ترمب يمنح إيران هدية ثمينة.. ماذا ستجني طهران بانسحاب أميركا من سوريا؟

عربي بوست
تم النشر: 2018/03/31 الساعة 07:50 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2018/03/31 الساعة 16:54 بتوقيت غرينتش
U.S. President Donald Trump walks to Air Force One as he departs for Palm Beach, Florida, from Joint Base Andrews in Maryland, U.S., March 23, 2018. REUTERS/Joshua Roberts

لم يكن الموقف الذي أعلن عنه الرئيس دونالد ترمب بسحب قوات أميركا من سوريا مرضياً لكامل أعضاء إدارته، ويرى بعضهم أن ذلك سيفسح المجال أمام توسع إضافي لإيران في مناطق سوريا لا سيما التي يوجد بها النفط.

صحيفة "The Washington Post"، أشارت الجمعة 30 مارس/آذار 2018 إلى أن هنالك الكثير من الأسباب للحفاظ على وجود أميركا في سوريا بعد سقوط تنظيم الدولة الإسلامية (داعش)، معتبرةً أن ترمب لا يبدو مقتنعاً بأي منها.

وأشارت إلى أن الرئيس الأميركي ربما يتراجع عن رغبته في الخروج من سوريا سريعاً إذا عرف أن الولايات المتحدة وشركاءها يسيطرون على كل النفط تقريباً، وإذا خرجت القوات الأميركية، فمن المُرجَّح أن يقع ذلك النفط في أيدي إيران.

واعتبرت الصحيفة أن لدى الولايات المتحدة مصالح أمنية قومية خطيرة في التأكُّد من أن رئيس النظام في سوريا بشار الأسد، والرئيس الروسي فلاديمير بوتين وإيران، لا يدفعون أميركا للخروج من سوريا ويعلنون النصر الكامل.

لكنَّ ترمب قال مراراً وتكراراً أن تلك المهام ليست مسؤولية الولايات المتحدة. ووعد بسحب ما يقرب من 2000 جندي أميركي من سوريا في تجمع حاشد أول أمس الخميس 29 مارس/آذار 2018 في أوهايو.

وأعرب ترمب عن أسفه لما اعتبره تبديد واشنطن 7 تريليونات دولار في حروب الشرق الأوسط، وفي خطاب شعبوي أمام عمال صناعيين قال إن "القوات الاميركية باتت قريبة من تأمين كل الأراضي التي سيطر عليها في الماضي تنظيم الدولة الاسلامية"، مضيفاً: "سنخرج من سوريا في وقت قريب جداً. فلندع الآخرين يتولون الاهتمام بها الآن"، وفقاً لما ذكرته وكالة الأنباء الفرنسية.

ولم تنظر صحيفة "The Washington Post" إلى تصريح ترمب على أنه عفوي، ففي شهر فبراير/شباط الماضي، قال ترامب إنه "على الرغم من أنه يعتقد أن المذبحة التي تجري في الغوطة الشرقية من قبل روسيا وإيران ونظام الأسد هي عارٌ إنساني، فإنه لا ينوي القيام بأي شيءٍ حيال ذلك، لأن مهمتنا هي التخلُّص من داعش والعودة للبلاد مرة أخرى".

قرار لم يحظ بتأييد

ويتناقض قرار ترامب مع رغبة كبار مسؤولي الأمن القومي في إدارته بضرورة البقاء في سوريا، إذ قال وزير الدفاع الأميركي جيم ماتيس في أواخر العام الماضي، 2017، إن القوات ستبقى لمنع ظهور "نسخة ثانية من داعش" ولإرساء الاستقرار.

وفي يناير/كانون الثاني الماضي رسم وزير الخارجية ريكس تيلرسون (المُقال مؤخراً) خمس أهداف بعيدة المدى لسياسة الولايات المتحدة في سوريا، تشتمل على تخليص نظام الأسد من أسلحة الدمار الشامل وحل الصراع السياسي، ووعد بأن الولايات المتحدة "ستحافظ على وجود عسكري في سوريا يركز على ضمان عدم ظهور داعش مجدداً".

وتقول الصحيفة الأميركية إذا "لم يوافق ترمب ويبحث عن سياسة لسوريا تناسب حملته، فقد يتذكر أنه كان يشكو باستمرار بخصوص العراق قائلاً: كان يجب علينا الاحتفاظ بالنفط. بالطبع، لا يمكننا ولا ينبغي لنا أن نأخذ أو نحتفظ بنفط سوريا. لكن هناك ذرة من الحقيقة في فكرة ترامب؛ السيطرة على النفط هو التأثير الوحيد الذي نملكه في سوريا اليوم".

ديفيد أديسنيك، مدير الأبحاث في مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات، قال من الولايات المتحدة "نتحكَّم في مساحةٍ حوالي 30 بالمائة من سوريا، والتي ربما كان 90 بالمائة من إنتاج النفط قبل الحرب يخرج منها. وهذا يمنحنا نفوذاً".

والأشخاص الفعليون الذين يسيطرون على الأرض التي تنتج النفط ليسوا القوات الأميركية، بل قوات "سوريا الديمقراطية" التي يشكل المقاتلون الأكراد الجزء الأكبر منها، وهي قوات دربتها وسلحتها واشنطن، إلى جانب دعمها لقادة من العرب السُنَّة الذين يقاومون الهجوم المستمر من قبل القوات المدعومة من الحكومة والإيرانيين.

ولدى نظام الأسد وإيران إستراتيجية ثابتة ومستمرة لاستعادة جميع الأراضي التي كان الأسد يسيطر عليها قبل بدء الاحتجاجات في مارس/آذار 2011، بما في ذلك الأرض التي تحتوي على موارد الطاقة الأكثر قيمة في سوريا.

والأكثر من ذلك، من المُتوقَّع في شهر مايو/أيار المقبل، أن يسحب ترمب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي الإيراني، مما يعني أنه سيعيد فرض العقوبات الأميركية على النفط الإيراني، وسيأتي القرار بنتائج عكسية للغاية إذا مُنِحَت إيران السيطرة على رقعةٍ من سوريا تحتوي على كمياتٍ هائلة من النفط في نفس الوقت بالضبط.

وبحسب ما قاله لي تشاغي تزوريل، مدير عام الاستخبارات الإسرائيلية، إذا كانت الولايات المتحدة وحلفاؤها يعتزمون وقف التوسُّع الإقليمي لإيران، فإن هذه المهمة يجب أن تبدأ في سوريا. وأضاف أنه إذا كان هناك مجال لأي مفاوضات سلام حقيقية، فإن الوجود العسكري الأميركي سيكون أمراً حاسماً ليضحى لأميركا تأثيرٌ هناك أيضاً.

واعتبر تزوريل أنه إذا لم تواجه الولايات المتحدة إيران في سوريا أولاً فذلك سيتسبب بخسارة لواشنطن، وقال إن "وجود القوات الأميركية مهم جداً (…) فهو يحجز لك مقعداً على الطاولة التي تُقرِّر مستقبل سوريا".

أميركا والأكراد

وتُعد الولايات المتحدة حليفاً رئيساً للقوات الكردية الموجودة في سوريا، وأشار تقرير الصحيفة الأميركية إلى أنه في حال غادرت القوات الأميركية، فمن المُرجَّح أن يتجه الأكراد نحو نظام الأسد، وبعد ذلك سينتقل الإيرانيون إلى المنطقة ويستكملون جسرهم البري الذي يبدأ من طهران وصولاً إلى بيروت.

وأضافت الصحيفة أنه "إذا لم يكن لدى ترمب إستراتيجيةٌ حقيقية لسوريا، فهو ليس لديه إستراتيجيةٌ حقيقية لإيران".

وقالت ميليسا دالتون، زميلة مركز الدراسات الإستراتيجية والدولية بواشنطن: "إيران تُحَّوِل شبكة الحرب بالوكالة، وهي محورها للمقاومة، إلى جيش مقاومة على مستوى المنطقة". وأشارت إلى إن إيران لديها الآن أكثر من 250 ألف جندي بالوكالة يعملون بشكلٍ مباشر أو غير مباشر تحت نفوذها في المنطقة.

وسابقاً عطلت الولايات المتحدة مشروعاً إيرانياً لإقامة ممر بري ينطلق من الأراضي الإيرانية مروراً بالعراق إلى شمال شرق سوريا، ثم إلى حلب وحمص وانتهاء بميناء اللاذقية على البحر المتوسط.

وبحسب صحيفة "Theguardian" البريطانية فإن إيران اضطرت إلى التراجع عن ذلك الممر، بسبب وجود قوات أميركية في شمال شرقي سوريا في مناطق تسيطر عليها القوات الكردية، حيث رأى الإيرانيون في تجمُّع القوات الأميركية ردعاً لطموحات طهران.

ولذلك قررت إيران نقل ذلك الممر جنوباً بمسافة نحو (225.31 كم) لتجنُّب تجمُّعٍ للقوات الأميركية، وكانت مدينة الميادين التي تواجَد فيها تنظيم "داعش" محطة رئيسية لتحقيق المشروع الإيراني.

وانتقد مقال لـ فريدا غيتيس نشرته شبكة "Cnn" الأميركية، الأربعاء 28 مارس/آذار 2018، سياسة ترمب في سوريا، وقالت إنها أسوأ من سياسة أوباما، مشيرةً أن تلك السياسة جعلت من إيران وحلفائها لا سيما "حزب الله" أكثر قوة وتأثيراً عند حدود الأردن، وإسرائيل، حليفتي الولايات المتحدة.

ولذلك فإن ما يخشاه مسؤولون في إدارة ترمب أن سحبه للقوات الأميركية من سوريا قد يسمح لإيران بمزيد من التحرك داخل البلد الممزق، وفي الوقت الذي تتنافس فيه الدول الكبرى لحصد أكبر قدر من النفوذ.

السعودية لا تؤيد قرار ترامب

وفي أول تعليق رسمي من السعودية على قرار ترامب، قال ولي العهد محمد بن سلمان إنه ينبغي أن تبقى القوات الأميركية في سوريا، وأشار في تصريح لصحيفة "The times" البريطانية، إن السعودية تعتقد أن على الولايات المتحدة أن تُبقي قواتها هناك لفترة متوسطة على الأقل، إن لم يكن لفترة طويلة.

واعتبر بن سلمان أن وجود القوات الأميركية داخل سوريا، هي الوسيلة الوحيدة لإيقاف إيران عن تمديد نفوذها، وقال إن بقاء أميركا سيمكن واشنطن من إبداء رأيها في مستقبل سوريا.

وأضاف الأمير أن إيران ومن خلال ميليشياتها التي تعمل بالوكالة سوف تسعى لإقامة طريق إمداد بري يربط طهران مع بيروت من خلال سوريا والعراق، مشيراً أن "الهلال الشيعي سيعطي إيران موطئ قدم في المنطقة المضطربة.

وحذر من أنه في حال أخرجت الولايات المتحدة قواتها من شرق سوريا، فإنها ستخسر تلك المنطقة، وأضاف أن الممر البري هدف إيران من الممكن أن يخلق الكثير من الأشياء في المنطقة.

واستبعد ابن سلمان إزاحة الأسد من السلطة، وقال إن "بشار باق، لكن أعتقد أنه من مصلحة بشار ألا يدع الإيرانيين يفعلون ما يحلو لهم".

يرفض تقديم الأموال

وكان واضحاً في خطاب الرئيس الأميركي الذي أعلن فيه عن سحب قواته من سوريا، أن لديه نزعة لإبعاد بلاده من المشاريع التي يرى ترمب أنها "تستنزف المال الأميركي".

وعقب قراره الأخير بخصوص القوات الأميركية، أمر ترمب وزارة الخارجية بتجميد أكثر من 200 مليون دولار من الأموال المخصصة لإعادة الإعمار في سوريا، وفقاً لما ذكره تقرير لصحيفة "the wall street journal".

وقالت وكالة رويترز إن مسؤولين اثنين في الإدارة الأميركية، أكدا ما ذكرته الصحيفة الأميركية" التي أشارت إلى أن ترمب دعا إلى تجميد هذه الأموال بعد قراءة تقرير إخباري أشار إلى أن واشنطن التزمت في الآونة الأخيرة بتقديم 200 مليون دولار إضافية لتحقيق الاستقرار في المناطق التي تمت استعادتها من تنظيم "داعش".

وكان ترمب قال الخميس الماضي إن أميركا "أنفقت سبعة تريليونات دولار في الشرق الاوسط. هل تعلمون ما الذي حصلنا عليه لقاء ذلك؟ لا شيء"، متعهداً بتركيز الإنفاق الأميركي في المستقبل على خلق وظائف وبناء بنية تحتية في بلده.

تحميل المزيد