من أين حصل نظام الأسد على السلاح الكيماوي؟.. كل ما تريد معرفته عن الترسانة المحرَّمة دولياً لدى سوريا

عربي بوست
تم النشر: 2018/04/01 الساعة 05:20 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2018/04/01 الساعة 08:43 بتوقيت غرينتش
Workers dressed in protective clothing, hold a dummy chemical World War Two grenade, during a media demonstration at the Society for the Disposal of Chemical Weapons and Ordnance (GEKA) in Munster, March 5, 2014. The state owned GEKA is the only German company which is able to destroy chemical munitions and explosives. Syria has shipped out about a third of its chemical weapons, including mustard gas, for destruction abroad, the global chemical arms watchdog, the Organisation for the Prohibition of Chemical Weapons (OPCW) said on Tuesday. They are to be transferred to the U.S. ship MV Cape Ray and commercial destruction facilities in the United Kingdom and Germany, as part of a Russian-U.S. deal struck last year. REUTERS/Fabian Bimmer (GERMANY - Tags: MILITARY SCIENCE TECHNOLOGY)

على مدار السنوات السبع الماضية، -عمر انطلاق الثورة السورية- تأكد للجميع امتلاك النظام السوري لأسلحة دمار شامل، أو على الأقل أسلحة كيماوية، بعد استخدامها ضد معارضيه منذ 2012، في محيط العاصمة دمشق، ثم في مدينة خان شيخون عام  2017، وآخر الهجمات كان على الغوطة الشرقية عام 2018 .

وبعد هاتين الواقعتين بات السؤال الأهم من أين حصل نظام بشار الأسد على هذه الأسلحة، التي تحرمها المنظمات الدولية؟، وأين يخبئها؟، خاصة بعد التحذير الأوروبي، والأميركي بتوجيه ضربة عسكرية ضده إذا ما استخدمها مرة أخرى.

وللإجابة على السؤال الأول، فقد استطاع النظام السوري توفير السلاح الكيماوي عبر طريقتين، الأولى إنتاجه بنفسه، والذي توقف منذ عام 2013، بحسب تصريحات العميد المنشق زاهر الساكت، رئيس قسم الكيمياء في الفرقة الخامسة بالجيش العربي السوري، قبل عامين، والمصدر الثاني لهذا السلاح المحرم دولياً هو العراق!، بحسب ما نشرته صحيفة Welt، الألمانية في مارس/آذار 2018.

كيف وصل هذا السلاح من العراق إلى سوريا، ومتى؟

الصحيفة الألمانية، قالت إنه قبل 15 سنة، قادت الولايات المتحدة الأميركية تحالفاً عالمياً لشن حرب ضد العراق، في 20 مارس/آذار سنة 2003. وعُرف هذا التحالف باسم "عملية تحرير العراق"، وكان يهدف إلى نزع السلطة من الرئيس العراقي الراحل، صدام حسين. وخلال فترة قصيرة للغاية، نجحت واشنطن في خطتها.

ولم تتجاوز معركة العراق سوى 21 يوماً. وعانت خلالها القوات العراقية من هزيمة ساحقة. وحاول صدام حسين في ذلك الوقت الفرار، إلا أنه فشل في ذلك. لكن المثير للدهشة أنه لم يتم العثور على أسلحة الدمار الشامل، التي كانت السبب الرئيسي في غزو العراق. ولذلك، يعتقد الجميع أن تدخل الرئيس الأميركي في ذلك الوقت، جورج بوش، في العراق كان مبنياً على كذبة كبيرة، بحسب الصحيفة الألمانية.

ولكن في واقع الأمر، كانت أسلحة الدمار الشامل موجودة بالفعل في العراق، إلا أن صدام حسين استطاع نقلها قبل بداية الحرب إلى سوريا، وإخفاءها هناك. ووفقاً لمعلومات ظهرت مؤخراً، يوجد حوالي 4000 طن من الأسلحة الكيماوية العراقية، في سوريا. وفي سبتمبر/أيلول من سنة 2013، أجرى بشار الأسد حواراً خاصاً مع صحيفة "الأخبار"، التابعة لحزب الله اللبناني، تحدث فيه عن امتلاك سوريا لآلاف الأطنان من الأسلحة الكيماوية.

يشير هذا المعطى إلى أن العدد المعلن عنه في هذا الحوار، يفوق الأرقام الرسمية التي أصدرتها الحكومة السورية، والتي أكدت أن سوريا تملك نحو 1300 طن فقط من هذه الأسلحة. ومن الغريب أن رئيس النظام السوري لم يتطرق كثيراً للاستخدام العسكري لهذه الأسلحة. وفي الوقت ذاته، حذر من خطورة استخدامها على البيئة.

وبحسب الصحيفة الألمانية، من الواضح أن نظام الأسد لا يمتلك الأسلحة الكيماوية فقط، والتي يستخدمها ضد معارضيه؛ وإنما يوجد لديه أيضاً مخزون قديم من أسلحة الدمار. وبهذا الشكل، يمكن أن تكون كلمات الأسد أكثر وضوحاً في حال أخذنا بعين الاعتبار تاريخ البرنامج العراقي لأسلحة الدمار الشامل.

متى أطلق صدام برنامجه النووي؟

بين سنتي 1970 و1980، استطاع العراق تكوين ترسانة قوية من الأسلحة الكيماوية، والبيولوجية بمساعدة دول أوروبية. وبالفعل، استخدم العراق هذه الأسلحة ضد أكراد العراق، ومن ثم في حربه ضد إيران التي امتدت بين سنتي 1980 و1988.

تشير العديد من المصادر إلى أن العراق استخدم في الحرب حوالي 1800 طن من غاز الخردل، و140 طناً من التابون، و600 طن من السارين. كما ألقى حوالي 19500 قنبلة، و54 ألف قذيفة مدفعية، و27 ألف صاروخ قصير المدى، بحسب الصحيفة الألمانية.

في سنة 1991، عندما تدخلت قوات التحالف بقيادة الولايات المتحدة لإنهاء غزو العراق للكويت، كان صدام حسين يملك في ذلك الوقت أسلحة كيماوية وبيولوجية. ووفقاً للجنة الأمم المتحدة الخاصة، "أونسكوم"، خطط صدام حسين لاستخدام هذه الأسلحة، في حال تعرضت بغداد إلى أي هجوم من قوات التحالف. إلا أن التهديد الأميركي بالرد القاسي في حال استخدام هذه الأسلحة، ردع صدام عن استخدامها.

بعد هزيمة نظام صدام، طلبت الأمم المتحدة من هذه البلاد التخلي تماماً عن أسلحة الدمار الشامل. ومنذ سنة 1991 وحتى سنة 1998، قام مختصون من أونسكوم بتحييد أو تدمير كمية كبيرة من الأسلحة الكيماوية والبيولوجية. بالإضافة إلى ذلك، تم تفكيك المعامل والمنشآت التي كانت تعمل على تصنيع هذه الأسلحة. في المقابل، قررت أونسكوم عدم إكمال مهمتها في العراق، بسبب رفض السلطات التعاون مع اللجنة؛ ما دعاهم إلى ترك البلاد في ذلك الوقت، كما تذكر الصحيفة الألمانية.

صدام يحافظ على البنية التحتية والمسؤولين السامين المدربين

صدام حسين أبقى على البنية الأساسية التكنولوجية المطورة، وكذلك على المسؤولين السامين المدربين على أعلى مستوى؛ حتى يتمكن من الاستفادة منهم في أي وقت، وإعادة توظيفهم مرة أخرى في غضون بضعة أشهر. بحسب سكوت ريتر أحد المفتشين التابعين للأمم المتحدة، والذي قال إن "البنية الأساسية اللازمة لإنتاج هذه الأسلحة متطورة جداً في العراق. وتستطيع هذه البلاد إنتاج غاز الأعصاب (في أكس)، الذي يستخدم في الحروب، في غضون ستة أشهر فقط، بعد رحيل المفتشين عن البلاد".

أما فيما يتعلق بالأسلحة النووية، فقد بدأ العراق بالفعل برنامجه النووي السري في سبعينيات القرن الماضي. وكان من الواضح بعد وصول قوات التحالف إلى المنطقة سنة 1991، أن العراق قادر في غضون سنوات قليلة، على صناعة قنابل نووية من اليورانيوم عالي التخصيب. وعلى الرغم من ذلك، أكدت أونسكوم بعد زيارتها إلى العراق سنة 1998، أنه لا داعي للخوف من البرنامج النووي العراقي. لكن في جميع الأحوال، تؤكد هذه المعلومات أن العراق كان قادراً على استخدام خبرائه بطريقة مثالية، بحسب الصحيفة الألمانية.

منذ ذلك الوقت، بدأت مرحلة جديدة في السياسة العسكرية للعراق. وتحديداً، أعادت بغداد تسليح نفسها، على الرغم من تحذيرات الأمم المتحدة، المتكررة. تبعاً لذلك، بدأ فصل جديد من لغز أسلحة الدمار الشامل، التي يملكها صدام حسين. ومنذ سنة 1998، أعلنت أبرز الأجهزة الاستخباراتية حول العالم، أن العراق يملك كميات كبيرة من هذه الأسلحة، بحسب الصحيفة الألمانية.

لا شك في وجود أسلحة الدمار الشامل في العراق

العديد من أجهزة الاستخبارات أكدت هذه الحقيقة، بحسب الصحيفة الألمانية. ولم يقتصر ذلك على أجهزة الدول التي شاركت في حرب العراق، على غرار بريطانيا، وأستراليا، وإسبانيا، وإيطاليا، واليابان؛ وإنما شمل أيضاً أجهزة دول أخرى رفضت المشاركة في الحرب، بل وانتقدت الحرب بشدة على غرار ألمانيا، وكندا، وفرنسا، وروسيا، وإيران. وبالتالي، لم يكن هناك شك في امتلاك العراق لأسلحة الدمار الشامل على الصعيد الدولي. وحتى داخل الأوساط الأميركية، لم يكن هناك معارضون لفكرة امتلاك العراق لهذه الأسلحة.

في أكتوبر/تشرين الأول من سنة 2002، ذكر التقييم الاستخباراتي الوطني، في أحد ملفات المخابرات الأميركية أن "العراق استمر في برنامجه لتصنيع أسلحة الدمار الشامل، في مخالفة صارخة لقرارات الأمم المتحدة في هذا الشأن. كما أن بغداد تملك أسلحة كيماوية وبيولوجية، فضلاً عن صواريخ ذات مدى غير مقبول. وفي حال واصل العراق أنشطته دون توقف، سيتمكن خلال عقد من الزمان من تطوير أسلحة نووية". وقد أيدت كافة أجهزة الاستخبارات الأميركية هذا التقييم. إلا أن مسؤول شؤون الاستخبارات في وزارة الخارجية الأميركية، التزم بالبروتوكول، واعتبر أن كل ما يشاع حول استمرار العراق في برنامجها النووي مبالغ فيه.

انتهت حرب العراق في مايو/أيار عام 2003. وبعد ستة أسابيع، أعلنت واشنطن أن مجموعة مسح العراق المكونة من 1400 موظف، بدأت في عملها في البحث عن أسلحة الدمار الشامل داخل البلاد. وكان التقرير النهائي للمفتشين المكلفين من قبل جهاز الاستخبارات المركزية والبنتاغون مكوناً من مئات الصفحات، والذي تضمن كافة المواد العسكرية، وكل ما يتعلق بها، بحسب الصحيفة الألمانية.

تحذيرات إسرائيلية

وبحسب الصحيفة الألمانية لم يحتو التقرير على معطيات تكشف عن وجود مخزون ضخم من الأسلحة الكيماوية المزعومة، أو وجود كميات كبيرة من الأسلحة البيولوجية، أو حتى وجود دليل ملموس حول تطوير العراق لبرنامجه النووي. وعلى هذا النحو، تضع هذه النتيجة نهاية للنقاش حول مسألة امتلاك العراق لأسلحة دمار شامل. وفي الوقت ذاته، أشار المراقبون إلى وجود أسلحة دمار شامل، تم نقلها بالكامل إلى سوريا. وفي  ديسمبر/كانون الأول من سنة 2002، صرح رئيس الوزراء الإسرائيلي في ذلك الوقت، أرئيل شارون، في حوار تليفزيوني، أن "أسلحة الدمار الشامل التي يخفيها صدام، نُقلت من العراق إلى سوريا".

في مارس/آذار سنة 2003، أخبر الجنرال في الاستخبارات الإسرائيلية، يوسي كوبرفاسر، اللجنة المختصة في الكنيست بأن "أسلحة العراق الكيماوية والبيولوجية نُقلت سراً إلى سوريا". وفي ديسمبر/كانون الأول سنة 2005، قال رئيس الأركان في ذلك الوقت، موشيه يعلون، لصحيفة "نيويورك صن"، إن "صدام حسين نقل أسلحته الكيماوية من العراق إلى سوريا". وفي ذلك الوقت، كان يعلون يدرك أن الولايات المتحدة لن تهتم لتلك المعلومات، لأنه لن يتنقل أحد إلى سوريا ليبحث عن هذه الأسلحة، كما تقول الصحيفة الألمانية.

أحد المسؤولين في البنتاغون حاول تنبيه المخابرات الأميركية كي تعير اهتماماً للمعلومات الإسرائيلية، إلا أنه لم يكترث لتنبيهاته أحد. وادعى الأميركيون أنها إحدى الأكاذيب الإسرائيلية المعهودة. ومن جانبها، قامت إسرائيل بتوفير العديد من الصور لعمليات نقل الأسلحة التي تمت ليلاً. كما التقطت الطائرات الإسرائيلية هذه الصور، وظهر فيها صور  للرجال الذين يعملون على نقل هذه المواد، وهم يرتدون ملابس واقية. وبالفعل، أكدت مجموعة مسح العراق أن الحكومة العراقية قامت بسحب قوات حرس الحدود بشكل مؤقت، واستبدلتهم بعناصر من المخابرات، لضمان مرور حمولة الأسلحة دون عوائق.

أين توجد هذه الأسلحة؟

وبحسب الصحيفة الألمانية بعد فترة قصيرة، تم الكشف عن مكان الأسلحة العراقية، أو في الأقل على جزء منها. وبينما أكدت مصادر إسرائيلية مطلعة أن الأسلحة موجودة في سهل البقاع، صرح الصحفي السوري المقرب من المخابرات السورية، نزار نيوف‎‎، في يناير/كانون الثاني سنة  2004، أن "هذه الأسلحة موجودة داخل أنفاق في مدينة البيضا، وقرية تل سنان، وقرية سنجار على الحدود اللبنانية". وقامت وسائل إعلام فرنسية بتخطيط خريطة لإبراز المواقع الثلاثة، كما تقول الصحيفة الألمانية.

ما زال لم يحدد بعد طبيعة الأسلحة التي نقلها العراق إلى سوريا على وجه التحديد. فهل كانت أسلحة مليئة بغاز الخردل، أم بغاز السارين، أم التابون، أم أسلحة تحمل غاز الأعصاب؟ أم هي أسلحة بيولوجية تحتوي على البكتيريا العصوية الجمرية، المسببة للجمرة الخبيثة، أم تحمل السم الأكثر فتكاً في العالم، سم بكتيريا "البوتيولينيوم"، ومواد أخرى شديدة الانفجار؟

في أبريل/نيسان سنة 2004، صرح نائب المشير الجوي في عهد صدام حسين، كوركيس هرمز ساده، أنه "قبل بدء الحرب بفترة قصيرة، قامت نحو 56 رحلة جوية بنقل الأسلحة الكيماوية والبيولوجية إلى دمشق. وقد تم تمييز البراميل الصفراء المنقولة بوضع علامة الجمجمة المعروفة عليها، دليلاً على أنها مواد مميتة". ويقدم ذلك تفسيراً واضحاً لوجهة نظر مفتشي الأمم المتحدة، الذين أكدوا أنه تم إنتاج ثمانية آلاف لتر من البكتريا العصوية الجمرية السائلة داخل العراق، ومن ثم، نقلهم إلى خارج البلاد، بحسب الصحيفة الألمانية.

وترى الصحيفة الألمانية أن الأجهزة الاستخباراتية الأميركية لا يمكنها التستر على عمليات نقل الأسلحة من العراق إلى سوريا. ففي شهر أكتوبر/تشرين الأول سنة 2003، أكد المدير السابق للوكالة الوطنية للاستخبارات الجيوفضائية الأميركية، جيمس كلابر، أنه وقع التفطن إلى خروج قوافل تضم شاحنات ثقيلة من الأراضي العراقية في اتجاه سوريا. ومن المرجح أن تكون هذه الشاحنات محملة بالأسلحة والمواد المحظورة.

في شهر يناير/كانون الثاني سنة 2004، صرح الرئيس السابق للمجموعة العراقية للاستطلاع، دافيد كاي، لصحيفة ديلي تلغراف البريطانية، قائلاً: "علمنا من خلال اتصالنا بمسؤولين عراقيين سابقين أن كمية كبيرة من المعدات نُقلت إلى سوريا، من بينها عدد من أسلحة الدمار الشامل التابعة لصدام حسين. في المقابل، لم نحصل على أي معلومات بشأن مصير هذه الأسلحة. ويبقى السؤال حول هذا الأمر عالقاً".

من جهته، تكفل الوكيل المساعد السابق لدى وزارة الدفاع الأميركية، جون شو، الذي كان مكلفاً بالتحقيق بشأن المعدات الأميركية التكنولوجية الحديثة ومراقبة الصادرات العسكرية، بمهمة تقفي آثار أسلحة الدمار الشامل العراقية المختفية. من خلال عميل كان موجوداً على عين المكان، علم شو بحقيقة قوافل الشاحنات الثقيلة، التي غادرت العراق في اتجاه سوريا إبان الأشهر الأولى من الحرب العراقية. وفقاً لتصريحات شو، كانت الشاحنات تحتوي على ذخائر حية وأسلحة دمار شامل. وفي وقت لاحق، كانت هذه الشاحنات تعود إلى العراق فارغة، بحسب الصحيفة الألمانية.

بعد أن فشل شو في الحصول على معلومات بشأن مصير الأسلحة المختفية من وكالة المخابرات المركزية الأميركية ووكالة استخبارات الدفاع ، تغير مسار التحقيق بعد أن أصدر الصحفي الأميركي كينيث تيمرمان، كتابه "شادو واريرز".

في فبراير/شباط 2004، التقى شو في مدينة لندن بالرئيس السابق لجهاز الاستخبارات البريطاني، ريتشارد ديرلوف، والمدير السابق للوكالة الوطنية للاستخبارات الجيوفضائية كلابر، بالإضافة إلى الرئيس السابق لجهاز الأمن الأوكراني، إيغور سميشكو، بحسب الصحيفة الألمانية.

عندما يقترب الأميركيون من أسلحة الدمار الشامل، ترسل روسيا قوات خاصة

أكد إيغور سميشكو أنه قبل بداية الغزو الأميركي، هربت قوات خاصة روسية، تحت إشراف وزير الشؤون الخارجية الروسي الأسبق، يفغيني بريماكوف، جزءاً كبيراً من الأسلحة الكيميائية والبيولوجية العراقية، إلى جانب بعض المواد شديدة الانفجار، إلى سوريا.

خلال الفترة الممتدة بين شهر ديسمبر/كانون الأول من سنة 2002 ومارس آذار سنة 2003، شغل بريماكوف منصب المبعوث الخاص للرئيس الروسي في بغداد. وقد كان مكلفاً بإتلاف كل الوثائق المتعلقة بالمساعدات الروسية في مجال تطوير وإنتاج أسلحة الدمارالشامل، بالإضافة إلى التخلص من المواد الأولية والكمية المتبقية من الأسلحة الفتاكة، علاوة على المواد شديدة الانفجار المصنوعة، التي أرسلها الاتحاد السوفياتي إلى العراق، بحسب الصحيفة الألمانية.

في شهر أكتوبر/تشرين الأول من سنة 2003، كشف رئيس جهاز الاستخبارات الأوكراني الأسبق، أيون باشيبا الذي فر إلى الولايات المتحدة الأميركية خلال السبعينيات، عن اتفاقيات جمعت بين روسيا ومختلف الدول، التي تسلمت معدات عسكرية حساسة.

حيال هذا الشأن، صرح باشيبا أن "الاتفاقيات تنص على أنه كلما اقتربت الولايات المتحدة الأميركية من مكان أسلحة الدمار الشمال، تسارعت القوات الروسية الخاصة للتخلص من هذه الأسلحةّ قبل أن تقع في أيدي الأميركيين". وأردف باشيبا أنه "من الواضح أن جهاز الاستخبارات الروسي ساعد صدام حسين على إتلاف الأسلحة الكيميائية قبل بداية الحرب"، بحسب الصحيفة الألمانية.

بعض اللجان المستقلة الأميركية قدمت يد المساعدة لتقييم الحرب العراقية بشكل أفضل على غرار لجنة روب – سيلبرمان، التي قادها سيناتور ديمقراطي سابق وقاضي اتحادي جمهوري. وأصدرت هذه اللجنة تقريراً يتكون من أكثر من 600 صفحة انتقدت من خلاله التحقيقات، التي أجرتها وكالة الاستخبارات الأميركية والتي اتخذتها حكومة بوش ذريعة لغزو العراق.

على ضوء هذا التقرير، أكدت اللجنة أن وكالة المخابرات المركزية الأميركية راعت في تقريرها بشأن أسلحة الدمار الشامل العراقية ظاهرة "التفكير الجماعي"، حيث من الواضح أن أجهزة الاستخبارات الأجنبية خيرت الحفاظ على الرأي الجماعي، بحسب الصحيفة الألمانية.

كان هذا التقرير كافياً حتى تفصح وكالة المخابرات المركزية عن نتائج تحقيقاتها، لكنه لم يقدم أي إجابة بشأن الدوافع التي جعلت بقية الأجهزة الاستخباراتية تقر بوجود أسلحة الدمار الشامل في العراق.

تعد دائرة الاستخبارات الألمانية واحدة من بين الأجهزة الاستخباراتية التي لم تأخذ بعين الاعتبار "التفكير الجماعي". فقبل اندلاع الحرب، تحصلت على معلومات من أجهزة استخباراتية أخرى.

تملك دائرة الاستخبارات الألمانية أفضل شبكة اتصالات في العراق

اطلعت  دائرة الاستخبارات الألمانية، التي تملك أفضل شبكة اتصالات في العراق، على كيفية تشكيل القدرات العسكرية عن كثب، حيث واكبت كل مراحل عملية نقل الأسلحة في مختلف مراحلها من طلب ونقل إلى حد وصول المعدات إلى العراق. خلاصة القول، إلى غاية سنة 2003، استلم العراق العديد من المواد الصالحة لإنتاج 10 آلاف طن من الأسلحة الكيميائية، بحسب الصحيفة الألمانية.

ووفقاً لبعض المصادر، استخدم العراق 2500 طن من الأسلحة الكيميائية في حربه ضد إيران، فيما أتلفت قرابة 3500 طن من الأسلحة على يد مفتشي الأمم المتحدة الخاصة. في نهاية المطاف، استخلصت دائرة الاستخبارات الألمانية أن العراق مازال يملك حوالي 4000 طن من الأسلحة الكيميائية. لكن المستشار الألماني السابق، غيرهارد شرودر، فند النتائج التي توصلت إليها دائرة الاستخبارات الألمانية.

في الأثناء، رفض أشخاص آخرون التزام الصمت. ففي 10 من ديسمبر/ كانون الأول سنة 2013، كتب خبير الأسلحة الكيميائية، بول فولكر، مقالاً في صحيفة "زود دويتشه تسايتونغ"، أورد من خلاله أن مخزني أسلحة تحت الأرض في مدينة سامراء يحتويان مئات الأطنان من الأسلحة الكيميائية. وقد أغلقت الوكالة الدولية للطاقة الذرية هذين المخزنين نظراً لأن المفتشين الدوليين أكدوا أن إتلاف الأسلحة الموجودة بداخلهما يشكل خطراً جدياً، بحسب الصحيفة الألمانية.

أحد أكبر إخفاقات وكالة المخابرات المركزية

وبحسب الصحيفة الألمانية، لا يعد اعتراف المسؤولين السابقين في الجهاز الاستخباراتي الإسرائيلي، داني شوهام ورافاييل أوليك، في التقرير الصادر في "المجلة الدولية للاستخبارات والاستخبارات المضادة"، أمراً يدعو للاستغراب. في شهر مارس/آذار سنة 2012، شدد المسؤولون على أن التغاضي عن نقل الأسلحة الكيمائية من العراق إلى سوريا يعد من أكبر أخطاء وكالة المخابرات المركزية ووكالة استخبارات الدفاع، خلال العقود الماضية. ويعزى ذلك إلى أن هاتين الوكالتين اعتقدتا أنه يمكن العثور على الأسلحة في العراق، في حين لم تتفطنا إلى عملية نقل هذه الأسلحة إلى سوريا.

في نهاية المطاف، تم الإقرار بأن العراق يملك حقاً أسلحة دمار شامل كيميائية وبيولوجية، في حين لا يمكن إثبات وجود برنامج نووي في مراحل متقدمة على الإطلاق. على ضوء هذه المعطيات، يبدو أن وكالة المخابرات المركزية الأميركية وحكومة بوش لم تكذبا فيما يتعلق بوجود برنامج إنتاج أسلحة كيميائية وبيولوجية. وقد أكدت إدارة بوش مزاعم وكالة المخابرات المركزية فيما يتعلق بالأسلحة النووية، بحسب الصحيفة الألمانية.

على هذا الأساس، يعتبر اتهام الرئيس الأميركي الأسبق، جورج ووكر بوش، بتوريط بلاده في مستنقع حرب كاذبة بمثابة تجن على حكومته. ولكن سيظل فشل تصدير الديمقراطية في العراق راسخاً في ذهن الرئيس الأميركي الأسبق جورج ووكر بوش مدى الحياة.

تحميل المزيد