حليف للحكومة تارة، وأخرى خطر على أمنها، وهو الوحيد المخول له الفتوى.. قصة الداعية دودي الذي تنوي فرنسا ترحيله إلى الجزائر

عربي بوست
تم النشر: 2018/04/06 الساعة 22:04 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2018/04/06 الساعة 22:05 بتوقيت غرينتش

تستعد حكومة الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، لترحيل الداعية الإسلامي الهادي دودي المناصر، الذي لا يعتبر واعظاً عادياً؛ بل يتهم بأنه الداعم الرئيسي للمتشددين في فرنسا، ولكن الرجل لديه حضور كبير؛ إذ يمتد تأثيره عبر أوروبا، حيث يقول محاميه إن رجل الدين هو الإمام الوحيد المخول له إصدار الفتاوى.

وعلى مدار 37 عاماً، عكف كثيراً على مهاجمة اليهود، والنساء والعالم الحديث، ومع ذلك تسامحت السلطات مع خُطبه المتشددة واعتبرته حليفاً من حين لآخر، بحسب تقرير لـThe New york Times الأميركية.

وتبدو هذه الواقعة أكثر الأمثلة وضوحاً فيما يتعلق بموقفها المتشدد تجاه الإسلام المتطرف. واستغل الرئيس ماكرون بالفعل أغلبيته الساحقة في البرلمان لإدخال بعض التكتيكات الحكومية إلى القانون –عمليات التفتيش والاحتجاز، والإقامة الجبرية، وإغلاق المساجد– التي جرى تطبيقها في وقت سابق كجزء من حالة الطوارئ التي فُرِضت في أعقاب الهجمات الإرهابية بباريس، والتي أسفرت عن مقتل 130 شخصاً في نوفمبر/تشرين الثاني عام 2015، بحسب الصحيفة الأميركية.

وتعتبر قضية الإمام دودي، (63 عاماً)، الذي وُلِد في الجزائر ولم يحصل على الجنسية الفرنسية، جزءاً من الجهود رفيعة المستوى التي تبذلها إدارة ماكرون لتشديد الرقابة على رجال الدين المسلمين، وتهدف في بعض الحالات، إلى ترحيلهم. ويقول بعض المحللين إن الرئيس ماكرون يستغل ذلك لإظهار صلابته، وذلك في الوقت الذي تحاول فيه الحكومات الأوروبية جاهدةً الحصول على أدوات لمقاومة المتطرفين، وفي الوقت الذي يتصدى فيه للتحديات السياسية الناجمة عن اليمين المُتطرف.

وقال فينسنت جيسر، الخبير الإسلامي بجامعة إيكس في مارسيليا: "يريدون أن يجعلوه عبرة. ويتطلب ذلك القيام بالمزيد من الأمور التي توضح صرامتهم".

الموقف الصارم هو مثالٌ آخر على الموقف الفريد الذي اتخذه ماكرون منذ فوزه بالمنصب منذ عام تقريباً. يُحتفى بماكرون على الصعيد العالمي كمدافع كبير عن الديمقراطية الليبرالية، وهو صوت العقل داخل أوروبا الغارقة في الشعبوية الغاضبة. لكنه اكتسب أيضاً سلطات تنفيذية هائلة، مما أثار قلق النقاد، الذين اتهموا حكومته بأنها تبالغ في مجالات مثل الهجرة، كما أن النقاد قلقون حالياً إزاء نهجه في مواجهة الإرهاب، بحسب الصحيفة الأميركية.

وكانت فرنسا بالكاد متساهلة تجاه التطرف في الماضي؛ إذ طردت وزارة الداخلية 40 رجل دين مسلماً بدءاً من عام 2012 حتى 2015، كما طردت 52 شخصاً آخرين، من ضمنهم رجال الدين، على مدار الـ28 شهراً الماضية. ولم تأتِ جميع عمليات الطرد الأخيرة خلال الفترة التي أمضاها ماكرون في منصبه، ومع ذلك يبدو أن حكومته قررت أن توضح أن فرنسا في الوقت الحالي لديها قدر أقل بكثير من التسامح تجاه الدعوات المتطرفة.

وصرح ماكرون، مشيراً إلى تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش)، في خطاب ألقاه الأسبوع الماضي: "لا يتعلق الأمر فقط بالمنظمات الإرهابية، وجيوش داعش، والأئمة الذين ينشرون الكراهية والموت والذين نتصدى لهم".

وقال ماكرون: "يتمثل ما نتصدى له أيضاً في الإسلام المتخفي، الذي يتقدم عبر شبكات التواصل الاجتماعي، وينجز مهامه بالخفاء، ويعمل في صمت على الضعفاء وغير المستقرين، حتى إنه يخون هؤلاء الذين يزعم أنه يمثلهم، ممن يغرسون، على أرضنا نفسها، مذهبهم عن طريق الفساد اليومي"، بحسب الصحيفة الأميركية.

وأوصت سلطات مارسيليا بطرد الإمام دودي بموجب قانون فرنسي يتعلق بـ"الأعمال المتعمدة التي تميل إلى إثارة التمييز والكراهية والعنف تجاه فرد أو جماعة".

غرامات على مرتديات النقاب والحجاب

وفي تقرير يتعلق بالتحقيقات -اطلعت عليه صحيفة The New York Times- ألقت السلطات اللوم على "دعوة دودي المتأنية والمتواصلة" للمساعدة في تحويل ربع المسلمين المتدينين في مارسيليا –أكبر تركُّز في فرنسا– إلى سلفيين، إحدى الحركات المغالية في التحفظ والتي تنتمي إلى الإسلام السني. وبالنسبة للدولة بوجه عام، تعتبر نسبة المسلمين السلفيين أقل بكثير؛ إذ تصل إلى 5.5%.

ولمَّح التقرير إلى أن تأثير الإمام دودي يمتد في كل أنحاء فرنسا حتى إنه "يمتد إلى ما وراء حدود الدولة" وعبر أوروبا، حيث واجهت دولاً أخرى، وخاصة ألمانيا، مشاكل تتعلق بالدعاة السلفيين ومراقبتهم من كثب.

ومع ذلك، يبدو البعض في حيرة من أن الحكومة تهاجم الآن المذهب بدلاً من الإمام دودي نفسه، وهو رجل بسيط يبدو عليه القلق كان يلعب بلحيته المجعدة لدى مقابلته مصادفة في أحد متاجر الحلوى، بحسب الصحيفة الأميركية.

جرى الترحيب به دون احتفاء خاص عندما سار عبر حي المهاجرين المنخفض شمال ميناء مارسيليا القديم، على الرغم من معرفة الجميع به على ما يبدو.

وقال الإمام دودي، متحدثاً باللغة العربية عن طريق مترجم: "بالطبع أعرف أنهم يستمعون إليّ. ليس لدي ما أُخفيه".

وأصرّ على أن العلاقة التي حظي بها مع السكان والسلطات كانت دوماً واضحة وصحيحة.

وقال ساخطاً: "فجأة يقولون إن السلفية تشكل خطراً على فرنسا. وأعترض بوضوح على هذه الفكرة".

لا تعتبر مارسيليا –ثاني كبرى المدن في فرنسا، التي يُعتبر خُمس سكانها من المسلمين– متطرفة على وجه التحديد. فقد شهدت المدن الأخرى في جنوب فرنسا، مثل نيس، أعداداً أكبر من الشباب الذين يهاجرون من أجل الجهاد في سوريا، وجرى إدراج نسبة أكبر من المسلمين المقيمين على قائمة مراقبة الإرهاب التابعة للحكومة، بحسب الصحيفة الأميركية.

لكن في الواقع، فُرِضت الغرامات في مارسيليا على ارتداء النقاب والحجاب –وهو ما يعتبر غير قانوني في فرنسا– بالمناطق المجاورة لمسجد الإمام دودي، حسبما أفادت الشرطة. وتشعر السلطات بقلق متزايد إزاء إمكانية التطرف، وخصوصاً بعد مقتل شابتين في هجوم بسكين داخل محطة القطار الرئيسية في أكتوبر/تشرين الأول.

 كما أغلق المسؤولون مسجد السُّنة حيث يلقي الإمام دودي عظاته، والذي يقع بشارع Boulevard National في الدائرة الثالثة بمارسيليا، في ديسمبر/كانون الأول 2017. وأشاروا إلى خُطب الإمام دودي، قائلين إنها يمكن أن "تتسبب في الأعمال الإرهابية".

 هنا وفي أماكن أخرى من فرنسا، يُنظر إلى السلفية على أنها العدو على نحو متزايد، محطة على الطريق ضد الإرهاب. وهاجر 5 أعضاء من جماعة الإمام دودي للجهاد في سوريا، على الرغم من إنكار الإمام معرفتهم، حسبما صرحت الشرطة، بحسب الصحيفة الأميركية.

"خطبه مناقضة لقيم الجمهورية"

وبحسب الصحيفة الأميركية، تعتبر خطبه "مناقضة تماماً لقيم الجمهورية"، حسبما ذكر مدير الشرطة، أوليفييه دي مازيير، المتخصص بالإرهاب والذي قاد القضية ضد رجل الدين، خلال مقابلة في مكتبه، "نعتقد أنه يدعو إلى الكراهية والتمييز والعنف".

وأضاف دي مازيير: "يعد هذا الحي مركزاً للسلفية". فعلى الرغم من أن الوضع يبدو هادئاً في الشوارع، مثل أي حي مهاجر تسكنه الطبقة العاملة بمارسيليا، في ظل وجود أكشاك الفواكه والمجمعات السكنية المدعومة وتعددية المواطنين ومتاجر الحلوى حيث الزبائن مختلطون من الرجال والنساء.

ويلاحظ الباحثون غموضاً في العلاقة بين السلفية والجهاد أكثر مما تراه الشرطة. ويقول أوليفر روي في كتابه "الجهاد والموت": "لا تعتبر السلفية منبعاً للتطرف. فهناك مبادئ مشتركة، لكنها ليست علاقة جوهرية".

وعل نحو مماثل، يلاحظ محمد علي عدراوي، خبير السلفيين الفرنسيين في جورجتاون، أن السلفية والجهادية لا يتساويان بشكل دقيق.

وقال: "سيخبرك الباحثون بأن السلفية لا تؤدي إلى الجهادية، من الناحية الاجتماعية؛ إذ يمكنك الوصول إلى الجهادية دون المرور عبر مسجد سلفي".

لكنّ تلك الفروق اختفت وسط موجة متجددة من القلق العام في فرنسا.

وصرح رئيس الوزراء السابق، مانويل فالس، في لقاء إذاعي، الأسبوع الماضي: "يجب أن نمنع انتشار السلفية؛ لأنها العدو".

وقالت صحيفة Le Figaro، في مقالٍ افتتاحيٍ بصفحتها الأولى: "يجب أن تشن بلادنا حملةً واسعةً للقضاء على السلفية".

واستشهدت الحكومة بالعديد من خطب الإمام دودي في تحقيقها المطول، والتي وصف الإمام فيها اليهود بأنهم "نجسٌ، إخوة القردة والخنازير". وأضافت أنه قال في خطبه أيضاً إنه "تجب معاقبة الزناة بالرجم حتى الموت أو قطع رؤوسهم"، و"يجب على النساء عدم الخروج من بيوتهن من دون إذنٍ" وتجب كذلك "معاقبة المرتد بالإعدام؛ لحماية المسلمين"، بحسب الصحيفة الأميركية.

والأكثر خطورةً، حسب تقرير الحكومة، هو أن الإمام دودي يبرر "صراحةً" الجهاد، لكن النصوص التي يستند إليها التقرير، ويقتبس بعضها بالخط العريض، يلفها شيءٌ من الغموض، ليس من حيث المحتوى فحسب، وإنما في سياقها كذلك.

ودعا الإمام دودي، في أحد هذه الأجزاء من الخطب التي تستشهد بها الحكومة الفرنسية في تقريرها، قائلاً: "يا رب، أنزِل الهزيمة والمذلة والفجور على الكافرين. يا رب! أدخِل جهنم جميع الحسّاد والمتآمرين الذين يلحقون الأذى بالإسلام والمسلمين أو يسعون إلى ذلك!".

كان تابعاً لأسامة بن لادن

ورغم اعتراف الإمام دودي بأنه كان في وقت من الأوقات من أتباع أسامة بن لادن والزعيم الجزائري الراديكالي علي بنحاج، فإ أنه نفى أن يكون متطرفاً أو أن يكون منهج السلفية الذي يعتمده، متطرفاً.

ويقول الإمام دودي موضحاً "السلفية هي مجرد منهج وسطي بين التطرف من جهة والإهمال من جهة أخرى، وهناك جماعات تدعي أنها سلفيةٌ – كالقاعدة، وتنظيم داعش- ولكنها ليست كذلك، بل هي جماعات متطرفة، ونحن نعرب صراحة عن معارضتنا لهم في خطبنا"، بحسب الصحيفة الأميركية.

يصر الإمام دودي ومحاميه على أن الكثير من مواعظه هي مجرد اقتباسات مستمدة مباشرة من نصوص الإسلام المقدسة وليس من المفترض فهمها حرفياً خارج سياقها.

يقول الإمام دودي "ستجد في القرآن، آيات تبرر عقوبة الرجم -الموت برمي المذنب بالحجارة- والجهاد، ومن ثم فلا محالة، عاجلاً أم آجلاً، كإمام، ستقرأ هذه الآيات من القرآن".

وقد أكد محاميه، نبيل بودي، هذا التوضيح من موكله، قائلا "إنها صيغةٌ ستسمعها في كل خطبة". وليس ثمة شيءٌ في العبارات التي استندت إليها الحكومة من خطب الإمام، تبرر بوضوح الهجمات الإرهابية. ويؤكد الإمام دودي بأنه يعارض بشدة مثل هذه الاعتداءات.

يتفق بعض العلماء خارج دائرتهم الضيقة على أن ما يقوله الإمام دودي في خطبه ليست أموراً استثنائية. يقول رومان كايي، الخبير في موضوع السلفية الفرنسية "هذه خطبٌ يمكن سماعها بشكل روتيني من مساجد الدار البيضاء إلى القاهرة، ويُعتبر خطابه في العالم العربي عادياً تماماً"، بحسب الصحيفة الأميركية.

وأضاف كايي "تعتقد الحكومة أنها ستستفيد من عملية طردها إمام سلفي، وتسجل بذلك نقاطاً لصالحها".

يُعتبر السيد جيسير، الخبير في الشؤون الإسلام، من بين المتخصصين الذين يعتقدون بأن الإمام دودي كان معروفاً بصفته بيدق بين أيدي الحكومة الفرنسية.

يقول السيد جيسر "كان دودي معروفاً بعلاقاته الجيدة مع الأجهزة الأمنية".

ويضيف الخبير "كان دودي يعتقد أن تعاونه مع الأجهزة يمنحه الحماية، وهو بذلك من الذين مدوا أيديهم لها، فانتهى به الأمر إلى أن احترقت"

وبينما كان يجلس ثلاثة ملتحين من رواد مسجد الإمام دودي، يرتدون عباءاتهم الفضفاضة، بدت واضحة على ملامحهم علامة الإحباط، خشية طرده المحتمل. قال أحدهم، فيصل مناصري، يعمل في البناء، ومن الذين يعتبرون الإمام دودي "حاجزاً" ضد المتطرفين الإسلاميين "قد يكون طرده أمراً خطيراً على فرنسا".

وأضاف مناصري "إن قلة قليلة من الناس يعرفون الإسلام حقاً، وفي حالة تخلص فرنسا من أستاذٍ متفقهٍ حقيقة، سيجد الناس أنفسهم عزلاً وفي حالة تيه"، بحسب الصحيفة الأميركية

علامات:
تحميل المزيد