من مخبأه في “عين الحلوة”: فضل شاكر يروي كيف أصبح طريد العدالة ويعرض شرطه الرئيسي لتسليم نفسه

في الفيلم سنراه وهو يحلق أمام الكاميرا، ويحكي عن ذكرياته في المخيم، الذي كان يعيش فيه منذ الصغر.  

عربي بوست
تم النشر: 2018/04/01 الساعة 16:35 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2018/04/01 الساعة 16:48 بتوقيت غرينتش

تردد فضل شاكر في الظهور بهذا العمل الوثائقي حتى اللحظة الأخيرة.

كان ذلك واضحا، حتى أن القائمين على إعداد الفيلم بدأوا في التصوير خلال استعدادات شاكر، خوفاً من عدوله عن إجراء الحوار.

في الفيلم سنراه وهو يحلق أمام الكاميرا، ويحكي عن ذكرياته في المخيم، الذي كان يعيش فيه منذ الصغر.  

من مخبئه في مخيم عين للاجئين الفلسطينيين بجنوبي لبنان، يظهر المطرب فضل شاكر في فيلم وثائقي، ويروي كيف تحوَّل من مطرب ذي إحساس إلى رجل طريد للعدالة، عارضاً شروطه لتسليم نفسه للسلطات.

"لم أشارك في القتال ضد الجيش اللبناني"، هكذا قال شاكر في  وثائقي يحمل عنوان "حكاية طويلة"، ضمن سلسلة برنامج استقصائي على تلفزيون الجديد اللبناني، للإعلامي فراس حاطوم.

فضل شاكر هارب من حكم للقضاء العسكري اللبناني، صدر في سبتمبر/أيلول 2017، عليه غيابياً، وقضى بالسجن لمدة 15 عاماً مع الأشغال الشاقة، بتهمة الاشتراك في القتال الذي قاده الزعيم السلفي أحمد الأسير (الذي حكم عليه حضورياً بالإعدام) ضد الجيش اللبناني في صيف 2013، فيما يُعرف بأحداث عبرا.

يروي شاكر خلال الوثائقي الذي يتكون من ثلاثة أجزاء كيف وصل إلى اللحظة الراهنة، وكيف تحوَّل من فنان محبوب في الوطن العربي إلى متَّهم محكوم عليه بالسجن لمدة خمسة عشر عاماً.

وبثَّت القناة اللبنانية الجزأين الأول والثاني من الوثائقي، تباعاً في يومي الخميس والجمعة، 29 و30 مارس/آذار 2017، رغم طلب والدة أحد العسكريين اللبنانيين الذي سقطوا في الاشتباكات  من القضاء اللبناني، بشكل عاجل، وقف عرضه، لأنها اعتبرته يُشكِّل تعدياً مباشراً على روح الشهداء العسكريين.

البداية مع الرئيس السوري: كيف تحوَّل تعاطف إنساني للارتباط بزعيم ميليشيا؟

في حفل غنائي بمهرجان مدينة موازين المغربية، في عام 2012، وقف المطرب فضل شاكر يدعو ضد الرئيس السوري بشار الأسد بالدمار والموت.

كان هذا الموقف الذي بدأ به الجزء الأول من الوثائقي، راصداً بداية التغيير في حياة فضل شاكر المهنية، وتحوُّله عن الفن، وتورطه في الأزمات السياسية.

ويروي شاكر في الوثائقي، ما قال إنه تهديد من قبل السفارات السورية له، بعد دعائه على الأسد، وحريق منزله وسرقته، كذلك سفره خارج لبنان، وإقامته المشتتة في عدة دول خوفاً على حياته.

كان موقف شاكر هذا متأثراً بما جرى من أحداث الثورة السورية، التي اندلعت في العام 2011، وما تخلَّلها من ظروف مأساوية عاشها الشعب السوري، إلا أن موقف المطرب لم يكن تعاطفاً فقط مع الثورة، بل أكثر من ذلك، حسب الوثائقي.
فبعد هذا الحفل بشهور، أعلن فضل شاكر توبته عن الفن والموسيقى، في فبراير/شباط 2013، ويذكرنا البرنامج بذلك عبر بث فيديو مصور، يتبرأ فيه شاكر حتى من سماع الموسيقى.

وقد تزامن هذا التحول في حياة المغني مع توطيد علاقته مع أحمد الأسير، إمام مسجد بلال بن رباح في مدينة صيدا، وهو الرجل الذي اكتسب شهرته من مواقفه التي تتحدث عما يقول إنه اضطهاد للطائفة السنية في سوريا ولبنان، والذي سيلعب دوراً بارزاً في حياة شاكر بعد ذلك.  
اتَّجه شاكر للإنشاد الديني، تحديداً في الاعتصامات، والمواقف التضامنية  مع الثورة السورية، حتى حدثت معركة عبرا، يونيو/حزيران 2013، التي اتُّهم المطرب المعتزل بالمشاركة فيها، وأدَّت هذه المعركة بين الجيش اللبناني ومجموعات من مؤيدي الأسير إلى مقتل 18 فرداً من الجيش.

الخروج للنور:  لماذا قرَّر تصوير الوثائقي بعد هذه السنوات؟

ليست هذه هي أول مرة يظهر فيها شاكر في الإعلام، فقد أطلَّ من قبل عام 2015، عبر شاشة قناة "LBC" اللبنانية، من داخل ما قيل إنه منزله في مخيم عين الحلوة، مؤكداً رغبته في العودة لحياته الطبيعية، حيث نفى آنذاك أن يكون قد حرَّض مناصريه على الجيش. ولكن هذه المرة تكتسب أهمية خاصة، بعد صدور الحكم القضائي الأخير ضده.

فعلى الرغم من تبرئته من تهمة القتل المباشر، فإنه يبدو أن الحكم الأخير صدم شاكر، إذ اعترض عبر تويتر، على ما اعتبره قسوة العقوبة، خاصة بالمقارنة بمن أدينوا بالتعامل مع الاحتلال الإسرائيلي، أو تنفيذ تفجيرات، وكذلك بعدم إلقاء القبض على المتهمين بقتل رئيس وزراء لبنان الراحل رفيق الحريري، حس قوله.

شاكر قرَّر كذلك أن يكون الحوارُ متزامناً مع استقالة رئيس الوزراء اللبناني سعد الحريري المفاجأة، التي أعلنها من الرياض، في نوفمبر/تشرين الثاني 2017، ثم تراجع عنها بعد عودته من لبنان.

الخلاف: لماذا توقف عن الصلاة مع الأسير؟

فضل ظهر في الوثائقي وهو يدخن ويتابع مباريات الكرة مع أصدقائه محاولا التأقلم مع سجنه الاختياري.

  ويصر على براءته، وأنه لم يكن طرفاً في معركة عبرا، بل خانه التوقيت، حسب تعبيره ، إذ إنه كان على خلافٍ مع الأسير قبل شهرين من الأحداث، حتى إنه لم يكن يصلي معه، على حد قوله.  

لم أكن جزءاً من جماعته، بل فقط متعاطفاً معه، وأشاركه القناعات ذاتها لا أكثر، هكذا يقول شاكر في محاولة لتبرئة نفسه، خاصة في ظلِّ وجود تسجيلات فيديو وُصفت بالاستفزازية، يظهر فيها معلِّقاً على أحداث عبرا.

دليل البراءة: ماذا فعل بالأسلحة الثقيلة؟

ويُدلِّل شاكر على براءته بقوله، إنه سلَّم أسلحة ثقيلة إلى السلطات اللبنانية، في مقابل مفاوضات لضمان سلامة مرافقيه، وإنه كان على تواصل مع أفراد من مخابرات الجيش اللبناني؛ منهم علي شحرور، رئيس فرع مخابرات الجنوب، ومحمد الحسيني، مدير مكتب قائد الجيش.

ورغم تأكيده على عدم فهمه للسياسة، فإن شاكر لا يُخفي آراءه السياسية؛ فهو يتحدَّث عن مشاعره السلبية حالياً تجاه الأمين العام لحزب الله حسن نصر الله، ورغبته في عودة مقاتلي الحزب إلى لبنان، وترك الحرب في سوريا.

ومن الأمور اللافتة التي قالها المطرب، الذي يشكو من الظلم، اعتقاده بأن جميع العلويين (الطائفة التي ينتمي إليها الرئيس السوري) غير مظلومين.

وينتهي الجزء الأول وهو يطالب بعفوٍ عامٍّ يَرفع الظلمَ عن الجميع؛ إذ يراه الحلَّ الوحيدَ لمحو الإرهاب من المجتمع.

وحوش: هل يعود للغناء؟

"وحوش"، هكذا وَصَفَ شاكر بعض أصدقائه؛ إذ يحكي في الجزء الثاني من الوثائقي عما يصفه بالخذلان الذي تعرَّض له من قِبَل العديد من أصدقائه، بعد أن تخلَّوا عنه في غمرة الأحداث، وتحوَّلوا إلى "وحوش"، حسب تعبيره، معرباً عن ندمه الشديد لمعرفتهم.

ولأول مرة منذ 7 سنوات يُغني شاكر أمام الكاميرا، ويقول إنه ربما لا يمتلك صوتاً قوياً، لكنه يغني بإحساس صادق.

وفيما يبدو أنه تراجع عن اعتزاله السابق، يقول إن آخر ألبوم عمل عليه مع شركة روتانا للصوتيات والمرئيات، لمدة عام ونصف العام، لكنه لم يضف صوته على التسجيلات، لاعتزاله حينها، أما الآن فإنه لا يرى مشكلة في استكماله وإصداره للجمهور.

شروط تسليم نفسه: الشخص الذي يثق به؟

شروط تسليم نفسه للقضاء توضح لماذا ربط بين توقيت تصوير هذا الوثائقي واستقالة الحريري. إذ يطلب فضل ضماناتٍ من سعد الحريري، رئيس الحكومة اللبنانية نفسه، بأنه سيحظى بمحاكمة عادلة، أمام الرأي العام اللبناني.

كما أرسل له رسالةً عبر فريق البرنامج، يؤكد فيها أنه يثق به (سعد الحريري) ثقةً تامةً، لمرجعيتهما الواحدة، ولأنه ابن رفيق الحريري، الذي يحبه ويبجِّله، كما أظهر حديثه في الجزء الأول.

اللافت أن شاكر يدعو أهالي ضحايا معركة عبرا، ألا يتوانَوا في حقِّ قتلاهم، ويتمنى أن تتحقق العدالة لكل الأطراف.

نعم لم يقتل أبناءنا ولكنه ليس بريئا: ماذا قال أهالي ضحايا الجيش اللبناني؟

الضحايا هم الطرف المقابل من هذه الحكاية ، يظهرون في الجزء الثاني من الوثائقي، حيث يعرض مشاهد أهالي قتلى الجيش اللبناني وهم ينظمون وقفةً احتجاجية ضد قوانين العفو.

فضل شاكر بريء من القتل، هكذا تُقرُّ جمانة أبو صعب، شقيقة الملازم جورج أبو صعب، أحد قتلى معركة عبرا، في لقائها مع معدي الوثائقي، ولكنها ترى أنه متورِّط بالأحداث، ومتهم بالتحريض، وتهديد الجيش اللبناني، ما يجعله مذنباً وشريكاً في دماء القتلى، حسب قولها.
اللافت أن العميد خليل إبراهيم، رئيس المحكمة العسكرية السابق، يقر بتواصل فضل شاكر مع المخابرات العسكرية، قبل معارك عبرا، لكنه ينفي الوصول إلى اتفاق أو حل لما حدث.

ويقول إبراهيم، إن فضل شاكر أخطأ عندما انجرف بحساسية الفنان المرهفة في الأحداث، وتحريضه ضد الجيش اللبناني، ويرى أن قيامه بتسليم نفسه للسلطات اللبنانية، أكثر حكمة من سجنه الافتراضي في المخيم؛ الذي تعرض فيه للإفلاس والمرض.  

فعلى غرار أحمد الأسير الذي حكم عليه بالإعدام (لا يطبق عادة في لبنان)، سيحظى شاكر بمعاملة آدمية ومحاكمة عادلة، هكذا يؤكد القاضي الذي يكشف أنه كان من معجبي فضل في الفن؛ لامتلاكه صوت دافئ.

الحلم: كيف يريد أن يقضي بقية حياته؟

"أتمنى أن أعيش في مكان آخر، يأمل شاكر في حلِّ مشكلته ويبدو مفعماً بهذا الأمل، ويعلم أنه ربما لن يتمكن من العيش في لبنان، بعد ما حدث، ولذا يتمنَّى العيش في أوروبا عامةً، وزيوريخ بسويسرا، أو لندن خاصة.

ويختتم الجزء الثاني للوثائقي بإبداء بالأمل في بداية جديدة، قد تبدو بعيدة، فرصيد فضل شاكر الكبير كنجم محبوب، تهاوى بسبب تورُّطه في الأحداث السياسية التي يصعب نسيانها.

ويبدو هذا جلياً في ردود أفعال الجمهور على الحلقات، ووصفهم له بالإرهابي عبر #فضل-شاكر-إرهابي.

فهل يغيِّر الجزء الثالث ردودَ الفعل السلبية ضده، ويأذن ببداية جديدة له، خاصة في ظل الحديث عن إصدار عفو عام جديد في لبنان قبل الانتخابات النيابية، يتحدث البعض أنه قد يشمل شاكر؟

تحميل المزيد