حتى النظام السوري وجد في أنفاق “الغوطة” فرصة للاستثمار.. خرائط للعالم المخفي تحت الأرض

عربي بوست
تم النشر: 2018/04/10 الساعة 13:24 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2018/04/10 الساعة 14:00 بتوقيت غرينتش

يبدو أن العالم الذي صنعته قوات المعارضة السورية خلال السنوات الماضية تحت الأرض في الغوطة الشرقية بريف دمشق، سيتحول إلى أفكار استثمارية للحكومة السورية التي أعادت سيطرتها على هذه البقعة بعد حصار فرضته عليها منذ العام 2013.

وجاء ذلك القرار في اجتماع خصصته الحكومة الاثنين 9 أبريل/ نيسان من أجل إعادة إعمار الغوطة.

فالحديث هنا عن أنفاق تمتد على مسافات شاسعة حفرت على مدار السنوات الماضية، يمكن للإنسان والسيارات وحتى الشاحنات الدخول إليها والتنقل من خلالها، وكانت وسيلة السوريين المحاصرين في نقل بضائعهم، وتهريب السلاح والمواد الغذائية والطبية.

كيف بُنيت كل هذه الأنفاق؟

تمتد شبكة الأنفاق المتداخلة في الغوطة الشرقية على مسافة خمسة كيلومترات تحت الأرض، وتتسع تلك الأنفاق لعبور الأشخاص والسيارات والبضائع، وتشمل بعضها مستودعات للذخيرة ومشافي ميدانية، وبُنيت هذه الأنفاق بحرفية عالية فوضعت لها الكثير من الدعامات المعدنية وكاميرات المراقبة، بالإضافة إلى شبكة إضاءة من أجل إنارة الطريق.

لكن يظل السؤال: متى ظهرت هذه الأنفاق، وما التسلسل الزمني لبنائها؟

1- نهاية عام 2013: بدأ حفر أول نفق في الغوطة الشرقية على يد فصيل فجر الأمة، وذلك بين مدينة حرستا والمنطقة الواقعة غربي الأوتوستراد الدولي، وافتتح النفق عام 2014، وارتكز استخدامه على الجانب العسكري من خلال مد منطقة برزة الواقعة في دمشق بالسلاح والمقاتلين.

2- يناير/كانون الثاني عام 2015: حفر فصيل جيش الأمة نفقاً يوازي النفق الأول، وقبيل الانتهاء من حفره تخلص جيش الإسلام من هذا الفصيل واعتقل قائد أبو صبحي طه، لتعود إدارة النفق إلى "فجر الأمة" الذي فرض نفسه كأمر واقع، وذلك بحكم وقوع النفق في المنطقة التي يسيطر عليها.

3- مايو/أيار 2015: حفر فصيل اللواء الأول وفيلق الرحمن نفق "الرحمة"، بطول يصل إلى 2800 متر، وخُصص هذا النفق لعبور السيارات والشاحنات.

4- يونيو/حزيران 2015: دخل "جيش الإسلام" في حرب الأنفاق، إذ بنى نفقاً يمتد على مسافة ثلاثة كيلومترات، ويبدأ من حي القابون ويتفرع إلى بوابتين؛ إحداهما تفضي إلى مدينة عربين، والأخرى إلى بلدة زملكا، واستُخدم لمرور الشاحنات والسيارات.

5- سبتمبر/أيلول 2015: اشترك كل من فيلق الرحمن وجبهة النصرة في بناء نفق آخر أُطلق عليه "نفق النور"، بلغ طوله 1800 متر، وكان مخصصاً لعبور المشاة بين مدينة عربين وحي القابون الواقع شمالي دمشق، لكن لم نستطع تحديد موقعه بدقة على الخريطة

وشهد نشاط الأنفاق تراجعاً خلال عام 2017؛ نتيجة تمكن الجيش السوري من السيطرة على أحياء برزة والقابون وتشرين في شرقي دمشق، ليتحول بذلك الاعتماد الرئيسي إلى النفق الممتد بين بلدات الغوطة الشرقية وحي جوبر في دمشق القديمة، الذي يسيطر عليه فصيل "فيلق الرحمن" المعارض.

نشاط اقتصادي

استُخدمت الأنفاق في البداية لنقل المقاتلين والسلاح والذخيرة، ثم توسع النشاط بعد ذلك ليمتد إلى نقل البضائع والمدنيين، مما حولها إلى نشاط اقتصادي له نظامه الخاص وشروطه لحركة العبور، بالإضافة إلى فرض إتاوات على البضائع، لتقع الغوطة بذلك بين قصف قوات الجيش السوري من ناحية، وابتزاز التجار من ناحية أخرى، وكان من أشهر التجار المسيطرين على أنفاق الغوطة أبو خالد الدقر، المعروف في الغوطة بأبو خالد الزحطة.

يعد "الزحطة" أكبر مورد للمواد الغذائية للغوطة، وذلك عبر نفق حرستا، وكان يعمل تحت غطاء "فجر الأمة"، لكنه انتقل للعمل مع فصيل "فيلق الرحمن"؛ إذ إن الأولوية في عمله هي تأمين طلبات المنتسبين للفيلق بأسعار زهيدة، مقابل حماية الفيلق له، وكانت المواد الغذائية تدخل بعد فرض ضريبة عليها تتراوح بين 25-45% من السعر الأصلي، وهو ما جعله المحتكر الأول للبضائع، أما بالنسبة لنقل الشخص الواحد عن طريق النفق فقد بلغت تكلفته 250 ألف ليرة سورية.

كما دخلت قوات النظام السورية في هذا النشاط الاقتصادي المربح بعد سيطرتها على منفذ مخيم الوافدين في ريف دمشق، الذي تخصص في تجارة البضائع، عن طريق رجلي الأعمال المواليين للنظام جورج حسواني وأبو أيمن المنفوش.

يقيم جورج حسواني الحامل للجنسيتين السورية والروسية في دمشق، ويتواصل مع تجار محليين بمدينة دوما، إذ يعمد إلى بيع بضائع من الدرجة الثالثة والرابعة إلى السوريين المحاصرين في الغوطة بسعر الدرجة الأولى.

أما رجل الأعمال الثاني المشارك في عملية التهريب عبر منفذ مخيم الوافدين فهو أبو أيمن المنفوش، صاحب سلسلة شركة المراعي الغذائية، الذي شارك مع أربعة من ضباط المخابرات في إدخال أعلاف الأبقار إلى الغوطة، مقابل احتكار الحصول على حليبها.

الأنفاق فكرة تطورت عبر الزمن

كانت الأنفاق تستخدم قديماً من أجل استخراج المعادن النفيسة، أو كملجأ وقت الحرب والأزمات، أما في العصر الحديث فقد توسع استخدامها بشكل كبير، ففي بعض الدول كان الغرض منها تسهيل حركة المرور، مثل نفق بحر المانش بين بريطانيا وفرنسا، الذي يصل طوله إلى 34 كيلومتراً.

كما اشتهر استخدام الأنفاق خلال الحروب بشكل كبير، وأشهرها الحرب الفيتنامية التي استخدم الفيتناميون فيها الأنفاق ضد فرنسا وأميركا، وكانت سبب هزيمة أميركا في الحرب، ومن أشهر الأنفاق التي بُنيت في فيتنام نفق "كوتشينغ"، الذي كان عبارة عن نظام من الأنفاق يضم مستشفيات ومطابخ وقاعات اجتماعات ومخازن سلاح، وأصبح هذا النفق اليوم مزاراً سياحياً، يشهد على كفاح الشعب الفيتنامي من أجل الحصول على حريته.

وقد استنسخت كوريا الشمالية التجربة الفيتنامية في بناء الأنفاق، وصدَّرت خبرتها إلى إيران، التي بدورها نقلتها إلى حلفائها مثل حزب الله في لبنان والحوثيين في اليمن.