هل كان تنظيمها أفضل من منعها؟ الجزائر تحظر الرقية الشرعية بالمساجد والمرضى حائرون

القرار الوزاري الموجه لكافة المؤسسات الدينية، يمنع كلَّ أشكال استعمال الرقية بهذه المؤسسات من قبل الأساتذة والمؤذنين، وكذا من مدرسي القرآن الكريم.

عربي بوست
تم النشر: 2018/04/07 الساعة 16:12 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2018/04/07 الساعة 17:29 بتوقيت غرينتش

على أعتاب باب مسجد "عائشة أم المؤمنين"، شرقي العاصمة الجزائر، يقف رشيد سوالمي ومعه ابنه نجيم، صاحب الـ28 عاماً، في انتظار خروج الإمام، وفق موعد مسبق يتعلق ببرنامج للرقية الشرعية.

الساعة تشير إلى التاسعة والنصف صباحاً، يوم السبت 7 أبريل/نيسان 2018، سيارة رمادية تقترب من المسجد، وعلى متنها 3 أفراد، فأحدهم تعوَّد على برنامج العلاج باستعمال الرقية الشرعية لدى إمام المسجد.

يفتح شيخٌ يبدو في السبعينيات من عمره، نافذة السيارة ليسأل رشيد، إن كان الإمام بدأ عمله أم لا؟ لتأتيه الإجابة من شخص آخر خرج من الباب الخارجي لمقصورة المسجد، وهو رئيس الجمعية الدينية لمسجد عائشة أم المؤمنين، ويخبر الجميع بأن الرقية من الآن فصاعداً غير متوفرة بالمسجد.

منعتها الوزارة

يتأمل سوالمي في ابنه المصاب بـ"وسواس"، كما قال لـ"عربي بوست"، مُمسكاً بيده، منصتاً لكلام عبدالحميد بربارة، رئيس اللجنة الدينية لمسجد عائشة أم المؤمنين، الذي شرح لهم سبب غياب الإمام عن البرنامج المعهود.

وأكد بربارة في حديثه لـ"عربي بوست"، أن الوزارة الوصية على القطاع، راسلت أئمة ولجان المساجد، ومنعت فيها مباشرةً الرقية الشرعية داخل المساجد بكل شكل من الأشكال، من قِبَل الإمام أو مساعديه، أو أي شخص كان.

وأردف المتحدث قائلاً: "في السنوات الماضية كانت الوزارة تكتفي بتصريحات، أو تلميحات عن منع الرقية الشرعية بالمساجد، لكن هذه المرة لجأت إلى إرسال تعليمات إلى المساجد توثِّق ذلك المنع".

وبالتالي كان لزاماً على الأئمة تطبيق التعليمات، وإلا التعرض لمشكلات وعقوبات من قبل المديريات التابعة لوزارة الشؤون الدينية والأوقاف، قد تصل حدَّ الفصل، حسب ما ذكره بربارة.

استغلالاً للضعف والثقة الزائدة

القرار الوزاري الذي يحمل رقم 410، الصادر بتاريخ 3 أبريل/نيسان 2018، والموجه لكافة المؤسسات الدينية، وعلى رأسها المساجد والمدارس القرآنية، يمنع كلَّ أشكال استعمال الرقية بهذه المؤسسات من قبل الأساتذة والمؤذنين، وكذا من مدرسي القرآن الكريم.

وزارة الشؤون الدينية، حسب صحيفة الخبر الجزائرية، حذَّرت كافة المنتمين إليها من التورُّط في التلاعب بحالات مرضية لأشخاص مصابين باضطرابات نفسية، ألجأتهم ظروفهم الصعبة إلى فئة استغلت وضعيتهم، وجعلت من الرقية وسيلة للاستغلال الرهيب لهذه الحالات.

هذه الاستنتاجات تأتي كحصيلة نشاط تفتيشي لإطارات المديريات التنفيذية، عبر مختلف الولايات، وكذا فهي حوصلة لسلسلة شكاوى صدرت من مناطق متعددة، وتورّط العديد من الأئمة ومساعديهم في ابتزاز الحالات المرضية الضعيفة.

ووجّهت اللجنة الوزارية المكلفة بمتابعة الملف، أعوانها الإقليميين، بالعمل على محاربة كافة أشكال الاستغلال للمريض، مهما كان جنسه وسنه ومستواه الاجتماعي، من خلال توزيع للعمل عبر كامل التراب الوطني، بتكليفات من المديرين التنفيذيين.

التهديد بالتوقيف والحبس

بودوخة إبراهيم، المسؤول بوزارة الشؤون الدينية والأوقاف، ورئيس نقابة الأئمة في الجزائر، يعتبر الإجراء "تنظيمياً"، معترِفاً بوجود أخطاء يرتكبها بعض القائمين في المساجد، وبالتالي لا بد من التقيُّد بالقرار، حسب رأيه.

وقال بودوخة لـ"عربي بوست"، إن الإسلام "يأمرنا بالنظام والانتظام والاستقامة في الأفعال، وهو يحارب كلَّ أشكال الفوضى، وبالتالي فالرقية كثيراً ما يستغلها البعض في غير محلها، ونحن كنقابة نرفض ذلك تماماً".

القرار الوزاري صدر -طبقاً لما قاله- بعد بيان لمجلس الإفتاء بالمجلس الإسلامي الأعلى، وهي هيئة يخول لها ترتيب الأمور والأولويات، مشيراً إلى أن القرار تحدث حتى على العقوبات.

ويقول في هذا الشأن: "قد تصل الأمور إلى حدِّ فصل الأئمة، الذين يخالفون نصَّ التعليمات، وأكثر من ذلك فقد يتعرَّض هؤلاء لمتابعات قضائية، والحبس في حال تورط الأئمة ومساعديهم في ابتزاز الحالات المرضية".

الرقية ليست مهنة

وزير الشؤون الدينية والأوقاف محمد عيسى، وقبل أقل من سنة من الآن، اعتبر أن الرقية ليست مهنة، وحذَّر الجزائريين من "التعامل مع هؤلاء التجار"، كما وصفهم.

جاء ذلك بعد سؤال شفوي غريب، طرحه البرلماني محمد الداوي، عن حزب الكرامة، طالب من خلال وزير الشؤون الدينية، تنظيم الرقية، وإدخالها إلى قطاعات غير الشؤون الدينية.

وتحجج البرلماني حينها بوجود حالات مرضية مستعصية، لا يمكن للطب تشخيصها، ما تسبَّب في توقيف عدد من العمال، لأنهم لا يحوزون عطلاً مرضية ممنوحة من الجهات المعتمدة، وبالتالي فالرقاة وحدهم يستطيعون تشخيص هذه الأمراض ومنح العطل .

صراخ مستمر بالمساجد

أكرم بلخيثر، مواطن من ولاية سطيف التي تبعد 300 كلم شرقي الجزائر العاصمة، يساند وزارة الشؤون الدينية والأوقاف في قرارها الأخير، ويراها فرصة لترتيب العمل المسجدي، وتخليصه من الفوضى التي كانت تشوبه.

وأضاف لـ"عربي بوست"، أنه في سابق الأيام تحوَّلت بعض المساجد إلى صراخ للمرضى، وفي بعض الأحيان حتى أثناء الصلوات والدروس، لما يقوم الأئمة ومساعدوهم برقية المصابين بالمسِّ والسحر".

كما أن ظاهرة الدلاء والقارورات المعبأة بالماء والزيت بغرض الرقية "تكاد لا تفارق جلَّ المساجد في أعقاب الصلوات الخمس، وتعليمات الوزارة بمنع الرقية داخل المساجد سيُعيد لهذه المؤسسة هيبتها"، على حد تعبيره.

حاربوا الشعوذة والدجل بدل الرقية

نقيب الأئمة في الجزائر، جلول حجيمي، يعتبر ما قامت به وزارة الشؤون الدينية والأوقاف، خطأً يجب تداركه سريعاً، لأن القرار الأخير في نظره جاء ليمسح سنن العلاج الروحي والديني.

وقال حجيمي في تصريح لـ"عربي بوست"، إنه كان على وزارة الشؤون الدينية والأوقاف، محاربة كل أشكال السحر والشعوذة، عبر ربوع الوطن، بدل التفرغ للتضييق على الأئمة، ومنع الرقية الشرعية".

فالجزائر كما قال "تشهد تنامياً كبيراً في ظاهرة انتشار السحرة والدجالين، دون تحرك الوزارة بنفس الوتيرة التي تحركت بها في محاربة الرقية الشرعية، والتي كانت سابقاً مجرد كلام، قبل أن يتطور إلى تعليمات موقَّعة من قبل الوزير نفسه".

فالعلاج بالرقية، حسب حجيمي، متفق عليه، خاصة ما تعلق بحالات المس والسحر وغيرها، فحتى الأطباء وعائلاتهم كما قال "تلجأ للأئمة والرقاة بغرض التداوي من العديد من الأمراض".

ولم يُخف حجيمي وجود حالات رقية غير قانونية، وبعض حالات الابتزاز، وقال في هذا الخصوص: "على هيئات الوزارة متابعة هؤلاء، وهم حالات شاذة في الوطن، بدل تعميم الاتهامات ومنع الرقية الشرعية".

المطلوب تنظيم الرقية الشرعية

نقيب الأئمة في الجزائر، يقترح على وزارة الشؤون الدينية والأوقاف، تنظيم الرقية، بمنح تراخيص للأئمة الراغبين في العلاج باستعمال الرقية.

هذه الطريقة، حسب حجيمي "ستساعد في متابعة الأئمة، وتحمل المسؤوليات من قبلهم، كما أنها ستقضي على الفوضى التي تشهدها الرقية في المساجد، أو المدارس القرآنية عبر ولايات الوطن".

هذه النظرة، يضيف حجيمي "جاءت قناعة منا لاستحالة سحب الرقية الشرعية من المشهد الديني، فهناك مسؤولون سامون وإطارات في الدولة، يقصدون الرقية للعلاج، لهم ولعائلاتهم".

فأنا شخصياً، كما يُردف "أشرفت على رقية شخصيات سياسية، ومسؤولين في الدولة، وعدد كبير من الأطباء والدكاترة المتخصصين، لذا فالرقية قناعة وعلاج قرآني نطالب بتنظيمه بدل محاربته".

إلى أين سنذهب الآن؟

يهمّ رشيد سوالمي بمغادرة أعتاب مسجد عائشة أم المؤمنين، شرقي العاصمة، وكله حيرة من المقصد الذي سيقصده، لإتمام معالجة ابنه باستعمال الرقية الشرعية، فالأطباء كما قال لـ"عربي بوست" يؤكدون أن حالة ابنه ليست عند المصحات والمستشفيات.

وقال: "الحصص العلاجية التي أشرف عليها الإمام (س. مراد) على مدار الأسابيع الماضية، لمسنا فيها تحسناً في وضعية الابن نجيم، الذي يعاني من وسواس وقلق كبيرين".

وتساءل بنبرة الحيران: "إلى أين سأذهب بابني الآن بعد هذه التعليمة!"

قبل أن يجيبه صاحب السيارة الرمادية، بأنه يعرف إماماً يعالج باستعمال الرقية الشرعية في بيته الخاص، في حين تعذَّر علينا الوصول لإمام مسجد عائشة أم المؤمنين، لمعرفة رأيه في كل ما صدر عن الوزارة الوَصيَّة.

علامات:
تحميل المزيد