تختتم إثيوبيا، صباح الإثنين المقبل، الاحتفالات بالذكرى السابعة لوضع حجر الأساس في مشروع سد النهضة على منابع نهر النيل.
يقام الاحتفال في منطقة غوبا، الموجودة في موقع السد، ويأتي في ختام فعاليات جماهيرية استمرت طوال شهر مارس/آذار. واستقبلت معظم المدن الإثيوبية مجسماً ضخماً للسد، ويطلق عليه اسم "كأس سد النهضة"، طاف أقاليم إثيوبيا التسعة، لحث المواطنين على التبرع لاستكمال البناء.
وانتهت الفعاليات بإطلاق مبادرة "أسبوع السندات"، التي شارك فيها المواطنون لتمويل السد، وقالت وكالة الأنباء الرسمية، يوم الجمعة، إنه قد تم جمع أكثر من 45 مليوناً و884 ألف بر إثيوبي، أي ما يقترب من مليوني دولار.
ويرجع الاختلاف في طريقة الاحتفال هذا العام إلى حالة الطوارئ التي فرضتها السلطات الإثيوبية، في السادس عشر من فبراير/شباط، عقب احتجاجات واسعة لم تشهدها البلاد منذ 25 عاماً، وتحديداً في إقليم أورميا الذي شهد تظاهرات واعتصامات وإضرابات أضرت ببعض المشاريع الاقتصادية، وأغلقت الطرق العامة المؤدية للعاصمة أديس أبابا، وأوقعت عشرات الضحايا.
الافتتاح: بدء تخزين المياه بنهاية العام
ويعد سد النهضة الكبير، الذي بدأ كحلم للحكومات السابقة، أحد أهم المشاريع التنموية، ليس في إثيوبيا فقط، ولكن في القارة الإفريقية كلها.
ويتكلف المشروع 5 مليارات دولار أميركي، ويهدف إلى توليد 6450 ميغاواط من الطاقة الكهرومائية عبر 16 توربيناً.
ويترقب الإثيوبيون بداية العمل الفعلي في السد، الذي تم الانتهاء من 63% من إنشاءاته، بحسب تصريحات الحكومة الإثيوبية ومكتب تنسيق سد النهضة الإثيوبي، ومن المتوقع أن يبدأ في توليد الطاقة خلال العام الجاري.
فبحسب وكالة الأنباء الإثيوبية، فإن اثنين من التوربينات الـ16، سيبدآن إنتاج الطاقة نهاية هذا العام، ويمكنهما توليد طاقة تصل من 375 إلى 400 ميغاوات.
ولم يبدأ حتى الآن عملية تخزين المياه في البحيرة خلف السد، وحسب تصريح وزير المياه الإثيوبي، فستبدأ هذه الخطوة بعد الانتهاء من أعمال البناء وعلى مدى عدة سنوات. وهو ما يعني أن تبدأ عملية التخزين، في الفترة من شهر يونيو/حزيران إلى أكتوبر/تشرين الأول، أي موسم الخريف وهطول الأمطار على الهضبة الاثيوبية.
التمويل: من جيب المواطن الإثيوبي في الداخل والخارج
بلغ إجمالي قيمة الأموال التي جمعت من المواطنين في صورة تبرعات من أجل بناء السد 12.8 مليار بر إثيوبي (470 مليون دولار أميركي). كما بلغت قيمة الأسهم والسندات التي بيعت بحوالي 9.6 مليار بر إثيوبي (350 مليون دولار أميركي).
وتمثل المساهمات التي يقدمها المواطنون الإثيوبيون مصدراً أساسياً لتمويل المشروع، وأطلق البنك المركزي الإثيوبي، بالتعاون مع مكتب تنسيق ودعم سد النهضة الإثيوبي برنامج "أسبوع السندات"، لبيع السندات المالية، في كل فروعها في البلاد، من أجل دعم تمويل السد لمدة أسبوع كامل، بدأ في 15 مارس/آذار.
وقال هيلو إبراهام، مسؤول التعبئة الشعبية بمكتب تنسيق سد النهضة الإثيوبي "إنه يمكن لكل فرد شراء السندات، وإهداؤها لأصدقائه وأقاربه وأبنائه، في المناسبات المختلفة وأعياد الميلاد، بدلاً من كروت الهدايا العادية، هذا الأمر يعمل على تعزيز روح القومية والوطنية لدى المواطنين".
وأضاف في حديث لـ"عربي بوست"، أنه منذ انطلاق هذا المشروع يواصل المواطنون دعمهم للسد الكبير بكل الوسائل، ويأتي هذا الدعم متزامناً مع عملية البناء التي بدأت منذ 7 سنوات.
وقال رئيس مجلس إدارة الطاقة الكهربائية الإثيوبية دبرتسيون قبري ميكائيل، لـ"عربي بوست"، إنه "لا يزال الدعم من الناس مستمراً دون أي انقطاع، ومع ذلك، نحن بحاجة إلى قيادة قوية يمكنها قيادة وتنظيم الحملات، بالإضافة إلى ذلك، نحن بحاجة لتصميم برامج للوصول للجمهور".
وتسعى الحكومة الإثيوبية في الوقت الحالي لإشراك المغتربين الإثيوبيين وكل من له علاقة ود بالإثيوبيين، إذ شارك عدد كبير من أفراد الجاليات الإثيوبية في الخارج، حسب مكتب تنسيق دعم سد النهضة الإثيوبي الكبير.
وأعد المكتب 50 ألف ورقة يانصيب من أنواع مختلفة لإشراك الإثيوبيين في الخارج، وتبلغ قيمة ورقة اليانصيب الواحدة 10 دولارات، وقام عدد كبير من أفراد الشعب السوداني في العاصمة الخرطوم بشراء السندات المالية لدعم سد النهضة، حسب بعض التقارير الواردة من السفارة الإثيوبية في العاصمة السودانية الخرطوم.
الجيران: جولة جديدة من المفاوضات في أبريل
كانت المفاوضات بشأن سد النهضة الإثيوبي قد تعثرت عدة مرات بين إثيوبيا وشركاء حوض النيل، لا سيما مصر. وكانت آخر جولة هي التي استضافتها العاصمة المصرية، في ديسمبر/كانون الأول 2017، التي أعلنت القاهرة عن فشلها، رغم تأكيد الرئيس المصري بعد ذلك أنه لا توجد أزمة بشأن سد النهضة.
وتبدو مصر أكثر الدول تضرراً من السد الجديد، وهو ما جعلها تدخل في كثير من المفاوضات مع أديس أبابا، لكن لم يتم التوصل لحل وسط يرضي كل الأطراف في النهاية.
وتؤكد وسائل الإعلام الإثيوبية، أن المفاوضات ستتواصل خلال شهر أبريل/نيسان 2018، في العاصمة السودانية الخرطوم، بمشاركة كل من وزراء المياه والخارجية في البلدان الثلاثة. وعقب الاتفاق الأخير الذي تم في أديس أبابا، كانت هناك العديد من الأصوات التي ترى أنها قد تتعرقل وتتغير المفاوضات عقب استقالة رئيس الوزراء الإثيوبي هيلي ماريام دسالين.
ومن المتوقع أن ينخفض معدل تدفق مياه نهر النيل بمقدار الربع، بمجرد تشغيل سد النهضة في إثيوبيا، ما يسبب الكثير من القلق لمصر.
لماذا السدود الإثيوبية؟
الطلب المتزايد على الطاقة الكهربائية في البلاد جعل إثيوبيا تفكر لابتكار العديد من المشاريع لتغطية الطلب المتزايد، فكانت هنالك مشاريع الطاقة من الرياح في منطقة "اشغودا" بإقليم تقراي و"اداما" بإقليم أوروميا، بالإضافة لعدد من المشاريع الكهرومائية، التي يأتي على رأسها سد النهضة الإثيوبي الكبير، وتوليد الطاقة من البخار في جنوب إثيوبيا.
يعتبر "سد النهضة الإثيوبي العظيم" أحد المشروعات العملاقة التي قدمتها الحكومة الإثيوبية من أجل توليد الطاقة الكهربائية، وهو من ضمن مشاريع متعددة قامت إثيوبيا ببنائها لتوفير العملات الصعبة التي تصرف على المواد البترولية.
عمليات الاستثمار الكبيرة التي تشهدها إثيوبيا تتطلب معها طاقة متزايدة بين الحين والآخر، مما جعل الحكومة تخطط لإقامة عدد كبير من السدود لتوليد الطاقة الكهربائية، ومن هذه المشاريع مشروع "قلقل قيبي 1″ و"قلقل قيبي 2″، وقلقل قيبي 3" على نهر أومو في الحدود الإثيوبية الكينية. هذه المشاريع الثلاثة أثارت حفيظة كينيا، التي تقدَّمت باعتراضات، وتوصلت الدولتان لاتفاقيات انتهت بأن تستفيد كينيا من هذه المشاريع.
ولا تزال إثيوبيا تقوم ببناء السدود، فانتهت من إنشاء سد "تيكيزي" شمالي البلاد، وكذلك تواصلت الجهود لبدء العمل في سد "قلقل قيبي 4".
آخر ما صدر من معلومات مفصلة عن السد، كانت تلك الصادرة على موقع إذاعة "والتا" الإثيوبية وبعض المواقع الإثيوبية الأخرى، التي تناقلت معلومات صادرة من مكتب تنسيق الدعم الشعبي لسد النهضة. قدمت هذه المعلومات العديد من التفاصيل حول السد والعمل فيه.
ويبلغ الطول المتوقع للسد 145 متراً، سيكون خلفه بحيرة عرضها 1.8 كيلومتر تصل سعتها التخزينية إلى 74 مليار متر مكعب من المياه. ويشارك في عمليات البناء 10672 عاملاً.