الاختلاط مسموح، لا تقبيل ليد القس، والصلاة ليست عربية.. أقباط مصريون بنسخة متأمركة

ولا يوجد إحصاء لعدد الأقباط في الولايات المتحدة، ولكن يقدر عددهم بنحو 500 ألف، ولكن ليسوا هم فقط من يرتادون الكنائس القبطية بل أصبح هناك الأميركيون المتحولون للمذهب القبطي الأثوذكسي.

عربي بوست
تم النشر: 2018/04/04 الساعة 11:51 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2018/04/04 الساعة 17:13 بتوقيت غرينتش

"22 أميركيا تَرَكُوا كنيسة القديس مرقس القبطية الأرثوذكسية بولاية فيرجينيا الأميركية من بين 30 شخصاً تم تعميدهم منذ وصولي".

بهذه الكلمات يروي القس أنطوني ميسه ، الذي كان قسيساً في هذه الكنيسة، البواعث التي دفعته ليصبح من أوائل رعاة نوعٍ جديد من الكنيسة القبطية، نوعٍ يمكنه جذب الأميركيين المُتحوِّلين إلى الأرثوذكسية ولكن مع الحفاظ على المعتقدات الأساسية للمذهب الذي يبلغ عمره نحو ألفيّ عام.

إنها كنائس البعثات التي توصف في الحالة الأميركية بالكنائس المتأمركة كما يسميها تقرير نشرته مجلة The Atlantic الأميركية.

يقول ميسه للمجلة: "لقد أخبرني زوجان أميركيان من ضمن تاركي هذا التجمُّع الديني بأنَّ الكنيسة كانت أشبه بأسرةٍ واحدة، لكنَّها لم تكن كأسرتهما.

السبب إن كنيسة القديس مرقس – كالعديد من الكنائس القبطية في الولايات المتحدة التي يتخطَّى عددها 250 كنيسة – تضم أعضاءً معظمهم من الأقباط الذين نشأوا في مصر أو أقباطٍ ذوي أبوين مصريَّين.

ومن بين نحو 6 آلاف عضوٍ في الكنيسة، كان لا يزال معظم الأعضاء يتحدَّثون العربية بسهولة، وتحافظ القُدَّاسات على التقاليد الثقافية المصرية المُتَمَثِّلة في جلوس الرجال في مكانٍ منفصل عن النساء، وتحرُّك الناس بحُرِّيةٍ في أثناء الصلوات، وتقديم مأكولاتٍ مصرية في أغلب الأحيان.

ولا يوجد إحصاء لعدد الأقباط في الولايات المتحدة، ولكن يقدر عددهم بنحو 500 ألف، ولكن ليسوا هم فقط من يرتادون الكنائس القبطية بل أصبح هناك الأميركيون المتحولون للمذهب القبطي الأثوذكسي.

ولكن هذا التوسع التاريخي للكنيسة القبطية لا يبدو سهلاً، كما أنه يثير تساؤلات متعلقة بتعريفها لهويتها، حسب تقرير The Atlantic.

المتحولون: لماذا ينجذب الأميركيون للكنيسة القبطية؟

غالباً ما يتعرف الأميركيون المُتحوِّلون على المسيحية القبطية الأرثوذكسية عبر صديق أو زميل أو رفيق عاطفي. ويُعَد الزواج سبباً شائعاً للتحوُّل إلى القبطية الأرثوذكسية.

كما ينجذب الكثير من الأميركيين المُتحوِّلين إلى تعاليم الكنيسة الأرثوذكسية لأنَّها تقول أنها الأقدم في العالم، إذ تأسَّست على يد القديس مرقس الإنجيلي في القرن الأول.

يقول طوني سفونافيتش الذي خضع للتعميد في عام 2014: "كانت الدوائر البروتستانتية التي كنت أنتمي إليها تقول: "نحاول أن نكون أشبه بيسوع المسيح"، لكنني  رأيت أنَّ هذا موجودٌ بالضبط في الكنيسة القبطية".

الكنائس المتأمركة: ازدهار وفلسفة جديدة

ليست كنيسة ميسه التي تضم حالياً 300 عضو هي الوحيدة من نوعها؛ ففي العقد الماضي، افتُتِحَت عشرات الكنائس القبطية الأميركية في جميع أنحاء الولايات المتحدة، أغلبها في ولايتيّ تكساس وكاليفورنيا وعلى طول الساحل الشرقي الأميركي.

وفِي عام 2015، أسَّس الأسقف يوسف – الذي يُعَد واحداً من 10 أساقفة أقباط في البلاد – كنيسة الإسكندرية القبطية الأرثوذكسية الأميركية التي تضم حالياً خمسة تجمُّعاتٍ دينية من ولاية أريزونا إلى ولاية فلوريدا، وتخدم أشخاصاً مولودين في الولايات المتحدة على وجه الخصوص.

وتبنَّت قيادة الكنيسة الفلسفة الحاكمة التي تُمثِّلها هذا التغييرات: التخليِّ عن بعض جوانب الثقافة المصرية واحتضان الهوية الأميركية رسمياً إذا أرادت الكنيسة النمو والازدهار.  

تقول راشيل سمولوود إحدى الساكنات الأصليات من ولاية تكساس التي كانت من أتباع الكنيسة المعمدانية المتدينين ثم تحوَّلت إلى الكنيسة القبطية في مدينة هيوستن عام 2012: "هناك الآن عددٌ متزايد في الكنيسة من غير المصريين، مما يجعل شعوري بالغربة أقل بكثير، وهذا أمرٌ رائع".

نقاط الاختلاف: هل هي جوهرية؟

بينما تتشبث معظم الكنائس الأرثوذكسية الأصلية في الخارج بلغتها الأصلية والاستمرارية الثقافية، فإنَّ الكنيسة القبطية لم تقاوم التثاقف. إذ شهدت الكنيسة القبطية إقامة أول قُدَّاس باللغة الإنكليزية في عام 1980، أي بعد عقدٍ من تأسيس الكنائس القبطية الأولى في قارة أميركا الشمالية.

وبحلول التسعينيات من القرن العشرين، كانت صلوات معظم الكنائس في الولايات المتحدة – التي كان عددها آنذاك يزيد على 50 كنيسةً – تُقام باللغة الإنكليزية، وقد بارك البابا شنودة الثالث الراحل هذا التطوُّر.

وبدأت بعض التقاليد المصرية – مثل الوقوف طوال مدة القُداس أو تقبيل يد القسيسين لتحيتهم – في الاندثار، وانضم مزيدٌ من المُتحوَّلين، كما تأثرت الكنائس الكتأمركة بنمط الوعظ البروتستاتني.

الهجرة: انتعاش الهوية المصرية يغضبهم

لقد فقدنا الكثير من الأشخاص الذين نشأوا في أميركا بسبب هذا التغيُّر الأخير حين تحوَّلت كنيستي من اللغة الإنكليزية إلى العربية"، هذا ماتقوله

المواطنة الأميركية لورا مايكل التي تُدير مدوَّنة تحمل اسم "الأمهات والآباء الأقباط" – متحدثةً عن الكنيسة التي أنشأتها في ولاية فرجينيا في الثمانينيات من القرن العشرين بمساعدة والديها المولودين في مصر.

فالمفارقة إن تراجع الأمركة هو أحد أسباب التفكير في هذه الكنائس الجديدة، حسب تقرير المجلة الأميركية.

فعلى مدار العقد الماضي، أسفر ارتفاع هجرة الأقباط من مصر إلى الولايات المتحدة، بسبب ما يثار عن تعرُّضهم لاضطِّهادٍ بالإضافة إلى اندلاع الثورة المصرية في عام 2011، عن إحداث تغيير جذري في التركيبة الديموغرافية لأعضاء الكنيسة القبطية في الخارج.

خلقت الهجرة الجديدة انقساماً ثقافياً كذلك. إذ وجد قادة الكنيسة أنفسهم عالقين بين احتياجات أعضائهم القدامى المتأمركين واحتياجات الوافدين الجدد القادمين مصر.

وعادت العديد من الكنائس الناطقة باللغة الإنكليزية إلى إقامة القُدَّاسات باللغة العربية، وأعادت استخدام العادات المصرية.

المخاوف: تقويض المذهب أم استعادة للجذور

على الجانب الآخر أثارت بعض الخطوات التي اتخذت من قبل الكنائس المتأمركة قلقاً بين عامة أتباع المذهب الأرثوذكسي حيال إمكانية تسبُّب استبعاد الثقافة المصرية في تقويض مذهبهم.

وأُثير سؤالٌ جديد بينهم: هل يمكن اعتبار الكنائس المتأمرِكة قبطيةً حقاً؟.

وبالنسبة لميسه فإنه يرى أن: "هناك في مصر تركيزٌ كبيرٌ على المشاعر، على الإيمان دون فهم، وعلى قصص المعجزات. ولكن التحفيز المعتمد على العواطف أقل إقناعاً للأميركيين من تاريخ الكنيسة العقلانيّ الثريّ.

ويضيف: كأقباطٍ أرثوذكس أميركيين لدينا فرصة لاستعادة التوازن والفهم لجذورنا التاريخية، فبإمكاننا أن نأخذ الأفضل من كلتا الثقافتين".

كما أن هناك اتهامات للكنائس المتأمركة بالتركيز على جذب الأقباط الأكثر ثراءً والأعلى تعليماً، والذين ينظرون أحياناً نظرةً دونيةً للآخرين.

بل وصلت المخاوف إلى درجة قلق بشأن احتمالية انفصال هذه الكنيسة المتأمركة عن مصر مع توسع الكنيسة القبطية خارج المحيط المصري التقليدي.

التضحيات: هل التخلي عن العربية قرار سهل؟

لم ينظر المؤيدون للكنائس المتأمركة إلى التغيير في اللغة المستخدمة باعتباره قفزةً هائلة كما هو الحال في الديانات الأرثوذكسية الأخرى (تحظر الكنيسة الأرثوذكسية الأرمينية مثلاً خدمات اللغة الإنكليزية، على سبيل المثال).

وعادةً ما يُستخدم مزيجٌ من اللغة العربية والقبطية في صلوات الكنيسة القبطية.

ومع أن اللغة العربية الأكثر شيوعاً للصلاة بين الأقباط المصريين إلا أن الكنيسة تفتقر إلى وجود أي رابطةٍ عاطفية باللغة العربية، إذ يُنظر للغة العربية في المقام الأول على أنَّها لغة الإسلام، وبالتالي يمكن الاستغناء عنها، حسب كاتبة التقرير.
ولكن هناك بعض المخاوف من فقدان اللغة القبطية في القداسات، لذا ربما كانت تلك أكثر الخطوات إثارةً للجدل التي اتخذتها الكنائس القبطية الجديدة.  

في المقابل فإن العديد من الأقباط يجادلون بأنَّ اللغة ليست أساسية للإيمان كما يقول الآخرون.

ويقول الأب أثناسيوس إسكندر، الذي تُستخدم ترجماته الدقيقة للقداسات والترانيم القبطية في جميع أنحاء الدول الناطقة بالإنكليزية إنَّه "حنين إلى الماضي، هؤلاء الناس الذين يصلون باللغة القبطية لا علاقة لهم بالكنيسة أو الروحانية. يخبرنا الكتاب المقدس أنَّ على المصلين فهم ما يقولونه. إذا ماتت اللغة في أرض الهجرة هذه، فهذا مجرد تطور طبيعي".
ويقول ميسيه: أرى أنَّه يمكن بالفعل إقامة كنيسةً قبطية دون الالتزام باللغة القبطية، وسأظل أكرر هذا حتى يوم مماتي".

المكاسب:  ما العلاقة بين اللغة والتبشير؟

غرض هذه الكنائس القبطية الجديدة لا يقتصر على عدم الإضرار بعضوية الكنيسة، بل تُعَد كذلك أساساً لجهودٍ تبشيرية جديدة.

ولِكَون الأقباط أقليةً دينية في مصر، مُنِعوا تاريخياً من التبشير، حسب التقرير ولذلك، فلا شكَّ أنَّ اجتذاب المُتحوِّلين إلى الأرثوذكسية في بلادٍ مثل الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وأستراليا أمرٌ مثير للغاية.

إذ أكَّد العديد من القساوسة وأعضاء الكنيسة أنَّهم لم يعودوا قلقين حيال فقدان ثقافتهم في البلدان الأجنبية، بل متحمسون للبدء في نشرها أخيراً.
ويمكن تسهيل جهودهم هذه بتعزيز الكنيسة للقُدَّاسات باللغة الإنكليزية.

الثوابت: هل مازالوا محافظين على التزاماتهم؟

رغم كل هذا الجدل فإن هناك أموراً ثابتة، فبينما يُحتَمَل أن يتحدث القساوسة بالكنائس المتأمركة في أحاديثهم الدينية باللغة الإنكليزية، ويكتبون على تويتر بها، ويقتبسون من الثقافة الكنسية الأميركية، فإنهم سيظلون يتمسكون مجموعةً من الالتزامات الصارمة.

فأحدهم يصلي لثلاث ساعات في تراتيل صباح الأحد، ويذهب للاعتراف كالعادة، ويصوم ٩ ساعاتٍ قبل اجتماع الطائفة يوم الأحد، ويحتفظ كذلك بتقويمٍ دينيٍ دقيقٍ يتطلَّب نظاماً غذائياً نباتياً ما يقرب من ثُلُثَي العام.

العودة للجذور: طعام مصري في تكساس

المفارقة أنه حتى أولئك الذين تداخلوا مع الأمركة يحتفظون ببعض التحفظات. باهر إسكندر، الذي انتقل من مصر إلى الولايات المتحدة عندما كان عمره ١٢ عاماً، أقر بأن اهتمامه الأوليّ، في ظل عادات الأقباط الأميركيين الآخذة في التغير، هو الحفاظ على قِيم الكنيسة في مصر  مثل الارتباطٍ بالالتزام بحضور الخدمات والخدمة في الكنيسة.

ويفصل عدم الانغماس في القومية الأميركية لأن ذلك سيؤدي إلى المزيد من السلوكيات المتساهلة.

يقول: "الكنيسة القبطية هي أيضاً جزءٌ من تكويني. إنني أحب الذهاب إلى كنيسة بلدة نشأتي في هوستون بولاية تكساس، وأن آكل طعاماً مصرياً عقب الخدمة، وأن تُقبِّلني العمَّات هناك".

مسار جديد: هل تنجرف للنموذج الكاثوليكي؟

مع توسع الكنسية القبطية يبدو أن هناك من يرى وجود احتياج جديد إلى النظر إلى ما هو أبعد من اللغة أو العرق كدلالات على الالتزام بالهوية القبطية.

وغالباً ما يؤكد مناصرو الكنائس المتأمركة وجود صلة بين ذلك وبين الاضطهاد القبطي على مدار التاريخ.

يقول تادرس من معهد هدسون أنَّه "منذ 2000 عام، كنَّا الكنيسة الرسمية (الكنيسة القبطية) في مصر. اليوم، نحن في باكستان وسنغافورة وتايلاند ونيوزيلندا والسويد وفيجي وجنوب إفريقيا وزيمبابوي والمكسيك والبرازيل وغانا. لقد غزونا العالم".

تقول كاتبة التقرير: وكان أغلب الثلاثين قبطياً الذين تحدَّثت معهم من مهاجرين ومُتحوِّلين جميعاً متفائلين بأن الكنيسة ستتغلَّب على آلامها المتنامية، وستزدهر بعاداتٍ أميركية، لتشبه بذلك كثيراً بقاء الكاثوليكية العالمية بثقافةٍ فريدةٍ ولكنها تخضع لسلطة البابا.

ولكن بينما ستبقى لبطريرك الإسكندرية الكلمة الأخيرة في أمر الاعتقاد، فإن الكنيسة القبطية الأميركية يمكن أن تكون لها اليد العليا في أمر التقاليد القبطية.

أما بالنسبة لتادرس، فإنه يقارن بين يحدث في أميركا، وبين ما يراه حضوراً كنسياً في إفريقيا وأميركا اللاتينية. تاريخها ككنيسةِ من فترة ما قبل الاستعمار جعلها كنيسةً إفريقيةً محلية، صنعت شعبيتها الخاصة. وفي هذه الأبرشيات، كان التقبل سريعاً للأعراف المحلية، وسأل تادرس: "إذا قبلنا الرقص في خدمات كينيا، والطبول في بوليفيا، فلماذا إذاً لا نتقبل كنائس البعثات في واشنطن؟".

تحميل المزيد