الخلفي: مستعدون للخيار العسكري ولا حل إلا بوجود الجزائر في مفاوضات البوليساريو.. وأزمة الخليج لسنا طرفاً فيها

مصطفى الخلفي، الوزير المنتدب للعلاقات مع البرلمان والناطق الرسمي باسم الحكومة المغربية، من القياديين الشباب لحزب العدالة والتنمية الحاكم بالمغرب، حيث شارك في الحكومتين اللتين شكَّلهما الحزب بعد فوزه بانتخابات 2011 و2017.

عربي بوست
تم النشر: 2018/04/05 الساعة 19:24 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2018/04/06 الساعة 10:00 بتوقيت غرينتش

مصطفى الخلفي، الوزير المنتدب للعلاقات مع البرلمان والناطق الرسمي باسم الحكومة المغربية، من القياديين الشباب لحزب العدالة والتنمية الحاكم بالمغرب، حيث شارك في الحكومتين اللتين شكَّلهما الحزب بعد فوزه بانتخابات 2011 و2017.

التقاه "عربي بوست"؛ ليتناول العديد من القضايا الساخنة التي تهم الشأن الداخلي المغربي؛ من قبيل الصراع مع جبهة البوليساريو، والانشقاق الداخلي الذي يعرفه الحزب الحاكم، وإمكانية تنظيم انتخابات سابقة لأوانها، إضافة إلى ملفات العلاقات الخارجية، وخاصة التوتر الحاصل مع الجزائر وتبعات الأزمة الخليجية.

  • يعيش المغرب اليوم حالة من الاستنفار على المستوى الداخلي: رسائل من الملك للأمم المتحدة، وزيارات مكوكية لوزير الخارجية للعواصم الكبرى، واجتماعات بين المسؤولين الحكوميين والمنتخبين والأحزاب السياسية بخصوص قضية الصحراء.. هل الأمر خطير إلى هذه الدرجة؟

نعم.. لأن المغرب بكل قواه الحية، بقيادة الملك، كان موقفه حازماً وحاسماً إزاء رفض أي تغيير على الأرض في المنطقة الموجودة شرق الجدران الرملية الدفاعية التي اعتُمدت كأساس في الاتفاق العسكري. الجدران الرملية ليست حدوداً، الحدود هي الموجودة مع الجزائر، والمنطقة الموجودة شرق الجدار، حيث توجد بئر لحلو وتيفاريتي وغيرهما من المناطق، كانت تحت مسؤولية الجيش المغربي، وعندما تم الاتفاق على وقف إطلاق النار، وجَّه المغرب رسالة إلى الأمين العام للأمم المتحدة آنذاك، ينقل فيها المسؤولية إلى الأمم المتحدة من أجل المساعدة على وقف إطلاق النار، كانت الرسالة واضحة سنة 1991.

عندما رُصدت محاولاتٌ لتحرُّك عناصر من الجبهة الانفصالية كان موقف المغرب حاسماً، بحيث آنذاك قلنا إن الجدران ليست شريطاً حدودياً، ثانياً إن المنطقة تحت مسؤولية الأمم المتحدة وعليها أن تتحمل مسؤوليتها في عدم السماح بذلك، وإلا فسيكون المغرب معنيّاً باتخاذ القرارات اللازمة لحفظ الأمن وحماية وحدته الترابية، فالمنطقة الموجودة شرق الجدار هي جزء من التراب المغربي.

الذي حصل مؤخراً، هو وجود تحركات عسكرية، والبوليساريو أعلنت أنها ستقوم ببناء منشآت عسكرية في المنطقة، وهذا خرق صريح لاتفاق وقف إطلاق النار وللاتفاق العسكري. وسنة 2005 صدر تقرير من الأمين العام للأمم المتحدة، اعتبر أنه مجرد وجود أشخاص في مظاهرات بلباس عسكري أو شبه عسكري، خرق لاتفاق وقف إطلاق النار.

مسألة ثانية، هي اعتماد سفراء هناك، منذ أن تقدَّم المغرب بمقترح الحكم الذاتي فقدت البوليساريو نصف الدول التي كانت تعترف بها. ثالثاً، بدأت تعمل على رفع وتيرة الاستفزازات للقوات المغربية الموجودة على مستوى الشريط، فقد سجلنا انتهاكات وتغييراً للوضع على الأرض.

 

  • لكن الأمم المتحدة أقرَّت من خلال بلاغ لها بأنها لم تلاحظ أي تغيير في المنطقة.. فهل لديكم أدلة على هذه الاستفزازات؟

أولاً، نحن لم ننطلق إلا في ضوء أدلة موثقة تثبت التحركات التي تقع على الأرض. ثانياً، هناك تصريحات ومواقف صادرة عن الانفصاليين، كما قال رئيس الحكومة يوم الأربعاء 4 أبريل/نيسان 2018، فالمغرب انطلق بناء على معطيات موثقة وملموسة ومؤكدة، ولهذا هناك تحرك دبلوماسي على المستوى العالمي، خاصة على مستوى القوى العظمى؛ لأننا -من جهتنا- كنا صريحين في القول بأننا لن نسمح ولن نقبل وسنتخذ كل الإجراءات اللازمة مهما كان الثمن؛ حتى لا يقع تغيير على الأرض وحتى لا تُمس الوحدة الترابية للمملكة..

سنة 1995 سعت البوليساريو إلى أن تتيح وجوداً لقواتها في المنطقة، وكان هنالك رفض قاطع. وفي سنة 2000، حرصت على ضمان وجود لساكِنة المخيمات من غير القوات العسكرية، وكان هنالك رفض، فكيف نقبل اليوم هذا التغيير على الأرض؟!

  • تَتهمون دائماً جاركم الشرقي (الجزائر) بكونه طرفاً رئيسياً في النزاع القائم، وهو ينفي أي علاقة له بالبوليساريو.. ما الجديد في هذه الظروف؟

نحن لدينا قراءتنا؛ لأن البعض يريد التخلص من العبء، خاصة بعد أن تبيَّن للعالم أن الجزائر مسؤولة عن هذا النزاع، وأن هذا النزاع في عمقه نزاع إقليمي مفتعل، وأن القضية قضية تجزئة؛ لأن الجزائر في 2001 تورطت في الترحيب بحل يقوم على تقسيم الصحراء، وكشف ذلك تقرير الأمين العام للأمم المتحدة سنة 2002. القضية هي مع الجزائر، وهذا شيء بدأ الجميع يقتنع به، ويُعتبر أن لا حل إلا بوجود الجزائر في المفاوضات، وهذه الخطوات الأخيرة محاولة لتجاوز هذا المأزق. من الذي يرفض إحصاء ساكِنة المخيمات؟ الجزائر.. لأن المخيمات توجد على أراضيها. ثانياً، هذه محاولة للتعويض عن الهزيمة الكبيرة التي حصلت للطرح الانفصالي على مستوى القارة الإفريقية، مع عودة المغرب إلى الاتحاد الإفريقي وعضويته في مجلس السلم والأمن الإفريقي، واعتماده سياسة أدت إلى استمرار سحب الاعتراف بالكيان الانفصالي، والأهم أن الاتحاد الإفريقي لم يعد بمثابة فضاء يقع عبره التعبير عن مواقف ضد المغرب في قضية الصحراء المغربية.

  • كانت هناك مشاكل أيضاً بسبب الأزمة نفسها مع الاتحاد الأوروبي ومفاوضات الصيد البحري.. أين وصلت؟

كان هناك فشل على المستوى الأوروبي بخصوص اتفاقية الصيد البحري والاتفاق الفلاحي، واليوم بدأ المسار يتجه في مسار إيجابي، بعد أن عبّر المغرب صراحةً عن أنه لن يكون هناك اتفاق إذا لم يكن شاملاً للأقاليم الصحراوية المغربية.

وضعيتنا وما حققناه بقيادة الملك في القضية الوطنية المصيرية بالنسبة للمغاربة، كان إيجابياً، واليوم هناك محاولة للتشويش عليه، والسنة الماضية في الكركرات كانت هزيمة قاسية للبوليساريو.

  • هل هذا يعني أن المغرب قد يلجأ إلى الخيار العسكري؟

سنتخذ كل الإجراءات اللازمة من أجل عدم السماح بأي تغيير على الأرض مهما كان الثمن.

  • الآن، بعد مرور عام على حكومة سعد الدين العثماني، وبصفتكم الناطق الرسمي باسم هذه الحكومة التي يقودها حزب العدالة والتنمية.. كيف تقيِّمون أداءها بعد مرور سنة على تنصيبها؟

بعد نحو سنة، يمكن أن أقول إننا إزاء حصيلة مشرفة، هذا لا ينفي أنه كانت هناك صعوبات وتحديات ليست بالسهلة، بحيث اقتضى هذا الأمر من الحكومة ومن رئاستها أن يبذلا جهداً مضاعفاً.. وأحياناً كان مجهوداً استثنائياً؛ حتى نستأنف ونواصل مسار الإصلاحات ونطلق إصلاحات جديدة.. يجب تأكيد أن قياس الحصيلة يتم بناء على الإجراءات التي انعكست على الحياة اليومية للمواطن أو انعكست على حياة المقاولة، باعتبار أن أي حكومة تأتي، إلا والمحكّ لاختبار فاعليتها هو ما تحققه من إنجازات على المستويَين الاقتصادي والاجتماعي.

الحكومة لم تشكل قطيعة مع الحكومة السابقة؛ بل حافظت على الاستمرارية في عدد من الالتزامات والوفاء بعدد من الإجراءات التي كانت بمثابة شعارات أعلن عنها واليوم تحققت.. مثلاً، تم اعتماد أزيد من 100 ألف منحة لطلاب الجامعة ومتدربي التكوين المهني، إضافة إلى صندوق التكافل العائلي الذي كانت تستفيد منه فقط المطلقات، اليوم حتى النساء المعوزات والنساء المتكفلات بأطفال، فضلاً عن الزيادة في الحد الأدنى للمعاشات، وهذا كان أحد الإصلاحات المرتبطة بإصلاح نظام المعاشات والوصول إلى 1500 درهم (نحو 150 يورو) كحد أدنى، وفعلاً في شهر يناير/كانون الثاني، تم الوفاء بهذا الالتزام، الذي يستفيد منه نحو 74 ألف متقاعد..

الحكومة السابقة أطلقت سياسة تقوم على تخفيض أسعار الأدوية، وواصلناها خلال هذه السنة الأولى، حيث عملت الحكومة على تخفيض أسعار 200 دواء. وفي الوقت نفسه، تم فتح مستشفيات جديدة وإطلاق أضخم عملية تشغيل في قطاع الصحة، بين السنة الماضية وهذه السنة 5500 إطار صحي. وعلى مستوى التعليم، كنا نواجه تحدي الاكتظاظ والخصاص (النقص) الكبير في المؤسسات التعليمية على مستوى الأطر التعليمية، في التاريخ الحديث لبلادنا أضخم عملية تشغيل في التعليم تمت خلال السنتين الأخيرتين 55 ألفاً.

  • لكن، على مستوى الواقع والحياة اليومية للمغاربة، خاصة الشباب، ما زالت البطالة منتشرة بشكل كبير رغم أرقامكم؟

لهذا، أعلن رئيس الحكومة مؤخراً أن ما تم إنجازه على مستوى التشغيل، سواء كان توظيفاً أو تشغيلاً بعقود، أزيد من 90 ألفاً، تقريباً ما كان ينجز في عهد حكومتين، ولايتين تشريعيتين، الآن أنجزناه في سنتين، وهذا شيء ليس بالسهل. كما أن دعم الأرامل، أحد الإنجازات البارزة للحكومة السابقة، واصلنا تطويره، وبات أزيد من 80 ألف أرملة و140 ألف يتيم يستفيدون من دعم مالي شهري.

عندما ننظر إلى الإجراءات ذات الوقع الاجتماعي، نجدها إجراءات دالة وملموسة، الحكومة الحالية حافظت على مسار الإصلاحات ذات الطابع الاجتماعي، ومن ذلك برنامج محاربة الفوارق المجالية؛ لأن هنالك تفاوتات كبيرة في العالم القروي، وبين العالم القروي والمدن، وهناك مناطق بالعالم القروي عانت التهميش عقوداً، وكان لا بد من اعتماد برامج مستعجلة لمعالجة مشكلاتها.

وعندما ننظر إلى حصيلة الحكومة من زاوية الوفاء بالالتزامات ومواصلة الإصلاحات، يمكن أن نقول إن الحصيلة مشرفة. ومن ذلك، القانون الذي سيمكّن من إدماج 10 ملايين من الأُجَراء وأصحاب المهن الحرة في نظام المعاشات ونظام التغطية الصحية. اليوم نظام التغطية الصحية "راميد" الخاص بالفقراء، وصل عدد المستفيدين منه إلى أزيد من 12 مليون مستفيد.. كلها إجراءات اجتماعية ملموسة لها وقع على حياة المواطنين.

  • السنة شهدت أيضاً استمرار احتجاجات الريف واندلاع احتجاجات جديدة، خاصة في مناجم جرادة شرق المغرب.. كيف واجهتم هذه الأزمات؟

بالفعل، كانت سنة غير عادية؛ لأننا جئنا في فترة سياسية صعبة بين الانتخابات وتشكيل الحكومة. ثانياً، الاحتجاجات التي شهدتها الحسيمة وجرادة فرضت على الحكومة بذل مجهود إضافي، كما كانت هناك إشكاليات على مستوى الأغلبية الحكومية، فلم يتم التوقيع على ميثاق الأغلبية إلا في بداية هذه السنة، كما كانت هنالك أيضاً إشكاليات تتعلق بالتأخر في اعتماد قانون المالية وما يعنيه ذلك من تأثير على المقاولة، إضافة إلى وجود إشكالية على مستوى الحزب الذي يقود الحكومة، حزب العدالة والتنمية، خاصة فيما يتعلق بانعقاد المؤتمر الوطني واختيار الأمين العام، وكان هناك نقاش فَرض على الحزب إطلاق حوار داخلي سينطلق قريباً.. لم تكن سنة عادية؛ بل كانت هناك صعوبات، لكن تم التكيف معها.

لكن، ما هو أساسي أن التجربة المغربية كنموذج أو كتجربة إصلاحية، رغم هذه التحديات، حافظت على مسارها. قد يقع بطء، قد تقع بعض الهزات، لكن المسار الإصلاحي العام للمغرب الذي يجعله مختلفاً عن باقي التجارب في المنطقة العربية، حافظ عليه المغرب، وهذا شيء ينبغي تثمينه.

بلغة الأرقام، من الممكن أن نتحدث عن أن الاستراتيجية الصناعية حققت أعلى نتائجها سنة 2017، 89 ألف منصب شغل، كما أن الاستثمارات الأجنبية حافظت على مستوى ارتفاعها السنة الماضية، وحققت نسبة نمو بـ15 في المائة، لتصل إلى 24 مليار درهم. كما أن الاستثمار العمومي الذي يوجه المقاولة ويشكل قوة دفع، تجاوزنا فيه لأول مرة عتبة 190 مليار درهم، وتمكنا من مواصلة تخفيض نسبة العجز الذي كان يؤدي إلى ارتفاع المديونية ويؤدي إلى إضعاف النفقات الموجهة إلى الاستثمار أو الموجهة إلى قطاعات اجتماعية. أيضاً، بخصوص احتياطي العملة الصعبة، حافظنا على  احتياطي 6 أشهر، أزيد من 240 مليار درهم، وهذا مكَّن المغرب من إنجاز إصلاحٍ كان البعض يتخوف منه، الانتقال إلى نظام صرف مرن للدرهم، أُنجز القرار منذ أشهرٍ، الناس كانوا يتخوفون ويتشككون، لكن الدرهم أثبت قوته ومكانته، وهو ما سينعكس إيجاباً على جاذبية الاقتصاد المغربي وتنافسية الاقتصاد وعلى إرساء صمام أمان للاقتصاد الوطني، الذي هو الآن منفتح على الاقتصاد العالمي.

أحياناً، قد تقع تقلبات قد تكون لها آثار سلبية علينا، هذه الآثار الاقتصادية على مستوى الاستثمار، كانت لها آثارها على مستوى التشغيل، بحيث بقي معدل البطالة في حدود 10 في المائة، فمعدل النمو الذي ننجزه كبلدٍ غير كافٍ لحل حقيقي لمعضلة البطالة؛ لأن البطالة في صفوف حاملي الشهادات هي ضعف البطالة العامة، وهي إشكالية كبيرة وسؤال مؤرق نشتغل عليه. كما أن نموذج التنمية لا ينتج ما يكفي من ثروة حتى نستطيع تلبية احتياجات المواطنين المتعلقة بالصحة والتعليم.

أشرت إلى أن ثلث المجتمع خارج نظام التغطية الصحية والمعاشات، هناك إطار قانوني تمكنا من اعتماده في نهاية 2017، والآن نحن بصدد إجراءاته. ولكن هذا سيحتاج إلى تعبئة إمكانات مالية، وهنالك تحديات مرتبطة بالعالم القروي؛ ولهذا المغرب اليوم معنيٌّ باعتماد نموذج جديد للتنمية؛ حتى نستطيع مواجهة إشكاليات البطالة وحاجة الشغل، بحيث إن انتهت مرحلة، لا بد من الانتقال إلى مرحلة جديدة.

  • هل هناك برنامج استعجالي خاص لتجاوز الأسباب التي كانت وراء اندلاع حركات احتجاجية في أكثر من منطقة؟

الاحتجاجات ليست وليدة قرار حكومي؛ بل أسبابها عميقة وموجودة، وتلك الأسباب ليست موجودة في هاتين المنطقتين مع الاختلاف؛ لأنه في الحسيمة كان هناك برنامج سابق، ولم تُحترم آجال تنفيذه في عدد من النقاط. وفي منطقة جرادة، التي كانت تاريخياً مرتبطة بإنتاج الفحم، طرح سؤال اعتماد برنامج اقتصادي جديد. الأسباب العميقة مرتبطة بالتهميش أو الفوارق الصارخة وعدم تلبية الاحتياجات المباشرة للمواطنين وغياب فرص اقتصادية، ليست في هاتين المنطقتين فقط، هي موجودة في مناطق متعددة، هنالك فوارق لهذا الحكومة لا تتردد في الاعتراف بهذا المشكل.

لهذا السبب كحكومة، اعتمدنا سياسة زيارات ميدانية، قام بها وفد حكومي يرأسه رئيس الحكومة، لعدد من المناطق التي تعرف خصاصاً كبيراً وعانت التهميش، أو لم تستفد من حقها من الثروة الوطنية، وهذا من  السهل ملاحظته، فهناك فوارق كبيرة، ومعدلات الفقر تتفاوت بين المناطق؛ لهذا كانت زيارات لمجموعة من الجهات.. كحكومة، أولاً، لا يمكن أن ننكر أن هذه الاحتجاجات فرضت علينا بذل مجهود استثنائي؛ لأنه من مسؤوليتنا الوقوف عند المطالب المشروعة، وغالبية المطالب -إن لم تكن كلها- هي مطالب مشروعة، واقتضى هذا الأمر تعبئة موارد مالية وتوجيه القطاعات الحكومة المعنيّة للاشتغال أكثر في الميدان؛ لتجاوز الصعوبات التي تعترض عملية إنجاز الاستثمارات.

المسألة الثانية، الحكومة عملت على الإسراع باعتماد المخطط التنفيذي لبرنامج محاربة الفوارق الاجتماعية، وهذا يهم 22 ألف دوار (قرية) في المغرب، وتم رصد احتياجات على مستوى الكهرباء والماء الصالح للشرب والتعليم والطرق وفك العزلة، وهذا البرنامج ممتد على 7 سنوات. ثالثاً، التوجه نحو الحوار مع أي حركة احتجاجية حصلت في المغرب؛ لأن وجود حركات احتجاجية جزء من الحياة السياسية والعامة، وفي بلدنا حق التظاهر مكفول.

هذا الوضع فرض على المسؤولين في الإدارة الترابية والمنتخبين والمؤسسات التشريعية أن يسارعوا إلى الانخراط في حوارات مع المعنيِّين، وإثارة نقاش على مستوى القضايا المطروحة. على سبيل المثال، كان هناك مشكل الماء في مدينة زاكورة؛ بسبب تأخر التساقطات المطرية، هذا مشكلٌ عملنا على معالجته، وكانت زيارة ميدانية، ووجدنا فعلاً صعوبات ومشاكل في مناطق متعددة.

لكن، ما يحسَب لهذه الحكومة هو أنها اعتمدت سياسة المسارعة إلى الحوار والعمل على التقدم بحلول والمسارعة إلى تنفيذها. هذا لا يعني أن الأمور كانت تمر دائماً بسلاسة؛ إذ تم الاضطرار إلى منع التظاهرات غير المرخص لها في إطار القانون؛ حتى نضمن تنفيذ البرامج المطروحة للتنمية، لكن نسعى دائماً إلى أن يكون هناك حوار وتواصل، وأن نتجاوز المشكلات التي تُطرح؛ لأننا واعون بأن هنالك مناطق عانت التهميش، وأن هناك فوارق صارخة بين بعض المناطق وباقي مناطق المملكة، وأن الحل هو الاستجابة إلى المطالب المطروحة بحسب الإمكانات المتاحة؛ وهذا ما دفعني إلى القول إن السنة الأولى من عمر الحكومة كانت سنة غير عادية وفرضت على الحكومة بذل جهود استثنائية في عدد من المجالات.

  • التوقيع على ميثاق الأغلبية الحكومية لم يتم إلى مع بداية 2018، وكانت مجموعة من المشاكل، ووصل الأمر إلى حد الحديث عن انتخابات سابقة لأوانها.. ما مدى صحة هذا الطرح؟

من الناحية السياسية، يجب التمييز بين أمرين؛ الأمر الأول هو التحديات التي واجهتها الحكومة والعمل على إرساء أغلبية، واجهتنا إشكاليات في البرلمان في مناقشة القوانين من أجل أن نضمن انسجاماً بين الحكومة وأغلبيتها على مستوى البرلمان، وهذا اقتضى تدخُّل رئاسة الحكومة لتجاوز الصعوبات، وفي نهاية المطاف تم حلها.

أن نصل إلى مرحلة الميثاق والتوقيع عليه تم قطع أشواط لم تكن بالسهلة، ونحن لا نقول إن هناك تطابقاً كلياً على مستوى الأغلبية أو انسجاماً كلياً، يقع تباين واختلاف في وجهات النظر، لكن الأساسي أننا وضعنا آليات لمواجهة هذه التباينات من خلال الميثاق الحكومي، حتى نحفظ الحد الأدنى من المشترك الذي يؤطره البرنامج الحكومي، مع الاحتفاظ لكل طرف بالمواقف التي يعبر عنها، لكن عندما يكون هناك اتفاق حول موقف معين يقع الانضباط له واحترامه.

الأمر الثاني هو أن الحكومة من الناحية السياسية لم تشكل قطيعة مع الرهان المرتبط بمحاربة الفساد، ومؤشر "ترانسبارانسي" العالمي كشف تقدم المغرب بـ9 نقاط. الاستراتيجية الوطنية لمحاربة الفساد حافظت عليها الحكومة، وأحدثت لجنةً وطنيةً بتمثيلية كاملة للمجتمع المدني، وتم اعتماد القانون الخاص بالحق في الحصول على المعلومة، وإطلاق نظام خاص بالشكايات. في ظرف 3 أشهر، أزيد من 17 ألف شكاية قُدمت، تمت معالجة 60 في المائة تقريباً… وانتقل عدد قضايا الرشوة المسجلة لدى القضاء إلى 13 ألفاً؛ ولهذا انطلقت المعركة ضد الفساد، وما زالت مستمرة، وستبقى مستمرة؛ لأنها ليست بالمعركة السهلة.

  • هل هذا يعني أنه ممكن أن نرى مستقبلاً محاكمات لسياسيين فاسدين أو رجال أعمال؟

أولاً، هذه المحاكمات تتم، هنالك إطار قانوني لحماية الشهود، الآن عدد من المسؤولين توبعوا وصدرت في حقهم أحكام بعقوبات حبسية. كما أن تقارير المجلس الأعلى للحسابات والتي أحيلت إلى القضاء، تجاوزت 80 تقريراً. هنالك مجهود يُبذل، وتحسُّن المغرب على المستوى العالمي لم يكن نتيجة شعارات، وإنما نتيجة أفعال تتحقق على الأرض، لكننا واعون إلى أن المعركة ضد الفساد ما زالت مستمرة.

أيضاً، من الناحية السياسية، ما يتعلق بالإطار القانوني لتعزيز الحقوق والحريات عبر المجلس الوطني لحقوق الإنسان، والذي أقر اعتماد آلية وطنية لمناهضة التعذيب واعتماد خطة وطنية للنهوض بحقوق الإنسان والديمقراطية، واعتماد الإطار القانوني للجنة العرائض في إطار الديمقراطية التشاركية.. كلها كانت مستجدات من الناحية السياسية ليست بالسهلة. وهذا ينبغي تقديره والوقوف عنده.

لكن، ما هو أساسي أن المغرب يسعى للحفاظ على تميُّزه كنموذج مختلف عن باقي النماذج التي نشهدها، ولهذا، فإن التجربة السياسية التي انطلقت منذ 2011 ما زالت مستمرة، وجود "العدالة والتنمية" في رئاسة الحكومة ما زال مستمراً.

  • هذا يعني أنكم في حزب العدالة والتنمية متفائلون بالبقاء على رأس الحكومة إلى نهاية الولاية التشريعية؟

المغرب معروف باحترام آجال الاستحقاقات الانتخابية، البعض كان يعتقد أن المغرب في تسعينيات القرن الماضي سيلتحق بالنهج الاستئصالي والإقصائي وخاب ظنهم، وبعد أحداث 11 سبتمبر/أيلول كانوا يتصورون ذلك وخاب ظنهم، وعندما ظهر ما يسمى الخريف العربي قبل 5 سنوات كانوا يتصورون أن الأمر نفسه سيقع في المغرب ولم يقع.

التجربة السياسية في المغرب لها عناصر قوة مرتبطة بطبيعة النظام السياسي الملكي ببلدنا، حكمة جلالة الملك وقيادته للإصلاحات عنصر أساسي ومحدد في هذه التجربة المغربية، وهذا شيء نحمد الله عليه؛ لأنه أحد العناصر التي حفظت للمغرب تميُّزه. هنالك أيضاً التعددية السياسية في المغرب، التي لم تسمح لطرف حزبي بالهيمنة على أطراف أخرى، وحافظت على قدر كبير من التعددية وسمحت بمسار من الانفتاح والتوازن، ثم هناك الحركية الإصلاحية التي لا تتوقف.. لهذا، ما وقع في 2011 من تفاعل استباقي قاده جلالة الملك وما زال كأفق مستمر، وهو الذي يفسر لماذا التجربة المغربية متميزة وما زالت مستمرة.

  • في العلاقات الخارجية تحرك المغرب بشكل نشط في القارة الإفريقية بالفترة الأخيرة، إلى درجة أن هناك من يرى أن التوجه المغربي لتقوية علاقاته مع البلدان الإفريقية كان على حساب دوره على المستوى العربي.. ما رأيكم بهذا؟

المغرب اختار سياسة تنويع الشركاء، وفي العالم العربي المغرب كان متميزاً وسباقاً وريادياً في القضية الفلسطينية. السنة الماضية، في قضية القدس، المغرب كان صارماً واتخذ موقفاً قوياً، وهو الموقف نفسه الذي عبّر عنه بخصوص قضية نقل السفارة الأميركية إلى القدس.. بالعكس، لم يسجَّل على المغرب أي غياب…

  • في ملف الأزمة الخليجية مثلاً لم يكن لكم موقف واضح..

اعتمدنا سياسة عدم الاصطفاف فيما حصل على مستوى الخليج ، عدم الاصطفاف مع أي طرف، وهذا موقفنا؛ للحفاظ على علاقات إيجابية مع الجميع، وتم الثبات على هذا الموقف.

كما عمل المغرب على تنويع الشراكات في اتجاه آسيا وأميركا اللاتينية، يعني أن المغرب في سياساته الخارجية بقيادة الملك له رؤية، صحيح أن البعد الإفريقي كان حاضراً بقوة وكانت هناك ريادة فيه، أزيد من 100 اتفاقية تؤطر العلاقات وُقِّعت، أزيد من 10 آلاف طالب من إفريقيا جنوب الصحراء يدرسون في المغرب. سياسة ذات أبعاد إنسانية، السياسة الجديدة للهجرة.. اتفاقيات في مجالات مختلفة ذات أبعاد اقتصادية.. سياسة ذات بُعد شمولي، نموذج في التعاون جنوب جنوب.. وهذا لم يمنع المغرب من التوجه نحو شراكات أخرى، سياستنا قامت على تنويع الشراكات والتقدم في هذا المسار.

تحميل المزيد