الصراع الممنوع خروجه للعلن.. دياب والعتيبة والشربتلي أبطال أزمة مانشيت “المصري اليوم”

بقصد أو بدون قصد، خرقت الصحيفة المملوكة لرجل الأعمال المصري المعروف صلاح دياب، هدنة استمرت ثمانية أشهر مع الدولة.

عربي بوست
تم النشر: 2018/04/01 الساعة 17:02 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2018/04/01 الساعة 18:49 بتوقيت غرينتش

يبدو أن هناك قصة كبيرة وراء الأزمة الأخيرة بين صحيفة "المصري اليوم" والسلطات المصرية، ليس فقط بطلها مالك الصحيفة صلاح دياب، ولكن هناك أطراف خليجية وراء التصعيد المتبادل بين الدولة ورجل الأعمال المصري.

الأزمة، التي بسببها غرَّمت الحكومة المصرية الصحيفة مبلغ 150 ألف جنيه، وأحيل رئيس تحريرها، وأحد المحررين إلى نقابة الصحفيين للتحقيق، كانت بسبب خلافات بين دياب ورجل أعمال سعودي لم يظهر في المشهد المتوتر في مصر، ولكنه فيما يبدو، يعمل من وراء الكواليس لتضييق الخناق على دياب.

هذه الأزمة خرقت هدنة استمرَّت 8 أشهر مع السلطات المصرية، بعد نشر الصحيفة مانشيت يغطي الانتخابات الرئاسية التي جرت مؤخراً، واضطرت بعدها إلى تغييره، وإصدار بيان يوضح موقفها.

السؤال هنا: من هي الأطراف الخليجية في هذه الأزمة، وما علاقتها بالتصعيد في مصر، ولماذا أقدم دياب على هذه الخطوة، الذي من الواضح أنه لم يستسلم بشكل كامل لضغوط السلطات المصرية، وما هو دور السفير الإماراتي في أميركا، يوسف العتيبة، في الواقعة.

كل هذا سنحاول الإجابة عنه في السطور القادمة

أولاً: الأزمة التي نقضت الهدنة

قبل انتهاء فترة التصويت على الانتخابات الرئاسية المصرية بيوم، نشرت "المصري اليوم"، مانشيت ينتقد عملية حشد الدولة للناخبين، لكن من يتربص بدياب أراد أن يوجِّه له ضربةً موجعةً في هذا التوقيت الحرج.

رئيس تحرير الصحيفة، محمد السيد صالح، حاول توضيح الموقف، معتبراً أن الصحيفة تعاملت بإيجابية مع مشهد الإحجام عن التصويت، مؤكداً أن الحشد "أمر إيجابي".

ورغم هذا التوضيح، تقدَّمت الهيئة الوطنية للانتخابات بشكوى للمجلس الأعلى للإعلام، لاتخاذ إجراء ضد ما اعتبرته إشارة لتدخل الحكومة في عملية الانتخاب. وأحال النائب العام بلاغاً لأحد المحامين، يتَّهم فيه الصحيفة بـ"إهانة المصريين"، إلى نيابة أمن الدولة العليا، ما دعا الصحيفة إلى نشر توضيح بالصفحة الأولى.

المصرى اليوم النهاردة منزلة اعتذار عن مانشيت كان يُعتبر الفرصة الاخيرة لها لإستعادة القارئ اللى فقدته منذ ان دخلت ذليلة…

Gepostet von Ghada Sherif am Freitag, 30. März 2018

وبالإضافة إلى البلاغات والشكاوى، جدَّدت بعض وسائل الإعلام المصرية اتهامها لمالك الصحيفة، بالعمل مع "أعداء مصر"، مقابل المال، في الوقت الذي دافعت صحفٌ أخرى كصحيفة التحرير عن المصري اليوم، وانتقدت ما سمَّته ملاحقة الصحافة في مصر.

الأزمة أكبر من مجرد مانشيت

هذه الأزمة كشفت أن المسألة ليست مخالفة الصحيفة للمزاج العام للدولة، عبر عنوان معارض في انتخابات محسومة، لكن الأمر أكبر بكثير من هذه الواقعة، خاصة أنه "ما كان المانشيت ليثير الانتباه لولا أن هناك مَن لفت الأنظار إليه، لحسابات أبعد ما تكون عن الانتخابات"، كما قال أحد المقربين من صلاح دياب لـ"عربي بوست".

ولكي تفهم حقيقة الوضع، فلا بد من الرجوع أكثر من عامين للوراء.

الخلاف الأول انتهى بغرامة 300 مليون

في أواخر 2015، اتَّهمت الحكومة دياب، بالتورط في عمليات فساد، ثم اعتقلته الشرطة هو ونجله بتهمة حيازة أسلحة بدون ترخيص، وتعمَّدت نشر صُورِه مقيداً. انتهى الأمر بإخلاء سبيله، بعد أن دفع 300 مليون جنيه، في مارس/آذار 2016، على سبيل الغرامة، ليدخل الطرفان بعدها في هدنة، صمدت حتى أغسطس/آب 2017.

الخلاف الثاني: يوسف العتيبة يتدخل لحل الأزمة

في أغسطس/آب 2017، سقطت الهدنة التي لم تصمد أكثر من عام، حين وُجهت اتهامات جديدة لدياب تتعلق بالتربُّح الزائد، وقد تمكَّن هذه المرة من إنهاء الخلاف وعقد هدنة جديدة عبر نجل شقيقته، السفير الإماراتي في واشنطن يوسف العتيبة.

هذه الأمور فسَّرها مقرَّبون من دياب وقتها، بأنها محاولات ضغط على الرجل لإجباره على بيع حصته في المصري اليوم، التي رفض وما زال يرفض بيعها، وهي أمور يؤكد المصدر المقرب لـ"عربي بوست" صحَّتها.

ويضيف "ثمَّة أمران يعتقد المحيطون بدياب أنهما يمثلان لبَّ خلافه مع الدولة، الأول إصراره على عدم بيع حصِّته في الصحيفة، التي لا تزال  غير خاضعة لسيطرة الدولة بشكل أو بآخر. والثاني، إتاحة الفرصة لأصوات هاجمت محاولة تعديل الدستور وتمديد فترة رئاسة السيسي، فضلاً عن الهجوم الكبير على شخص الرئيس، وانتقاد خطاباته في أكثر من موضع بالجريدة".

لماذا لم تسكته الدولة؟

لكن لماذا لم تلجأ الدولة لإسكات هذه الأصوات بطريقتها الخاصة، ما دام دياب مصرّاً على التمسُّك ولو بقدر ضئيل جداً من المعارضة الحقيقية، كما يقول هو نفسه؟

وبحسب المصدر، فإن التوتر بين دياب والسلطة "مرهون بحسابات لا يمكن اختزالها في صحيفة تغرِّد من حين لآخر، ضد السرب، إضافة إلى أن صحيفة واحدة محدودة القدرة على المعارضة المستمرة الموجعة، لا يُعقل أن تثير هواجس الدولة المصرية بما تملكه من ثقل".

"مربط الفرس" كما يراه المصدر، والذي لا يعرفه إلا من عايشوا دياب في فترة ما قبل الثورة، هو "أن "خلافاً قديماً وقع بينه وبين رجل الأعمال السعودي المعروف عبدالرحمن الشربتلي، المقرَّب جداً من العائلة الحاكمة في السعودية".

هذا الخلاف كما يقول المصدر، قديم، ووقع خلال جلسة خاصة في أحد الفنادق على البحر الأحمر، ووصل إلى حد التراشق اللفظي.

ولاحقاً، حاول كل من رجلي الأعمال توجيه ضربات إلى مصالح الآخر، لكن ما يجعل الأمور غير محسومة لطرف من الطرفين، أن لكلٍّ مناطق قوته ونفوذه، ووسائل ضغطه التي يمتلكها ضد خصمه.

كما أن كلاهما يعتمد في النهاية على نفس الأسلحة الثلاثة، وهي النفوذ والمال والإعلام، ويبدو أنهما متقاربان إلى حدٍّ كبير من حيث القوة، إذ كلما نشبت معركة وجد أحدهما أو كلاهما طريقاً جديداً إلى هدنة جديدة.

المعاملة بالمثل: دياب يرد الضربات للشربتلي عبر السلطة

وبحسب المصدر، فإن "خلاف مالك صحيفة المصري اليوم مع شخص قريب من قمة السلطة في مصر، يجعل الضربات الموجهة للصحيفة قادمة من هذه القمة".

لكنه أضاف أن "الغريب هو أن تقوم الصحيفة بتطبيق مبدأ المعاملة بالمثل، فترد الضربة إلى القمة ذاتها، وليس إلى أحد آخر".

وبحسب المصدر، فإن نقطة الضعف الأخرى لدياب تتمثل في شراكات مالية تجمعه برجال أعمال أتراك، وآخرين ينتمون لجماعة الإخوان.

ويرى المصدر أن نقطة الضعف هذه تمنح الذين  يتربصون بدياب فرصة تجعل الخلافات بين دياب والشربتلي حجراً يضرب به عصفورين، مجاملة الشربتلي الذي يملك من النفوذ ما لا يقل عن المال، وقرص أذن صلاح، الذي لم يهرول لفضِّ شراكاته تلك تودداً للدولة.

علامات:
تحميل المزيد