“لأننا سلمنا الراية إلى جيل الكابوهات الهادئين”.. شهادات ألتراس أهلاوي من أيام المجد إلى زمن المطاردة ومناشدة الرئيس

كانوا يحتلون مدرجات "التالتة شمال" التي ستصبح موقعهم المفضل، ويعلنون للمرة الأولى عن ميلاد رابطة عشاق الشياطين الحمر، "ألتراس أهلاوي".

عربي بوست
تم النشر: 2018/04/13 الساعة 13:21 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2018/04/13 الساعة 15:00 بتوقيت غرينتش

كانوا يحتلون مدرجات "التالتة شمال" التي ستصبح موقعهم المفضل، ويعلنون للمرة الأولى عن ميلاد رابطة عشاق الشياطين الحمر، "ألتراس أهلاوي".

كان ذلك في مثل هذا اليوم، 13 أبريل/ نيسان، من عام 2007.

وكانوا ثلاثة صفوف من حاملي الحجارة والدروع، يدافعون عن متظاهري التحرير، ويباغتون راكبي الجمال والخيول بالهجوم.

هذا ما شارك به أعضاء ألتراس أهلاوي في فبراير/شباط 2011 فيما يعرف بموقعة الجمل، بين ثوار التحرير وأنصار رئيس البلاد آنذاك حسني مبارك.

وكانوا محاصرين بين الأسمنت والأبواب الحديدية في استاد بورسعيد، بعد نهاية مباراة الأهلي والمصري، تحت قنابل الألعاب النارية، يختنقون بالدخان، ويسقطون قتلى.

هذا ما حدث لألتراس أهلاوي في فبراير آخر، عام 2012، فأين هم الآن؟

"نناشد سيادة الرئيس الأب عبد الفتاح السيسي بعد انتخابه رئيساً لمصر لفترة رئاسية جديدة بالعفو عن جماهير النادي الأهلي والتي تم القبض عليها بشكل عشوائي". توجهت مجموعة من ألتراس النادى الأهلي أبرز ألتراس في مصر  بهذه الكلمات عبر بيان إلى  الرئيس المصري عبدالفتاح السيسى  يطالبونه فيه بالعفو عن رفاقهم متعهدين له أمام الجميع، بعدم حدوث أي خروج عن النص في جميع مباريات الأهلي القادمة، وبالفعل تم الإفراج عن بعضهم قبل يومين. الإشارة إلى المقبوض عليهم بعد هتافات سياسية معارضة، أطلقها أبناء الرابطة من مدرجات مباراة الأهلي ومونانا الجابوني، 17 مارس/آذار الماضي.

هذا الالتماس أثار جدلاً بين متابعي الألتراس على وسائل التواصل الاجتماعي وحتى على المقاهي، بين من يراهم خضعوا للدولة التي ظلمتهم كما يقولون، ومن يؤمن أن ما فعلوه هو الصواب.

ألتراس أهلاويقد يشعركم بالأهمية والنشوة أن البعض ابتهج لهتافاتكم السياسية في او بعد مباراة الأهلي الإفريقية ليلة أمس…

Gepostet von Abdel Azim Hammad am Mittwoch, 7. März 2018

برغم كل ما حدث ويحدثألتراس الأهلي يوجة صفعة مدوية للنظام في أول تجمع ويهتف منادياً بالحريةعاش الألتراس <3 <3#ألتراس#حرية

Gepostet von Mostafa Gamal am Dienstag, 6. März 2018

حكاية الألتراس بدأت قبل وقفتهم الشهيرة في ميدان التحرير، بدأت في الملاعب عندما كان الجميع يخطب ودهم، السلطات الأمنية والمسؤولون السياسيون والرياضيون، ليتحولوا إلى أكثر المجموعات غير السياسية تنظيماً، حسب وصف وكالة أسوشيتدبرس.

الآن ينتهي بهم الحال محرومين من الملاعب والميادين على حد سواء وأحياناً حتى من الشوارع، وربما مطاردين بالشرطة والقضاء.

في هذا التقرير يرصد عربي بوست شروق وغروب شمس ألتراس أهلاوي في سماء الرياضة والسياسة في مصر.

ضربة البداية: نحن رفعنا شوكتي الشيطان الحمراوين لأول مرة

كان محمد سامي -العضو سابق بالألتراس يدفع من مصروفه 10 جنيهات كل شهر للرابطة. يقول لـ عربي بوست إنه لم تكن هناك أي مصادر تمويل اللهم إلا اشتراكات الأعضاء، "وكانت تختلف من شخص لآخر، كل واحد وإمكانياته. كنا نصرف منها على أدوات التشجيع، الطبلة والترومبيطة وميكروفون الكابو، أو قائد الألتراس. إضافة إلى ذلك كنا نشتري ورق الجلاد لنصنع منه الدخْلات، قبل ظهور دخلات التيفو، وهي لوحات قماش ضخمة نفردها على المدرج".

يتذكر، فيصمت قليلاً ثم يضيف: كان ومازال النادي الأهلي عندي أولى وأهم.

محمد سامي عرف رابطة ألتراس أهلاوي بعد الإعلان عنها في 2007، أي بعد مئة عام من تأسيس الأهلي في 1907.

على مدار السنوات تكونت مجموعات ارتبطت بالمدرجات والتشجيع، لم تكن الأمور منظمة أو تحمل أي شعار موحد لسنوات طويلة، لكن في 2007 فكر عمرو فهمي الذي يشغل حالياً منصب سكرتير الاتحاد الإفريقي في ضم المجموعتين الرئيسيتين تحت رابطة واحدة هي ألتراس أهلاوي في 2007. وفي مدرجات استاد القاهرة يوم 13 أبريل/نيسان من ذلك العام، أشهرت الرابطة ميلادها العلني.

نشأ عمرو فهمي في أسرة أهلاوية معروفة، فجده هو لاعب الأهلي مراد فهمي الذي شغل منصب مدير الكرة بالنادي وعضو بمجلس الإدارة، قبل أن يتولى منصب سكرتير الاتحاد الإفريقي لكرة القدم، وهو نفس المنصب الذي شغله نجله مصطفى فهمي لأكثر من 25 عاماً. واليوم يجلس الحفيد عمرو فهمي على المقعد ذاته.

فكرة الألتراس لم يستحدثها عمرو من الفراغ، بل رآها في أوروبا التي زارها كثيراً، في ذلك الوقت كانت تقريباً لكل الأندية المعروفة في القارة العجوز مجموعات مشجعين تعرف بالألتراس، Ultras، وهي كلمة لاتينية تعني التشدد والتطرف والحماس الفائق. وتنسب ويكيبيديا لمشجعي نادي سامبدوريا الإيطالي تكوين أول رابطة ألتراس في عام 1969، ثم سار المتحمسون على خطاها.

التسخين: اشتبكنا مع شرطة مبارك خارج الملاعب وتعلمنا القتال

علاقة ألتراس بالدولة بدأت متناغمة وسلسة، كان النظام -ممثلاً في قيادات الأمن ووزير الرياضة- يجلس معهم للتنسيق قبيل المباريات الهامة، وكثيراً ما يتم تقسيم المدرجات بين رابطات الألتراس المختلفة في لقاءات المنتخب التي يحضرها الرئيس. كانوا يعتبرونهم واجهة "لطيفة".

ثم بدأت السلطة تخشى هذه الرابطة منذ ميلادها، فهم يشكلون خطراً محتملاً بسبب حماسهم وعلاقتهم المتشابكة عبر المحافظات، حتى قبل ثورة يناير 2011، حسب الباحث كريم زيدان.

وظهرت شعارات جرافيتي للألتراس في زوايا الشوارع وعلى جدران المدرجات، وما بدأ بوصفه تعبيراً واضحاً عن حبٍّ للمجموعة ونادي كرة القدم أصبح كناية تحمل طابع المواجهة.
يؤرخ البعض لثورة يناير باعتبارها نقطة التحول في علاقة الدولة بروابط الألتراس، إلا أن وقائع الصدام تعود إلى عام ٢٠٠٨ عندما حاول الأمن منع الجماهير من حضور المباريات التي تُقام داخل الصالات المُغلقة مثل مباريات كرة اليد والسلة والطائرة، فحدثت اشتباكات بين الأمن والألتراس خارج الملاعب، ثم تكرر الأمر بصورة أكبر في مدينة بورسعيد في أغسطس/آب من العام نفسه خلال مباراة المصري والأهلي.

لم يتوقع كثيرون أنّ الخبرة التي اكتسبوها في هذه المشاغبات ستجعلهم يلعبون دوراً في الإطاحة بالنظام بعد أعوام، حسب تعبير زيدان.

لكن النوايا الحقيقة لجمال وصحبه نحو الألتراس تجلت إبان موقعة "أم درمان"  المفتعلة 2009 حين أقيمت المباراة الفاصلة بين مصر والجزائر في تصفيات كأس العالم. نشبت بعض الاحتكاكات التي ضخمها الإعلام واعتبرها معركة بين البلدين،  ربما لحشد الجماهير خلف الوريث ومنحه بعض الشرعية، وتجلى كيف تنظر الدولة إلى مجموعات الألتراس وأنها قد تعتمد عليهم، أو تستفيد منهم يوماً ما.

المباراة: وقفنا بالخطوط الأمامية في أيام الغضب والمجد

كان مصطفى محمد عضواً بالألتراس عندما اندلعت ثورة يناير، وينفي مثل كثيرين أن الرابطة اشتركت كفريق. "أنا عن نفسي ومعايا أصحاب شاركنا في أغلب أحداث الثورة، لكن هذا لا يعني أن الألتراس كرابطة كان مشاركاً. هذا خلط للأمور. الرابطة لم تدع أحداً للمشاركة، ولم تمنع أحداً من المشاركة. فقط تذكر، نحن رابطة لمحبي فريق الأهلي، لسنا حزباً أو تنظيماً سياسياً".

يدلل مصطفى محمد على صدق حديثه بأن الألتراس كان واضحاً جداً حيال استخدام اسمه في سجالات سياسية، "مثلاً تم فصل كريم عادل ومحمد طارق من الرابطة عقاباً لهما على إقحام الألتراس في مداخلات سياسية".

الروح الجماعية التي  كانوا قد اكتسبوها خلال سنين، جعلتهم مؤثرين خلال الثورة، فمصادمات الألتراس مع جنود الأمن المركزي في الملاعب على سبيل المثال، ساعدتهم فيما عرف لاحقاً بموقعة الجمل.

حكى عضو في الألتراس من دون الإفصاح عن هويته عن وقوف الألتراس في الخطوط الأمامية لأنهم يعرفون كيفية التعاطي مع الوضع، ولكنهم لم يشاركوا بصفة رسمية.

لكن المجلس العسكري، الذي كان يقود الدولة حينها، لم يكن يرى ما يراه مصطفى وغيره، بالنسبة له الألتراس كان من أكثر التجمعات الثورية الظاهرة، فضلاً عن كونهم أكثر من أهانوا الأجهزة الأمنية في أغانيهم.

وربما كانت إحدى نقاط  التحول التي حولت الألتراس إلى المشاركة في الثورة بشكل جماعي هي في مباراة الأهلي والمقاولون العرب في الذكرى الأولى لجمعة الغضب عام 2012 عندما هتفت المدرجات بصوت موحّد "يسقط حكم العسكر" لأول مرة، وبعدها بأيام معدودة وقعت مذبحة استاد بورسعيد.

المذبحة: نطقنا بالشهادة في ممرات الدخان والنار

هناك في ممر الموت كانت الأصوات تتعالى بحثاً عن النجدة، يتلاحمون كأنهم جسد واحد تحت قصف الشماريخ والألعاب النارية، والدخان الكثيف.

بدأوا يتساقطون قتلى.

الكل ينطق بالشهادة ويقع مغشياً عليه، أحدهم كان مصطفى شعبان عضو ألتراس أهلاوي، كما ورد في شهادة أحد زملائه الناجين بعد ذلك.
الأحداث التي عرفت إعلامياً باسم مذبحة بورسعيد  وقعت في فبراير 2012 خلال  مباراة الأهلي والمصري بملعب بورسعيد وسقط فيها 74 من مشجعي النادي الأهلي كانت ذروة الصراع بين النظام والألتراس.

إذ وجهت للشرطة اتهامات تداولها الإعلام بالتقصير بل التواطؤ أو السكوت عما حدث. وما زاد الغضب بين الألتراس  تعليق المشير محمد حسين طنطاوي، رئيس المجلس العسكري الذي كان يحكم وقتها.

مذبحة الألتراس في استاد بورسعيد رفعت من سقف المواجهة بين الألتراس والشرطة، فشهد محيط وزارة الداخلية اشتباكات استمرت نحو خمسة أيام، غير أن كابو ألتراس أهلاوي (قيادي في الألتراس) نفى مشاركتهم في هذه الأحداث في ذلك الوقت، "كنا مشغولين بجنازات أصدقائنا".

بعد الأحداث تقرر وقف الدوري لفترة ثم عاد مبارياته ولكن بلا جمهور، ودخل ألتراس في أزمتين، كما يقول لـ عرب يبوست الشاب العشريني مصطفى "الأزمة الأولى دم أصحابنا والقصاص لهم، والثانية هي العودة للمدرجات، حرماننا من تشجيع فريقنا هو عقاب لنا غير مفهموم، نحن الضحايا لسنا الجناة يا سادة، والبعد عن المدرجات ده أصعب شيء على واحد زيي".

الوقت المستقطع: هتفنا ضد الإخوان في 30 يونيو

رغم الاتهام المتداول في الإعلام للرابطة أن الإخوان اخترقوها أثناء حكمهم، فالعلاقة بين الجماعة والألتراس تغيرت بعد فوز محمد مرسي بالرئاسة.

فقد تم توجيه نقد شديد وهتافات عدائية ضد الإخوان خلال مظاهرات وأحداث محمد محمود محمود التي لعب فيها الألتراس دوراً كبيراً، ويصعب التأكد في ظل هذه الحشود هل ردد الألتراس هذه الشعارات أم لا، ولكن موقع أخبار النادي الأهلي يقول في ذلك الوقت أن الألتراس رددوا هتافات ضد الإخوان.

ومع تصاعد الأحداث في ظل حكم محمد مرسي، تحدث تقارير إعلامية متعددة عن مشاركة الألتراس في مظاهرات 30 يونيو ضد مرسي وجماعة الإخوان، ليبدأ عهد جديد لمصر وللألتراس بعد عزله.

الطرد: رفضنا مبادرة للصلح مع الرئيس وأصبحنا "جماعة إرهابية"

جماعة إرهابية، هكذا صنفت محكمة مصرية روابط الألتراس، وقررت حظرها عام 2015، ليظهر أن عهداً جديداً قد بدأ بين الدولة والألتراس مع صعود الرئيس عبدالفتاح السيسي لسدة الحكم، بعد فوزه بالانتخابات عهد بدت فيه سياسة العصا والجزرة واضحة.

ففي عام 2016  طرح السيسي مبادرة للتصالح مع الألتراس وتشكيل لجنة لكشف ملابسات قضية استاد بورسعيد، وهي المبادرة التي قوبلت بالرفض حينها من رابطة ألتراس أهلاوي.

وفي فبراير 2017 اعتبر النظام أنه بعد صدور أحكام الإعدامات على مرتكبي مذبحة بورسعيد، أصبح لا معنى أو مبرر للحديث عنها مرة أخرى.

وبعد ذلك ألقت قوات الأمن القبض على 18 شاباً، من أبرز قيادات ألتراس أهلاوي على خلفية محاولتهم إحياء ذكرى المذبحة في ملعب مختار التتش.

نتيجة المواجهة: وسلمنا الراية لأجيال جديدة تستكمل المباراة

ذهب "كابوهات" ألتراس القدامى.

قبضوا عليهم جميعاً: عبدينيو، كيمو، تيكا، إدريس، زهرة، إلخ.

لكن ظهر صف ثان "صف اتولد في ظروف الثورة".

هكذا يتذكر عضو أهلاوي الذي اشترط إخفاء اسمه، مضيفاً لعربي بوست أن "القيادات القديمة كانت أكثر جرأة على الصدام من الجديدة. "القادة الجدد شايفين إن الرابطة رياضية بالأساس، والهدف الأسمى من وجودنا هو تشجيع ودعم الفريق، وليس الصدام مع السلطة".

لكن مصطفى محمد -عضو ألتراس – يقول إنه لا يوجد خلاف بالمعنى الحرفي، ما حدث فقط هو أن جيلاً سلم القيادة لجيل آخر، والمباراة مستمرة.

علامات:
تحميل المزيد