تموت يومياً في هذا الشتات.. نرجس الأفغانية مهدَّدة بمقرِّ احتجازها خارج حدود أستراليا ومحظور عليها الاقتراب من أُمها

ويتم احتجاز هؤلاء الأشخاص، المتهمين بلا جريمة، في ظروف مروعة بالاحتجاز التعسفي وغير المحدد. وقد وثَّقت عشرات البلدان، والأمم المتحدة، وجماعات حقوق الإنسان، ومن ضمنها منظمة العفو الدوليةالاعتقال غير القانوني وأدانته.

عربي بوست
تم النشر: 2018/04/11 الساعة 09:53 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2018/04/11 الساعة 13:06 بتوقيت غرينتش

"أتناول المنومات باستمرار؛ لأنَّني لا أستطيع تحمُّل البقاء مستيقظةً".

نرجس، الفتاة الأفغانية، تفهم أنَّ سلطات قوات حرس الحدود الأسترالية تعتبرها امرأةً مستقلَّة؛ إذ إنَّها في السابعة والعشرين من العمر. "ومع ذلك، هذا ليس الحال في ثقافتنا؛ ومن ثم فإنَّ حياتي دون أمي لا معنى لها".

نرجس وأخوها دريوش يقبعان حالياً في ناورو، بعد أن تم ترحيلهما من أستراليا، التي ترفض بقاء أي شخص على أراضيها إذا وصل للبلاد عن طريق طلب اللجوء بالقوارب، وبدلاً من ذلك، يتم إرسال هؤلاء اللاجئين إلى ناورو، أو إلى جزيرة مانوس في بابوا غينيا الجديدة، من أجل "المعالجة الخارجية"، بهدف منع أي إعادة توطين حقيقية.

ويتم احتجاز هؤلاء الأشخاص، المتهمين بلا جريمة، في ظروف مروعة بالاحتجاز التعسفي وغير المحدد. وقد وثَّقت عشرات البلدان، والأمم المتحدة، وجماعات حقوق الإنسان، ومن ضمنها منظمة العفو الدولية و"هيومان رايتس ووتش"، الاعتقال غير القانوني وأدانته.

نرجس ودريوش لم يَريا أُمَّهما وأختهما منذ عام 2014، رغم التوصية المُلحّة والمتكررة من جانب العديد من المسؤولين، بضرورة لمِّ شمل الأسرة، بعد أن نُقلت الأم إلى أستراليا لأسباب صحية، ورافقتها أخت واحدة فقط، حسب تقرير لصحيفة The Guardian البريطانية.

وناورو، بلد جزري، وهي ثالث أصغر دولة في العالم، وتُوصف أحياناً بأنها تابعة لأستراليا، بينما تردّ حكومة الجزيرة على بعض تساؤلات ومطالبات وسائل الإعلام الأسترالية بتذكيرهم بأن ناورو ليست ولاية أسترالية.

يحمل الجميع صفة "لاجئ" من الحكومة في ناورو

الأسرة المكونة من 4 أفراد، هي من لاجئي الهزارة من أفغانستان. وصلت الأسرة إلى أستراليا عام 2013، بعد أن قطعت الطريق عبر باكستان وإندونيسيا، وأُرسِلَت إلى مركز خارجي لفحص طلبات اللجوء في ناورو، وجميع أفراد الأسرة يحملون صفة "لاجئ" من الحكومة في ناورو.

ولكن، في أغسطس/آب من عام 2014، نُقِلَت الأم إلى داروين بشمالي أستراليا لتلقي الرعاية الطبية العاجلة، ولم يُسمَح إلا لواحدةٍ من الأبناء الثلاثة بالانضمام إليها بعد نقلها بأسبوعين.

ومنذ ذلك الحين لم يلتئم شمل العائلة. ولا يمكن للأم والابنة التي تصحبها، التقديم على طلب تسوية أميركي إلا حين تعودان إلى ناورو، غير أنَّ صحة الأم لن تسمح لها بالعودة.

عانت كلٌّ من نرجس وأخوها نفسياً وجسدياً بعد انفصال الأسرة. وآذت نرجس نفسها وحاولت الانتحار، وشخَّص الأطباء حالتها وحالة أخيها بعدة أمراض، من بينها الاكتئاب الحاد، واضطراب ما بعد الصدمة.

وعانت نرجس عدوى في الأذن مدة عامين، وتقول إنَّها لم تتلقَّ العلاج السليم، وإنَّ هذا يُؤثر حالياً على حاسة السمع لديها. أما دريوش، فكان من المفترض أن يُنقل إلى بابوا غينيا الجديدة لتلقي الرعاية الطبية، ولكنَّه رفض أن يترك أخته.

وسبق أن أمر قاضٍ الحكومةَ الأسترالية بنقل فتاة لاجئة من جزيرة ناورو، التي كانت محتجزةً إلى الرعاية النفسية المتخصصة؛ لأنها كانت معرَّضة لـ"خطر شديد"، للقيام بمزيد من محاولات الانتحار إذا ما تركت في الجزيرة.

ونرجس تخضع باستمرار للعرض على فريق الصحة النفسية

وأوصى العديد من مزودي الخدمات الذين تدفع لهم الحكومة الأسترالية لتقديم الرعاية لهما، بضرورة لمّ شمل الأسرة لتحسين حالتهما.

واطَّلعت النسخة الأسترالية من صحيفة The Guardian على تقارير عديدة قدمتها الهيئة الدولية للصحة والخدمات الطبية، تتضمن توصياتٍ منتظمة ومتكررة بضرورة الإسراع بلمِّ شمل الأسرة، استناداً إلى إصابتهما بأمراضٍ نفسية خطيرة.

وذكر تقريرٌ صادر عام 2014، أن "نرجس لا تزال تمرُّ بحالاتٍ من التوتر التفاعلي نتيجة فصلها عن أمها".

وأضاف التقرير: "تخضع نرجس باستمرار للعرض على فريق الصحة النفسية، ويقدمون المشورة لها حول كيفية التكيُّف مع القدر الكبير من الضغوط، والتعامل معها. ويُوصي الطبيب النفسي بنقل نرجس إلى أستراليا ولمّ شملها مع أسرتها كأولوية قصوى".

ويذكر تقريرٌ نُشر عام 2015، أن "الطبيب النفسي التابع للهيئة يُوصي بلمّ شمل الأسرة؛ إذ تحتاج الأسرة أن تكون معاً لتتحسَّن الصحة النفسية للأخ وأخته".

وفي عام 2016، "قدَّم الطبيب التابع للهيئة والمسؤول عن حالتها عدة تقارير، تنص على أنَّ حالتها ربما تتدهور مستقبلاً، وهو أمرٌ أثبتته محاولتها إيذاء نفسها بتناول جرعةٍ كبيرة من الدواء".

ووفقاً للتقرير فإنَّ مزيداً من التقارير في أعوام 2017 و2018 أشارت إلى استمرار تدهور صحة الشقيقين، وأوصت بضرورة لمّ شمل الأسرة في أستراليا.

تعيش في مكان غير ملائم وغير صحي.. حتى للحيوانات

يُعتقد أنَّ نرجس هي المرأة الوحيدة التي تنتمي إلى قومية الهزارة الأفغانية في ناورو. وتعيش مع أخيها بخيمةٍ يملؤها العفن بشكلٍ ملاحظ، ودرجة حرارتها مرتفعة، وغير مجهَّزة كما ينبغي، داخل ما اصطلح على تسميته "معسكر احتجاز".

وتقول نرجس: "المكان الذي أعيش فيه غير ملائم وغير صحي، حتى للحيوانات! لو كنتُ في كابل الآن لكنتُ قد قُتلتُ دفعةً واحدة، أما في ناورو فأنا أموت ببطءٍ كل يوم. الانفصال عن بلدي أفغانستان أهون عليَّ من الانفصال عن أمي. أعتقد بقوة أنَّ التئام شملي مع أمي يمكن أن يُنقذ حياتي، وأتوسل للسلطات المعنيّة أن تأخذ حالتي الحرجة بعين الاعتبار".

والهزارة أقلية شيعية في أفغانستان، تعاني العنف الذي يستهدفهم حسب منظمة "هيومان رايتس ووتش"، وصل لقتل أُسر بأكملها في تفجيرات بالأسواق المزدحمة، أو في أثناء المواكب الدينية، والاعتداء عليهم في أثناء التوجه إلى العمل أو المدرسة، أو ذبح البعض منهم في أثناء الصلاة بالمساجد.

والدتها تتحرك بكرسي متحرك وتشعر بألم شديد

كاتبت نرجس وداريوش أكثر من 12 مرة، عدة جهات تم التعاقد معها لتوفير مجموعة من الخدمات خلال مدة احتجازهما، ومن بين هذه الجهات ترانسفيلد سيرفيسز، وكانستركت، وأنقِذوا الأطفال، وقوات حرس الحدود الأسترالية.

وكتبت نرجس، في مارس/آذار 2018: "أمي تحتاج مساعدتنا ودعمنا؛ لأنَّها تتحرك بكرسي متحرك. وهي تشعر بألمٍ شديد، وترزح تحت ضغطٍ نفسي كذلك. أُريد أن أعرف أي نوعٍ من العلاج هذا؟ كيف يمكن لحالة شخصٍ مريض يعاني الانفصال عن أسرته أن تتحسن؟".

وتلقَّت نرجس وأخوها 6 ردود على الأقل، كما ورد بالتقرير، تؤكد تسلُّم خطاباتهما، ولكنَّها لا تُقدم أي حلول.

وفي أحد الردود، في يناير/كانون الثاني 2018، طالبت قوة الحدود الأسترالية داريوش، بكل صراحة، بعدم مراسلتها ثانيةً إلا في حالة وجود "مشكلات جديدة جوهرية".

وتقول نرجس، إنَّ قوة الحدود الأسترالية أخبرتها بأنَّ لمّ شمل الأسرة أمرٌ ممكن من الناحية الواقعية، فقط إذا عادت أمها إلى ناورو.

غير أنَّ الأطباء يستبعدون إمكانية تطبيق هذا الحل؛ نظراً إلى تدهور صحة نسرين؛ فهي تلازم كرسياً متحركاً بسبب مشكلاتٍ في العمود الفقري، تسبَّبت في إصابتها بـ"إعاقةٍ شديدة"، وتنتظر الخضوع لعملية جراحية.

ويرجع جزءٌ على الأقل من حالة الأم إلى إصابتها عندما تعرَّضت للضرب المبرح في أفغانستان وهي تحاول حماية ابنها.

وأستراليا تدرك أن الإجراءات تضرّ الضعفاء من النساء والأطفال

هناك حالات كثيرة من فصل العائلات تطبقها السلطات الأسترالية، التي حين تقتنع بضرورة نقل شخص لتلقي الرعاية الطبية في أستراليا، لا تسمح على الإطلاق تقريباً لأسرته بمرافقته.

ويقول جورج نيوهاوس، المحامي المختص في حقوق الإنسان: "الحكومة تدرك تماماً أنَّ هذا الموضوع يضر الناس، وخصوصاً الضعفاء من النساء والأطفال، ولكنَّها تصر عليه رغم كل ما نقدم من أدلة على فشله".

وترفض الحكومة الأسترالية بشكلٍ مستمر أن تتصرف وفقاً لنصيحة مقدمي الخدمات. وفي عام 2016، كشفت تقارير أنَّ امرأة شابة من ضحايا الاغتصاب تُرِكَت في ناورو شهوراً، رغم التوصيات من جانب جميع الجهات على متن الجزيرة، ومن ضمنها الحكومة.

ويقول نيوهاوس: "رأيتُ حالةً تلو حالة يضرب فيها مسؤولو الحكومة بكل بساطة، بعرض الحائط، نصائح الخبراء، التي تشير إلى أنَّ أفراد العائلة معرَّضون لضررٍ حقيقي؛ بل وحتى الموت بسبب سلبية الحكومة، ومع ذلك يتجاهلون النصح".

ويضيف نيوهاوس أنَّ الحكومة لا بد أن تعمل "سريعاً" على شغل المنصب الشاغر لكبير المسؤولين الطبيين في قوة الحدود الأسترالية، الذي شغله الدكتور جون برايلي عامين، حتى سبتمبر/أيلول 2017.

وتابع: "على الأقل حين يكون لديهم ممارسٌ طبي يشغل هذا الدور، سيكون هناك مَن يدافع عن صحة طالبي اللجوء ورفاهيتهم من الداخل".

وفي سيدني، احتشد ما يربو على 400 طبيب وطالب طب، يوم الأحد 8 أبريل/نيسان 2018، ضد سياسات الاحتجاز، وضد تجاهل الحكومة مخاوفهم.

ونظم المظاهرة اتحاد طلاب كليات الطب في أستراليا، الذي دعا إلى وضع نهاية للمراكز الخارجية "غير المقبولة وغير الإنسانية" لفحص الطلبات، ودعا كذلك إلى التقييم المستقل لصحة اللاجئين وطالبي اللجوء.

وتواصلت صحيفة The Guardian مع الهيئة الدولية للصحة والخدمات الطبية لسماع القصة من جانبهم، غير أنَّ جميع الأسئلة أُحيلَت إلى وزارة الشؤون الداخلية الأسترالية، التي قالت إنَّها لا تعلق على الحالات الفردية. ولم يردَّ مكتب الوزير بيتر دوتون على الأسئلة المطروحة.

تحميل المزيد