دبي في قلب القاهرة.. مصر تخلي مثلث ماسبيرو وتسلّمه لشركات إماراتية وسعودية وكويتية، وكل الأحياء التاريخية تنتظر دورها

"مثلث ماسبيرو".. حلم رجال الأعمال يتحول إلى حقيقة أخيراً بعد أن بدأت الحكومة المصرية خلال الأيام القليلة الماضية عملية إخلاء المنطقة الواقعة في قلب القاهرة

عربي بوست
تم النشر: 2018/04/07 الساعة 13:42 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2018/04/07 الساعة 13:43 بتوقيت غرينتش

"مثلث ماسبيرو".. حلم رجال الأعمال يتحول إلى حقيقة أخيراً بعد أن بدأت الحكومة المصرية خلال الأيام القليلة الماضية عملية إخلاء المنطقة الواقعة في قلب القاهرة، تمهيداً لعمليات التطوير التي تعطلت لقرابة 15 عاماً نتيجة عمليات شد وجذب بين السكان.

وظلت منطقة "مثلث ماسبيرو" حلم رجال الأعمال المصريين والعرب، وترددت قصص كثيرة عن محاولات من كبار رجال الأعمال مثل نجيب وسميح ساويرس السيطرة على المنطقة، وإقناع الأهالي بقبول تعويضات وتركها. لكن دائماً ما كانت تبوء هذه المحاولات بالفشل.

ومثلت ماسبيرو، هو منطقة سكنية تقع في منتصف القاهرة، وتفصلها أمتار قليلة عن نهر النيل، وعدة أمتار أخرى تفصلها عن ميدان التحرير، والمتحف المصري، ما يجعلها مثيرة للعاب أي مستثمر.

وذكرت صحف محلية، نقلاً عن نائب محافظ القاهرة، قوله إنه سيتم إخلاء حي بولاق من المنازل المتبقية به، ضمن خطة الدولة لتطوير المناطق العشوائية، على أن تنتهي عمليات الإخلاء بالكامل خلال أسبوعين تقريباً.

وبالفعل، بدأت عملية الإخلاء للأهالي بشكل تدريجي ودون وجود مشاكل كبيرة، حيث أوضحت الحكومة أن 75% من الأهالي طلبوا الحصول على تعويض مادي بما يقرب من 2300 أسرة. بينما يرغب 18% في البقاء في المنطقة و7% يرغبون في الانتقال إلى حي الأسمرات.

لكن يبدو أن قصة هذا المثلث أكبر من مجرد "تطوير" منطقة في العاصمة المصرية.

شركات عربية لتحويلها إلى ريفييرا

مسؤول حكومي رفض ذكر اسمه، قال لـ "عربي بوست"، إن فكرة تطوير مثلث ماسبيرو أصبحت في طريقها للتنفيذ الفعلي الآن.

وتبلغ المساحة الإجمالية للمنطقة 84 فداناً، تشمل مبنى الإذاعة والتليفزيون ومقر وزارة الخارجية المصرية والقنصلية الإيطالية، بينما تصل المساحة المستهدف تطويرها إلى 51 فداناً، وسيتم تخصيص 10 أفدنة منها لبناء العمارات المخصصة للأهالي الذين يفضلون الاستمرار.

وتمتلك الدولة حالياً نسبة 10% فقط من مساحة المنطقة، في حين تخضع 25% من الأرض لملكية الأفراد. والمساحة المتبقية مملوكة لشركتين سعوديتين وشركتين كويتيتين بالإضافة إلى شركة إعمار الإماراتية (الأخيرة دخلت في شراكة مؤخراً)، وأيضاً لشركة ماسبيرو للتنمية العمرانية.

هذه الشركات، كما يقول المسؤول الحكومي، هي التي تضغط للحصول على المنطقة كلها لتنفيذ مشروعات عقارية فاخرة بها.

الخبير الاقتصادي المصري عبد النبي عبد المطلب، قال لـ"عربي بوست" إن المخطط المستهدف هو تحويل هذه المنطقة إلى ما يشبه "الريفييرا"، أي أنها ستكون حكراً على أثرياء الأثرياء، "أعتقد أنه لن يسمح مجرد المرور في شوارعها، وليس استغلالها في البيع والشراء كما هي الآن".

أحد المسؤولين المطلعين على تفاصيل المشروع الجديد قال لـ"عربي بوست"، إن هناك مسعى لإقامة نموذج مصغر من إمارة دبي بالمنطقة، بحيث تتحول المنطقة إلى ما يشبه الفندق الفاخر الذي تتم فيه أمور السياسة والاقتصاد تحت غطاء السياحة.

ولفت المتحدث إلى أن القيادي في جماعة الإخوان المسلمين خيرت الشاطر، سعى لإقامة مشروع مماثل بالمنطقة عام 2012، لكنه لم يتمكن من إتمامه بسبب تغير الأوضاع السياسية.

وأكد أن ما يجري حالياً، وإن كانت الدولة المصرية ستستفيد من بعض جوانبه، إلا أنه "ربما يخلق منطقة يمنع على المصريين الاقتراب منها رغم أنها في وسط عاصمتهم، وأغلب الظن أن هذه المنطقة ستحظى بقدر من التأمين والحماية الكبيرين"، على حد قوله.

وعن عدم الاستفادة من العاصمة الإدارية الجديدة التي تقام في صحراء شرق القاهرة، في هذا الغرض، يؤكد ذات المصدر أن موقع منطقة ماسبيرو الحساس من الناحية الأمنية والمتميز من الناحية الاقتصادية، لا يضعها مع مقارنة بأي منطقة أخرى.

وأضاف "أعتقد أن الأمر إن نجح، فإنه سيمتد إلى منطقة العتبة والتوفيقية وصولاً إلى العتبة والحسين والأزهر، فهذه المناطق تمثل القاهرة التاريخية، وتحظى باهتمام غالبية المستثمرين وخاصة الخليجيين منهم.

الضغط على السكان لقبول التعويضات

ترجع قصة المنطقة إلى بداية ثمانينيات القرن الماضي، عندما بدأت محاولات من شركات سعودية وكويتية للاستيلاء عليها بحجة أنها منطقة عشوائية، ولا تصلح للحياة الآدمية في القرن العشرين، قبل أن يتصدى السكان لهذه المحاولات.

وقبل ثورة 2011، حاول الحكومة إخلاء المنطقة عبر تعويض السكان، وقد تم التسعير على أساس الوحدات آنذاك، وفق ما أكده أحمد، وهو أحد السكان الذين تحفظوا عن ذكر اسمائهم كاملة، لـ"عربي بوست".

وأضاف "آنذاك كان التعويض يصل إلى 20 ألف جنيه (كانت تساوي حوالي 4 آلاف دولار)، وقد حصل البعض على التعويض ورفض البعض الآخر، ثم قامت الثورة فرفض الجميع إخلاء المكان، بمن فيهم من تسلموا التعويضات.

ووعدت الحكومة آنذاك السكان بنقلهم إلى مساكن بديلة، لكنهم اعترضوا على أن هذه المساكن كانت بعيدة جداً عن المنطقة.

وبسبب إصرار عدد من الأهالي على البقاء في المنطقة، تم الاتفاق على بناء مجمع سكني متطور لهم على خُمس المساحة الكلية، أي على نحو 10 أفدنة.

وقد ثمنت الحكومة التي ترأسها إبراهيم محلب عام 2014، الغرفة في المنطقة بـ 50 ألف جنيه (كانت تعادل 6 آلاف دولار تقريباً)، لكن الأهالي لم يقبلوا بهذا العرض.

وفي عام 2015، تم تثمين المنطقة كأرض فضاء بـ 120 مليار جنيه (الدولار كان أقل من 10 جنيهات). وتم تقدير سعر المتر المربع من الأرض بنحو 40 ألف جنيه، بحسب المسؤول الحكومي.

ورغم وجود اتفاق مبدئي على هذه القيمة، فإن سياسات التعويم التي أوصلت الدولار إلى 18 جنيهاً، دفعت الأهالي (أكثر من 20 ألف نسمة) للمطالبة بمضاعفة قيمة المتر المربع.

وقد تم لاحقاً زيادة قيمة الغرفة إلى 100 ألف جنيه.

 

ويضيف المسؤول "بعد الإهمال المتعمد من الحكومة لخدمات الصرف في المنطقة، تعرضت المنازل لخطر السقوط والتهدم، نظراً لقدمها وفقر أهلها وارتفاع تكاليف ترميمها"، وكان ذلك نوعاً من الضغط الحكومي لإجبار السكان على الإخلاء.

نفس الأمر أكده الخبير الاقتصادي عبد المطلب، الذي قال إن الحكومة تعمدت إطالة الوقت، ومنع إصدار تراخيص الترميم، وأهملت الصرف الصحي حتى تهدمت معظم البيوت وأصبح الجزء المتبقي على وشك السقوط.

وأوضح أن الأهالي لم يعد بمقدورهم ترميم مساكنهم إما لارتفاع التكلفة وإما لعدم وجود تصاريح، والتهديد بفرض غرامات باهظة إذا ما تجرأ أحدهم على الترميم دون ترخيص.

كما لفت إلى أنه تم فعلياً نقل أكثر من 300 أسرة لمشروع "الأسمرات" بمنطقة المقطم شرقي العاصمة. وقال إنه تمت إزالة العقارات التي كانت مملوكة لهذه الأسر، ثم تُركت الأنقاض حتى تحولت إلى خرابات مهجورة تهدد حياة من لم يقبلوا بالتعويض لما شهدته من تجمع الحشرات والثعابين وغيرها، لإجبارهم على القبول.

ومؤخراً، تحولت أحاديث الاستيلاء على المنطقة وإزالتها، إلى أحاديث تطويرها بالشكل الذي يحافظ على أرواح السكان ويوفر لهم حياة كريمة.

وأوضح أنه تم التوصل لاتفاق مع الملاك على أن تحصل الدولة على 40% من أراضي الأهالي لبناء وحدات سكنية لهم، مقابل منحهم حق البناء أو الاستثمار بالمنطقة مع الالتزام بالمخطط العام للمشروع، على أن تتحمل الحكومة مسؤولية الإنشاء فقط. كما تقول محافظة القاهرة إنها تركت للسكان حرية الاختيار بين الانتقال إلى الأسمرات أو التعويض المالي أو العودة بعد التطوير.

خطة الحكومة لتطوير الحي عمرانياً

وتقول الحكومة إن الشركات المشاركة بالمشروع (خليجية) سيسمح لها بالبناء على 60% من ملكيتها في حين تترك الـ40% الأخرى لعمل لشوارع وبناء مساكن للعائدين من الأهالي.

فقد أعلنت وزارة الإسكان عام 2017، عن البدء في إعداد المخطط العام لتطوير المنطقة بالتنسيق مع محافظة القاهرة، وذلك بعد التوصل إلى اتفاق مع السكان على آليات التعويضات والتي تتضمن الحصول على تعويض مادي أو الحصول على وحدة بديلة في منطقة "الأسمرات" أو وحدة في ماسبيرو بآليات الإيجار والتمليك والإيجار المنتهي بالتملك.

وستكون مسؤولية صندوق تطوير المناطق العشوائية تمويل إجمالي التعويضات النقدية اللازمة لشاغلي منطقة مثلث ماسبيرو، وفق المتاح والمدرج بموازنة الصندوق لهذا الغرض بقيمة إجمالية 443.360 مليون جنيه، يتم توفيرها على 3 دفعات، كالتالي: الأولى وقدرها 200 مليون جنيه، والثانية وقدرها 150 مليون جنيه، والثالثة وقدرها 93.360 مليون جنيه.

مطالبات بتحويلها لمتحف مفتوح

الخبير الاقتصادي المصري الدكتور عبد النبي عبد المطلب، قال لـ"عربي بوست"، إنه طالب باستغلال هذه المنطقة كمتحف مفتوح لجذب ملايين السائحين الذين يعشقون التاريخ المصري، مثلما هو موجود في مدن إيطاليا وإسبانيا وقبرص واليونان، كما يعشقون حيي الأزهر والحسين المصريين، مؤكداً أن هذه الأحياء التاريخية تمثل عامل جذب كبير للسياح.

وأضاف عبد المطلب "كان يمكن ببعض التطوير والترويج أن تتحول هذه المنطقة إلى مزار سياحي كبير، وكان يمكن استغلال المناطق الخالية بجوار ها لإقامة تجمع سكني لأهل المنطقة، حيث توجد منطقة كبيرة أمام موقف عبد المنعم رياض، ومساحة أكبر بالقرب من مبنى التلفزيون.

ونقل عبد المطلب عن الدكتورة ليلى إسكندر، وزيرة التطوير الحضاري في حكومة محلب، أنها أول من وضع مخطط تطوير المنطقة وليس بيعها، قائلاً إن ذلك تعارض مع مصالح الشركات التي تمتلك الجزء الأكبر من المنطقة، لذلك لم يتم استكمال هذا المشروع.

وأضاف "كان يجب تحويل المنطقة إلى متحف مفتوح بدلاً من زيادة الكتل الخرسانية في وسط القاهرة، خاصة وأن الخطط الجديدة لاستغلال المكان سيزيد من تلوث هواء القاهرة ومياه النيل"، التي ستكون أسهل وسيلة لصرف مخلفات المشروعات المستهدفة.

ويتضح من حديث الخبير المصري أن شركات من الإمارات والسعودية والكويت، ستحقق الاستفادة الأكبر من تطوير المنطقة على النحو المخطط له حالياً؛ لأنها تملك النسبة الأكبر من مساحة المنطقة.

وعن التنفيذ الحالي للمشروع، يقول عبد المطلب إن آلية التنفيذ غير واضحة ولا يمكن الجزم بتفاصيلها، لكن ما يمكن القطع به هو أن الأهالي يخشون نقلهم إلى مكان لا يجدون فيه فرص عمل كتلك الموجودة بالمنطقة؛ فأغلبهم يعمل في الحرف اليدوية، وزبائنه في وسط القاهرة.

علامات:
تحميل المزيد