدة في تبادلٍ لحديثٍ لاذع مع نظيرها الروسي أثناء اجتماعٍ لمجلس الأمن أمس الجمعة 13 أبريل/نيسان.
وفهمت روسيا الرسالة، فأبقت على "البلاغة" في الرد على الغرب
اتهم السفير الروسي فاسيلي نيبنزيا الولايات المتحدة وحلفاءها بالتهور الحربي. وقال إنَّه لا يوجد دليل مؤكد على أنَّ أسلحةً كيميائية قد استُخدمت في بلدة دوما السورية، وأنَّ الولايات المتحدة وحلفائها "أبدوا أنَّهم ليسوا مهتمين بإجراء تحقيقٍ" في الأمر.
وأضاف نيبنزيا أنَّ تهديدات ترمب بشن ضربةٍ جوية على قوات الأسد كانت "لا تليق بعضو دائم بمجلس الأمن".
وقالت هالي إنَّها مرتابة من دفاع نيبنزيا عن الحكومة السورية والصورة الشاملة التي رسمها للأحداث. ووجهت حديثها له قائلةً: "أشعر بالرهبة من الطريقة التي تقول بها ما تقوله وتعتري قسمات وجهك الجدية".
لكنها أيضاً هددت بإسقاط الصواريخ
رغم كل ذلك، فقد أظهرت روسيا هيمنةً في النقاشات التي جرت في واشنطن سابقاً حول كيفية المضي قدماً. وفي اتصالٍ للجيش الأميركي عبر الفيديو أعرب عدة ضباط أميركيين عن قلقهم إزاء رد الفعل الروسي المحتمل على الهجوم على المنشآت السورية، خاصةً في ضوء تهديدات موسكو بإسقاط الصواريخ القادمة.
والهجوم الإلكتروني.. الرعب الأكبر
وأثناء الاتصال، قال ضباطٌ عسكريون إنَّه من الضروري اتخاذ خطوات لحماية المدمرات البحرية الأميركية من هجماتٍ روسية مضادة. لكنَّ هجوماً إلكترونياً محتملاً يلوح في الأفق باعتباره أمراً وارد الحدوث وهو ما يعد طريقة روسيا وإيران لتجنب مواجهةٍ مباشرة مع الجيش الأميركي.
وقبل أسابيع، عرَّفت وزارة الأمن الداخلي للولايات المتحدة الأميركية روسيا باعتبارها مصدر البرمجيات الخبيثة "المزروعة" في شبكة الكهرباء الأميركية، وأصدرت عيناتٍ من أكواد إلى المرافق الخدمية لمساعدتها على تنظيف أنظمتها. واتهم التحذير روسيا بشن سلسلة من هجمات الاختراق ضد محطات المياه والكهرباء والطاقة النووية الأميركية والأوروبية، وهو ما فسره المحللون على أنَّه اختبارٌ لقدرة موسكو.
لا تنسَ أيضاً المرتزقة الروس في سوريا.. والإيرانيين في العراق
وبينما كان ماتيس يعد الجيش للانتقام، حذَّر من احتمالية حدوث هجومٍ مضاد من جانب سوريا وروسيا وإيران إذا شنَّ الغرب هجوماً على سوريا. وأكد مسؤولو وزارة الدفاع الحاجة لإظهار دليلٍ مقنع أمام العالم على أنَّ حكومة الأسد شنَّت بالفعل هجوماً كيميائياً في مدينة دوما.
القوات الروسية والمرتزقة الروس منتشرون حاليّاً في سوريا، وتوجد القوات الإيرانية والميليشيات أيضاً داخل البلاد، ويمكن لهذه أن تنتقم من آلاف الجنود الأميركيين في سوريا والعراق. وكان موظفو الولايات المتحدة في أربيل، وهي مدينة كردية في شمال العراق، يهيئون أنفسهم للتصدي لهجومٍ إيراني محتمل على قواتهم هناك، وذلك وفقاً لمسؤولٍ أميركي.
ترامب فهم هو أيضاً الرسالة، فامتنع عن الاقتراب من القوات الروسية
وبعد أيام من التحذيرات من أنَّ ترامب قد خطَّط لردٍ ما، نقلت سوريا بعض طائراتها إلى قاعدةٍ روسية على أمل ردع الأميركيين من شن هجومٍ هناك، إذ أنَّ ذلك من شأنه أن يشعل نزاعاً بين قوتي الحرب الباردة. وحرص ترامب على عدم استهداف تلك القاعدة يوم الجمعة 13 أبريل/نيسان، ليتفادى بذلك ضرب الأهداف الروسية، وبهذا نجت طائرات القوات الجوية السورية.
لذلك غضب الأميركيون.. فجنرالاتهم يحسبون حساب بوتين أكثر من أي وقت مضى
وقال السيناتور ليندسي غراهام النائب الجمهوري عن ولاية كارولينا الجنوبية قبل ساعاتٍ من الهجوم إنَّه كان قلقاً من أنَّ القيادة العسكرية تتبنى موقفاً حذراً أكثر من اللازم. وصرَّح في إذاعة فوكس نيوز الأميركية بأنَّه "قلقٌ بشأن ما إن كان لدينا الجنرالات المناسبين الذين يتبنون العقلية السليمة هنا أم لا".
وأضاف: "إذا كان قادتنا العسكريون يستمعون إلى بوتين، وينوون التراجع لأنَّ بوتين يهدد بالانتقام، فهذه كارثة لنا في جميع أنحاء العالم. لا يجب أن تدع ديكتاتوراً يخبرك بما يجب عمله تجاه آخر قد تخطَّى خطين حمراوين بالفعل".