قبل أيام من الإعلان رسميا عن فوز الرئيس عبد الفتاح السيسي بالولاية الثانية، بدأت أحاديث إعلامية عن تعديلات محتملة في الدستور.
ورغم حديث الكاتب المصري عبد الله السناوي، عن أن هناك حتى الآن "التزاماً رئاسياً معلناً بعدم التلاعب بالدستور"، في إشارة إلى تأكيد الرئيس المصري عدم ترشُّحه لولاية ثالثة، فإن مثقفين وإعلاميين مصريين بارزين مقربين من النظام لمَّحوا إلى أن هناك حاجة لتعديل الدستور؛ ليتحقق للسيسي الاستمرار.
فكيف سيعيد الرئيس المصري ترتيب نظام حكمه خلال ولايته الجديدة في مواجهة معارضة محبطة ولكن ساخطة، وفي ظل ادعاءات بوجود غضب كامن داخل مؤسسات الحكم، إضافة الى تحديات استراتيجية كبيرة تمثل خطراً على البلاد ذاتها، أبرزها ملفات النيل والاقتصاد والإرهاب.
وأعلِن الإثنين 2 أبريل/نيسان 2018، رسمياً، فوز عبد الفتاح السيسي بولاية رئاسية ثانية في مصر بنسبة 97% من الأصوات الصحيحة، بحسب ما أعلنته الهيئة الوطنية للانتخابات.
وبحسب الهيئة، بلغ عدد من أدلوا بأصواتهم خلال الانتخابات داخل البلاد وخارجها، 24 مليوناً و254 ألفاً و152 ناخباً بنسبة مشاركة 41%، لافتة إلى أن نسبة الأصوات الصحيحة منها بلغت 92.7%.
وبلغ عدد الأصوات التي حصل عليها السيسي 21 مليوناً و 83 ألفاً و387 صوتاً، بحسب ما قاله إبراهيم.
في المقابل، بلغ عدد الأصوات غير المعترف بها مليوناً و762 ألف صوت بنسبة 7.27% من جملة الأصوات، فيما حصد خصم السيسي الوحيد، موسى مصطفى موسى، نسبة 2.92% من الأصوات الصحيحة.
التصويت: هذا الاكتساح المثير للقلق
"على السيسي أن يقلق جراء هذه الانتخابات"، هكذا كتب إتش إيه هيلر، الزميل البارز غير المقيم بمركز رفيق الحريري للشرق الأوسط التابع للمجلس الأطلسي، في مقال له بمجلة The Atlantic الأميركية.
فحسب هيلر، ستكون مبالغة كبيرة أن نَصِفَ انتخابات مصر الأخيرة بالتنافسية؛ إذ شارك فيها مرشحان فقط: الرئيس الحالي مقابل أحد مؤيديه.
وسيكون من الصعب أيضاً وصف البيئة التي سبقت الانتخابات في مصر بالحرة والنزيهة؛ إذ انسحب العديد من المرشحين، مستشهدين بأسباب تتعلق بالبيئة المغلقة؛ بل إن السلطات احتجزت اثنين منهم.
فنسبة الإقبال الضعيفة برغم المحاولات القوية لحشد الناخبين، أشارت إلى مستوى كبير من الفتور العام، وذلك ينبغي أن يُقلِق القاهرة، وفقاً لهيلر.
فعلى المدى المتوسط إلى الطويل، قد يؤدي هذا الفتور إلى إحداث خلل في النظام السياسي الصحي. فالمعارضة توجد في أي بيئة سياسية، لكنَّ استيعابها يتطلَّب قنوات تعبيرٍ سياسي. وإن لم تُوجَد هذه السبل، فقد تكون التبعات خارجة عن السيطرة بصورة أكبر بكثير، حسب قوله.
أما محمد أنور السادات، ابن شقيق الرئيس المصري الأسبق أنور السادات والذي انسحب من السباق مُتذرِّعاً بترهيب أنصاره، فكان أكثر حدَّة في توصيفه تداعيات الانتخابات؛ إذ قال لصحيفة The Guardian البريطانية، إنَّ الرئيس المصري خلق حالة من الكراهية داخل الدولة بجعله السلطة مقتصرة على دائرة ضيقة من مقربيه الموثوقين.
أجواء التصويت: شرعية القبول العام
يبدو السيسي متمتعاً بدعمٍ كافٍ من نخبة الأعمال المصرية، إلى جانب جزء كبير من شبكات الرئيس الأسبق حسني مبارك، حسب هيلر.
ولكن يبدو أن هناك حاجة لـ"هندسة الحياة السياسية، وخطوات تسليم السلطة، وتشكيل حزب سياسي حاكم، لترتيب البيت المصري من الداخل"، حسب خبراء تحدثت إليهم وكالة الأناضول .
ومن مظاهر محاولة هذه الهندسة، مساعي مؤيدين للنظام المصري، طوال الأشهر الماضية، في الحصول على ما يعده مراقبون بـ"شرعية القبول العام"، عبر تنوع لافت في استخدام وسائل لحشد جماهيري كثيف إلى صناديق اقتراع، في انتخابات كانت محسومة النتائج.
وبتفاوت واضح في التقديرات، سعى مؤيدون إلى تأكيد -عبر وسائل مختلفة- كثافة المشاركة في الاقتراع الرئاسي؛ لدحض "تشكيك" المعارضين الذين تحدثوا عن خواء اللجان وحشد موظفين، وهي أحاديث اعتبرتها الهيئة الوطنية للانتخابات (مستقلة)، في بيانات سابقة، "شائعات وأكاذيب من كارهي الوطن".
"فنسبة المشاركة المرتفعة تمنح النظام السياسي الحالي مظلة شرعية قوية"، حسبما قال الخبير السياسي بمركز الأهرام الاستراتيجي المملوك للدولة، د. عمرو هاشم ربيع لوكالة الأناضول.
وبينما معارضة السيسي خارج مؤسسات الدولة ضعيفة، فإن البعض يتحدث عن نوع مختلف من المعارضة.
داخل النظام: التغييرات كما يراها المعارضون
محمود رفعت، المتحدث السابق في الخارج باسم حملة سامي عنان، رئيس أركان الجيش المصري الأسبق، الذي أُلقي القبض عليه بعد إعلانه اعتزامه الترشح للرئاسة يرى أن "السخط يزداد أكثر، انظروا إلى ما فعله السيسي بخالد فوزي (مدير المخابرات)، وإلى ما فعله بالآخرين". كما قال لصحيفة The Guardian، مضيفا أن "هناك غليان داخل الجيش، بإمكاني تأكيد ذلك لكم".
وأجرى السيسي تعديلين كبيرين في الأشهر الأخيرة؛ فعزل رئيس هيئة أركان الجيش السابق صهره، الفريق محمود حجازي، في أكتوبر/تشرين الثاني 2017، في حين عزلت وزارة الداخلية مسؤولِين أمنيِّين ذوي رتب كبيرة، من بينهم رئيس جهاز الأمن الوطني.
وفي يناير/كانون الثاني 2018، أقال السيسي مدير جهاز المخابرات العامة اللواء خالد فوزي، واستبدله بعباس كامل، مساعد السيسي منذ فترة طويلة.
أميركا وأوروبا: شركاء مصالح وليس نصائح
"خطاب ترمب تجاه السيسي مليءٌ بالمديح، وغالباً سيتجاوزان أي مشكلات كالعلاقة بين كوريا الشمالية ومصر"، بهذه الكلمات اختصر هيلر العلاقات المصرية- الأميركية في عهد ترمب.
ومما زاد احتمالات التواؤم بين القاهرة وواشنطن، حسب هيلر ، أنَّ مستشار ترمب الجديد للأمن القومي، جون بولتون، هو الآخر داعم للسيسي. ويُنظَر إلى مصر في واشنطن على نحوٍ كبير، باعتبارها محوراً للاستقرار في منطقةٍ مضطربة، وباعتبارها دولة لا تزال ملتزمة باتفاقية السلام مع إسرائيل، وهي ملمحٌ مُحفِّز للدعم الأميركي للقاهرة منذ عقود.
أما أوروبا، فعلاقاتها بالسيسي تتضمن قضايا مختلَطة إيجابية وسلبية، وفقاُ للكاتب.
فرغم تلقي كل تلك الحكومات بانتظامٍ، تقارير متعلقة بانتهاكات حقوق الإنسان، فَإِنَّ تعاون مصر في كبح الهجرة والتصدي لجماعاتٍ كتنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش) يَجُبُّ كل هذه المشكلات.
والأمر ينطبق على دول الخليج؛ إذ لديها اختلافات مع مصر بشأن اليمن وسوريا. لكنَّ العلاقات جيدة إلى حدٍ كبير.
ويلفت هيلر إلى أن أياً من شركاء القاهرة الخارجيين لم يهتم، في ولاية السيسي الأولى، بتشجيع مواقف وسياساتٍ مختلفة، ربما تخلق بدورها نظاماً أكثر عدلاً واستدامة، وهناك شك في أنَّ ذلك سيتغير في ولايته الثانية، إلا إذا حدثت تغييرات داخلية كبيرة في مصر، حسب قوله.
السؤال الصعب: الاستعداد لرئاسيات 2022
حصول السيسي على ولاية ثانية قد يعني أيضاً، أنَّه سيبدأ التفكير جدياً فيمن سيخلفه. وقد يُجهِّز بالفعل لخليفة له، حسب هيلر. ولكنَّ تحديد هذا الشخص سيظل خاضعاً لتخمينات الجميع في هذه اللحظة.
"تسليم السلطة" يعد من أبرز التحديات، من وجهة نظر عمرو هاشم ربيع الباحث بمركز الأهرام، قائلاً: "لا بد أن يجعل السيسي مصر مستعدة لرئاسيات 2022″، حيث لن يحق له وقتها الترشح لفترة رئاسية ثالثة، بموجب الدستور الحالي.
أما احتمال أن يقبل السيسي أن يتولى شخصٌ ليس من اختياره مقاليد السلطة، فهو تصوُّر صعبٌ بالنظر إلى أنَّ الإدارة الحالية قد ضيَّقت المجال في مصر أمام خلق بديلٍ سياسي حقيقي، وفقاً لهيلر.
ولكنه يطرح احتمال ترشَّح السيسي من أجل ولاية ثالثة، لافتاً إلى أن من شأن ذلك أن يتطلَّب تعديلاً في الدستور، الذي يُحدِّد فترات الرئاسة بفترتين فقط، وهذا بدوره سيتطلَّب استفتاءً عاماً.
الكاتب عبد الله السناوي لم يستبعد في مقال له، احتمالية تأسيس حزب سلطة جديد من داخل ائتلاف دعم مصر (ائتلاف الأغلبية بالبرلمان)؛ لتوفير "غطاء سياسى يفتقده الرئيس في مسألة تعديل الدستور بما يفتح فترات الرئاسة بغير سقف".
الولاية الرئاسية: 8 سنوات لا تكفي
وبالفعل، فإن هناك كتاباً ومثقفين بارزين تحدثوا عن الحاجة لتعديل الدستور؛ لمنح السيسي فرصة لولاية رئاسية ثالثة أو مدة أطول لاستكمال خططه.
فالدكتور مصطفى الفقي، الدبلوماسي السابق مدير مكتبة الإسكندرية، رأى أن "مدة 4 سنوات غير كافية، مقترحاً أن يكون الحد الأدنى 5 سنوات؛ كي تكون مدة الحكم 10 سنوات؛ أي عقد كامل يكون كافياً ليظهر الرئيس قدرته، وبصمته على الوطن".
أما الإعلامي عمرو أديب، فضرب مثلاً بالصين، التي أتاحت الفرصة لرئيسها للترشح للرئاسة مدى الحياة، وقال في مداخلة تلفزيونية: "إذا أراد الناس تعديل الدستور من جانب نوابهم، فليفعلوا كما يشاؤون، فتعديل مدة الرئيس يكون بقياس ما أنجزه في الفترة الثانية".
بينما يرى السناوي أنه إذا ما جرى تعديل الدستور لتمديد فترة رئاسة الجمهورية بغير سقف، أو لمدة ثالثة، فإن ذلك التطور المحتمل ضد الرئيس قبل غيره؛ إذ سيلغى الشرعية الدستورية باسم طلب التعديل، ويسحب من البلد كله الإنجاز الوحيد لثورتى يناير/كانون الثاني ويونيو/حزيران، حسب تعبيره.
والدراما: ماذا تفعل المعارضة لو تم تعديل الدستور؟
"جهود السيسي لتغيير الدستور قد تمنح المعارضة مزيداً من الدعم"، هكذا علق حمدين صباحي، المرشح الرئاسي في انتخابات 2014 و2012، على التكهنات بتعديل الدستور، لكنَّها ستكون معركةً شاقة، حسبما قال لصحيفة The Guardian.
وأضاف: "أعتقد أنَّ ولاية السيسي الثانية ستكون قاسية للغاية بالنسبة لكل المعارضة، وإذا ما سعى لتعديل الدستور، فسيصبح أكثر شدة مما هو عليه".
ورأى كلٌ من السادات وصباحي أنَّ إحدى المهام الأساسية للمعارضة هي التعلُّم من هذه الدورة الانتخابية، والبدء بتجهيز منافس مناسب من أجل الانتخابات الرئاسية المقبلة في 2022.
ولكن، هناك سيناريو مختلف عن سيناريو منافسة المعارضة للسيسي، يتوقعه أستاذ علم الاجتماع السياسي بالجامعة الأميركية سعيد صادق، الذي يقول إن "السيسي سيواصل حربه ضد الإسلاميين، ولن يتراجع ولن يتصالح؛ لأن شعبيته قامت على شرعية 30 يونيو/حزيران 2013 وهي الإطاحة بهم، ومن غير المعقول أن يعيدهم للمشهد، لا سيما في ظل مواقفهم الرافضة له".
واستكمل: "أما المعارضة التي تقبل بالنظام، فيمكن أن تعود قليلاً للمشهد، الذي يبدو أنه يحمل تغييرات وتعديلات في الشكل الإعلامي للنظام؛ لتقديمه بشكل مختلف".