رتبة ضابط بدولارات معدودات.. كل وظيفة وثمنها من “ملازم” إلى “عقيد” لكن كيف حصلوا عليها؟

عربي بوست
تم النشر: 2018/03/31 الساعة 12:51 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2018/04/01 الساعة 06:32 بتوقيت غرينتش

في مقهى مزدحم وسط مدينة طبرق (شرق ليبيا)، يجلس وائل رجب مع عدد من زملاء الدراسة يتصفحون الإنترنت رفقة أكواب الشاي الأخضر، ويشاهدون مباريات كرة القدم.

الشاب الثلاثيني، ضابط برتبة "ملازم أول" بمديرية أمن طبرق وحاصل على البكالوريوس في علم الاقتصاد من جامعة عمر المختار، تخرج قبل سنوات في كلية ضباط الشرطة (صلاح الدين) بالعاصمة الليبية طرابلس، لكنه يفكر جدياً في ترك وظيفته والعودة إلى التجارة.

وائل، من بين عدد من الضباط الأكاديميين الذين يَعتبرون أنهم ضحية قرار إداري ظالم، فقد اجتهدوا وتدربوا على أعلى مستوى بعيداً عن عائلتهم على بُعد 1500 كيلو متر بطرابلس، ليجدوا أنفسهم في النهاية بالدرجة نفسها مع من يسمونهم "الضباط المزوّرين".

هؤلاء يحملون الرتب الأمنية والصفة الوظيفية نفسها، ويتحصلون على المرتبات ذاتها بمجرد شراء شهادة ليسانس أو بكالوريوس من جامعات ومعاهد خاصة، مقابل مبالغ زهيدة ليشملهم قرار التسوية الصادر عن وزارة الداخلية بالحكومة المؤقتة (تابعة لمجلس النواب شرق ليبيا).

تجاوزات داخل الوزارة

ملامح الإحباط التي كانت بادية في نبرة صوت الضابط وائل، وملامحه وهو يقلّب بين يديه مذكرة داخلية تلقَّاها من إدارته المباشرة قبل ساعات، بسبب تغيُّبه المتكرر عن العمل دون إذن- جعلته يحسم أمره كما يؤكد لـ"عربي بوست"، حيث لم يعد يكثرت كثيراً لأمر وظيفة اختلط فيها الحابل بالنابل على حد تعبيره.

المستشار القانوني بوزارة الداخلية في الحكومة المؤقتة النقيب الناجي السعداوي، يصف الأمر بـ"الكارثة"، موضحاً لـ"عربي بوست" أن قرارات التسوية السريعة والعشوائية أعوام 2013-2014-2015، تسببت في خلق كوادر غير مؤهلة ولا ترتقي إلى مستوى ضباط أمن يحافظون على الحريات العامة والحقوق.

فمن بين هؤلاء الضباط من لا يعرف تصنيف الجرائم أو حتى اختصاصات ضابط الشرطة؛ مما تسبب في الكثير من الخروقات والمشاكل؛ بل إن من بينهم من لا يجيد الكاتبة ولا القراءة، يؤكد الناجي.

 

الظاهرة ليست جديدة كلياً؛ حيث إن أكثر حالات التزوير بين موظفي وزارة الداخلية سُجلت -حسب المستشار القانوني- في عام 2008، بعد أن عُدّل القانون الذي لم يكن يعترف بغير شهادات الجامعات العمومية في التسوية الوظيفية والترقيات، ليستمر الأمر سنوات متتالية وبدرجات متفاوتة حتى يصل ذروته في الأعوام الثلاثة الأخيرة.

تجارة رائجة

أحمد، توظف في قطاع الشرطة عام 1995 واشترى مؤخراً مؤهل ليسانس بتاريخ رجعي يعود لعام 2000؛ ليتحصل على رتبة "ملازم ثانٍ" بالتاريخ نفسه، وبعد قانون التسوية الجديدة وبحكم أقدمية 20 سنة في الوظيفة، تحصل أحمد على رتبة "مقدم".

هذه الحالة التي يرويها المستشار القانوني السعداوي لـ"عربي بوست"، بحسرة كبيرة، يعتبرها فضيحة في قطاع الأمن الليبي، حيث إن أحمد الآن من الضباط السامين ويجوز له التعيين بمناصب عليا في الدولة بحسب القانون.

السعداوي يتهم المعاهد والجامعات الخاصة باختراق المؤسسات الأمنية، حيث زرعت فيها سماسرة بشكل سري؛ للترويج لشهادتها وبيعها بأسعار تتراوح بين 200 و400 دينار، مما لقي رواجاً لدى أصحاب الشهادات الإعدادية والمتوسطة، خاصة من عناصر الأمن وضباط الصف بغية التسوية الوظيفية.

ورغم اشتراط اجتياز الدورات التدريبية، بحسب مرسوم التسوية الذي يُمنح لخريجي كلية الشرطة وحمَلة المؤهلات العليا، بعد خضوعهم لدورة تدريبية تنظمها وزارة الداخلية- فإن ذلك يبقى غير كافٍ ما دام المترشح غير حاصل أساساً على مؤهل علمي جامعي.

  

قطاع أمني مترهل

بمكتب القوى العاملة في طبرق، التابع لوزارة العمل والتأهيل بالحكومة الليبية المؤقتة، يحرص يونس حماد، المسؤول عن تسلُّم الشهادات، على التأكد من ختم الجامعة وإظهار الشهادة الأصلية؛ للتحقق منها قبل تسلُّمها من الخريجين الباحثين عن عمل بالقطاع الحكومي.

حماد يؤكد لـ"عربي بوست"، أن هذا التشديد في الإجراءات سببه كثرة حالات التزوير، التي تزايدت بشكل كبير في الآونة الأخيرة، خاصةً بالمعاهد والجامعات الخاصة التي تقوم ببيع الشهادات شاملةً ختم الجودة من مكاتب الجودة في البيضاء وبنغازي (مدن الشرق الليبي).

لكن الأمر يبقى أكثر خطورة في المؤسسة الأمنية، حيث التسوية الوظيفية لا تؤثر كثيراً في وضع الموظف المدني، كما يرى السعداوي. أما في حالة ضباط الشرطة، فالأمر مختلف تماماً، موضحاً أن حوالي 60% من الضباط  الذين شملتهم التسوية خلال السنوات الثلاث الماضية هم من خريجي المعاهد الخاصة بشهاداتهم المزورة في معظمها، "شراء ليسانس القانون مثلاً يمنح رتبة ملازم أول، مما أسهم في انتشار التزوير".

تزوير الشهادات، حسب السعداوي، يصبح سبباً مباشراً في ترهل المؤسسة الأمنية وتدني مستوى الخدمة التي تقدمها، خاصة بعد أن تولى بعض المزوّرين مسؤولية رئاسة مراكز وأقسام ووحدات وفروع على مستوى الدولة؛ بل وصل بعضهم لمراكز عليا، كمديري أمن المنافذ البرية والبحرية والجوية.

العشيرة أقوى من القانون

حينما تخرج وائل في أكاديمية الشرطة، تم تعيينه بأحد مراكز الشرطة مع 5 ضباط آخرين، وكان تحت إمرتهم 500 فرد أمن، وبعد التسويات ارتفع العدد إلى 38 ضابطاً، معظمهم غير مؤهل من أصحاب الشهادات المزورة، مما "أضعف أداء المركز وسبَّب فوضى إدارية ومشاكل كبيرة، وتسبب في عزوف زملائي القدماء عن العمل".

أمام تفاقم الوضع، قام بعض الضباط الكبار في مديرية أمن طبرق بمخاطبة وزارة الداخلية بحكومة طبرق، التي أصدرت قراراً بإيقاف الترقيات والتسوية على الجميع منذ بداية 2016 إلى حين تنظيم الأمور وتطبيق المعايير الحقيقية حسب القوانين واللوائح.

هذا القرار تسبب في حرب غير مباشرة على أصحاب المبادرة من قِبل عدد كبير من المزورين داخل الوزارة، بحسب الضابط طلب منا عدم ذكر اسمه، "تكتَّلوا على شكل تحالفات، ويتآمرون علينا؛ لأنهم أحسو بتهديد مصالحهم الشخصية"، الأمر الذي سبَّب لأحد الشباب الذي طلب عدم ذكر اسمه الكثير من المشاكل، خاصة في مدينة طبرق، حيث العشيرة في أحيان كثيرة أقوى من القانون ذاته.

فشل المبادرة وعودة الأمور إلى ما هي عليه، جعلا وائل صحبة بعض زملائه من الضباط الشباب، يفكرون في مشروع تجاري مربح، كان ذلك سبب لقائهم بالمقهى، فبعد أن جرَّب التنقل بين 4 إدارات ومراكز شرطية مختلفة في طبرق وضواحيها، أصبح مقتنعاً بأن تضاعُف عدد الضباط في الوزارة إلى 7 أضعاف خلال السنوات الثلاث الأخيرة، جعل الضباط المؤهلين يختفون وسط "حشد من المزورين الباحثين عن الترقيات السريعة بغض النظر عن أمن الوطن والمواطن".

علامات:
تحميل المزيد