مغاربة، عراقيون، سوريون، وآخرون كثيرون جمعهم “الأمل” على جزيرة اليأس

عربي بوست
تم النشر: 2018/03/30 الساعة 20:36 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2018/04/01 الساعة 08:56 بتوقيت غرينتش

كانت عينا جهانغير باروش البنيَّتَان غائرتين ومُسطَّحتَين، بعد أن أمضى ليلةً أخرى بلا نوم في حاويةٍ معدنية بجزيرة ليسبوس اليونانية، حيث عاش أكثر من عام.

يقول باروش، الذي يبلغ من العمر 26 عاماً، بيأسٍ، في مركزٍ للاجئين، بعيداً عن مُخيَّم موريا الرئيسي، حيث يُقيم: "لم تكن هناك أي كهرباء في الحاوية الليلة الماضية.. كانت مثل الثلاجة"، حسب تقرير ميداني نشرته صحيفة The New York Times. يضيف باروش، الذي جاء من بلوشستان، وهي مقاطعة مُحاصَرة في باكستان: "أريد أن أذهب إلى أثينا. إذا كنتم لا تُريدونني، أريد أن أذهب إلى دولةٍ أخرى".

وتساءل وهو يُخيِّم عليه الحزن: "لماذا أنا هنا؟".

يطرح آخرون السؤال نفسه بعد مرور عامين على توقيع الاتحاد الأوروبي صفقة مع تركيا، تهدف إلى قطع الطريق عبر بحر إيجه (وهو أحد أفرع البحر المتوسط، ويقع بين شبه الجزيرة اليونانية والأناضول) أمام طالبي اللجوء، وكثيرٌ منهم دفعتهم الحروب في سوريا والعراق وأفغانستان إلى الخروج من بلدانهم.

ومنذ ذلك الحين، ظل الآلاف عالقين على جزيرة ليسبوس، لا يرغبون في العودة إلى البلدان التي غادروها، وغير قادرين على التحرُّك إلى الأمام، نحو الفرصة التي كانوا يأملون أن يعثروا عليها في أوروبا. وهم مستمرون في المجيء، رغم أن الأعداد صارت أقل.

ويُنقل المحظوظون، الذين تُقبَل طلبات لجوئهم، في النهاية، إلى البر اليوناني، وفق The New York Times. أما الأشخاص الذين تُرفَض طلبات لجوئهم (ويمكنهم التقدُّم بطلب لجوءٍ مرتين)، فيُرسلون مرةً أخرى إلى تركيا كجزءٍ من الصفقة مع الاتحاد الأوروبي.

لكن، لا يبدو أنَّ أياً من البلدين لديه حافز كبير لقبولهم. تنظر السلطات اليونانية في حالاتهم ببطء، لأشهر في كل مرة، بينما يعيش طالبو اللجوء في حالة من الغموض، عالقين في ظروف بائسة للغاية، حتى إنَّ البابا فرانسيس شبَّهَها بمعسكر اعتقال.

ويمكن قياس حجم أزمة الهجرة التي جاءت بهم إلى جزيرة ليسبوس، بأكوام سترات النجاة المتروكة التي لا تزال متناثرة على الجزيرة. ولكنها تأتي مُحمَّلةً بيأسٍ بشكلٍ متزايد.

واحتُجز نحو 5500 شخص في مُخيَّم موريا للاجئين باليونان، أي نحو 2500 شخص أكثر مما صُمِّمَ المُخيَّم لتحمُّله.

كيف هو مسكنهم وأكلهم؟

تتسرَّب مياه الأمطار من خلال الخيام، وهناك نقصٌ في الكهرباء والماء الساخن بأماكن الاستحمام، حتى في الشتاء. والمراحيض العامة وأماكن الاستحمام متسخة بالبراز. وبالإضافة إلى سوء الطعام، فإنه غالباً ما ينفد. الطوابير، لكل شيء، لا نهاية لها. وتندلع معارك باستمرار. بينما يُشكِّل العنف، والسرقة، والاغتصاب تهديداً مستمراً.

وأحياناً ما يقوم الرجال بتقطيع الأخشاب وإشعال النار ليظلوا دافئين، وهو الأمر الذي أدَّى إلى حوادث أودت بحياة 3 أشخاص العام الماضي (2017)، في مُخيَّم موريا.

وقال أمير علي، وهو شابٌ يبلغ من العمر 27 عاماً من هرات، وهي مدينة تقع غرب أفغانستان، عاش في مُخيَّم موريا أكثر من 11 شهراً: "حتى لو كنت بصحة جيدة، في موريا سيحدث لك مشكلة".

وقال: "هذا ليس مكاناً يمكن وضع الناس فيه. لا تستطيع الشرطة السيطرة على المُخيَّم".

وغادر "أمير" مُخيَّم موريا، ووجد وظيفةً كعاملٍ بمنزل ثم كخياط، واستأجر منزلاً في ميتيليني، عاصمة ليسبوس، حيث اختار أن يبقى بعد قبول طلب لجوئه.

ووضعت الدولة لاجئين آخرين في مُخيَّم مُؤقَّت، لم يكن أفضل حالاً، على حافة مُخيَّم موريا، في بستان زيتون.

العراقي القادم من بابل

عاش علي زايد (23 عاماً)، وهو عراقي من مدينة بابل، في المُخيَّم المُؤقَّت أكثر من 5 أشهر. وقال إنَّه غادر العراق؛ للفرار من تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش) بعد أن قتلوا أخاه.

وأظهر "زايد" مكان الاستحمام في الهواء الطلق، وهو عبارة عن خرطوم بمكانٍ مكشوف في برد شتاء إيجه القارس. وكان المكان المكشوف مُغطَّىً بالقمامة، وأكياس البلاستيك، وعلب صابون الجسم المستخدمة.

وقال زايد بلغةٍ إنكليزية فقيرة: "بارد للغاية، بارد للغاية، بارد للغاية!".

من خلال العائلات والشبكات الاجتماعية على الأغلب، لا يزال البعض يتابع الأحداث التي تجري في الوطن. واحتج السوريون مؤخراً على حصار ضاحية الغوطة الشرقية بدمشق في سوريا من قِبل حكومة الرئيس بشار الأسد.

وحتى بعد أن خاض تجربة الحرب، وصف سمير الحابر، وهو مهندسٌ يبلغ من العمر 26 عاماً من العراق، المُخيَّم المُؤقَّت بأنَّه "مكانٌ خطيرٌ للغاية".
وقال إنَّه رأى مقاتلي داعش يعدمون أباه وأخاه، وشهد العديد من عمليات القتل الأخرى في العراق. لكنَّ الحياة بالمُخيَّم لم تفعل سوى أن أضافت إليه المزيد من الصدمات.
وقال: "هذا المكان غير صالح".

وقد بدأ في النوم ومعه أغلى ممتلكاته؛ الهاتف المحمول، والمال، والسجائر، كلها مَحشوَّة في جيوبه؛ حتى يتجنَّب التعرُّض للسرقة في أثناء نومه.

وبدأ الشعور بعدم الأمان المستمر يداعب أعصابه. ويخشى سمير على صحته العقلية وذهب إلى طبيب المُخيَّم. وقدَّم أوراقاً، باللغة اليونانية، تُدرج أعراضه كالتالي: مزاج عصبي، وأفكار متكررة لأحداث مؤلمة، وهلوسات سمعية، وأرق وكوابيس، واضطراب انتباه الذاكرة، وعزلة اجتماعية، وميل إلى الانتحار، ومحاولة انتحار فاشلة.

التشخيص: اضطراب ذهني، غير محدد. اضطراب كرب ما بعد الصدمة.

وهمهم قائلاً بعينَين واسعتَين: "رأيت، رأيت"، على الرغم من أنَّه من غير الواضح ما رآه بالضبط، واستدرك: "ولكن هنا، لا أحصل على أي مساعدةٍ لي".

ومن أجل البقاء على قيد الحياة، حاول البعض اتباع روتين يومي، به بعض الشبه من الحياة الطبيعية، وفق تقرير The New York Times.

خليل وصيد الأسماك

يعيش خليل، الذي يبلغ من العمر 13 عاماً، في كارا تيبي، وهو مُخيَّم آخر للاجئين على جزيرة ليسبوس اليونانية. وخليل في الأصل من أفغانستان، ويركب هو وأصدقاؤه دراجاتهم ويذهبون ليصطادوا على الشاطئ لتمضية الوقت.

ولتسهيل عمليات التنظيم والتواصل، تحاول السلطات أحياناً وضع طالبي اللجوء في مجموعات حسب الجنسية، وفي بعض الأحيان ينجذبون بعضهم نحو بعض على أي حال.

لاجئون يجددون كنيسة

واستخدم الإريتريون والإثيوبيون جزءاً من مخصصاتهم المالية التي يُقدِّمها لهم الاتحاد الأوروبي، 90 يورو شهرياً (نحو 110 دولارات)؛ لتجديد وتزيين كنيسة أرثوذكسية، يعود بناؤها إلى خمسينيات القرن العشرين.

وبما أنَّ الكنيسة على مسافةٍ قريبة من موريا، فإنَّهم يُصلُّون هناك كل يومٍ بعد الظهر، وعلى الرغم من وجود كميات محدودة من الطعام في المُخيَّم، فإنهم يصومون عن اللحوم والألبان؛ استعداداً لعيد الفصح الأرثوذكسي.

وفي حين يمارس البعض الرياضة لتوثيق العلاقات مع آخرين أو للتنفيس عن غضبهم، فقد البعض الآخر الأمل في أن تُقبَل طلبات لجوئهم، ويريدون بشدةٍ الخروج من اليونان.

وماذا عن فرص المغاربة؟

وقال شابٌ جزائري يبلغ من العمر 20 عاماً، وقال إنَّ اسمه أنس ولم يذكر بقية اسمه؛ خشية أن يقع في مشكلةٍ مع السلطات- إنَّه حاول تهريب نفسه من الجزيرة عدة مرات في شاحنات تُحمَّل على متن سفن إلى العاصمة اليونانية أثينا. وفي كل مرة، كان ضباط الجيش يكشفونه.

ويعلم أنس أنَّ فرص قبول طلب لجوئه ضئيلة.

وقال: "نحن الذين نأتي من الجزائر، والمغرب، وتونس، لا يمكننا الدخول!". ولكنه يستمر في المحاولة.

وأضاف: "كل يوم أنا فيه هنا، أحياناً أحاول، وأحياناً لا. من الصعب المغادرة".

في الترتيب الدولي للجوء، لدى السوريين، والعراقيين، وفي بعض الأحيان الأفغان، فرصةٌ أفضل في قبول طلبات لجوئهم؛ لأنَّ بلدانهم في حالة حرب بالفعل. ومع ذلك، لا ينجح الجميع في الحصول على طلب اللجوء؛ مما يؤدي إلى تفرقة الأصدقاء.

والوضع حسب The New York Times أسوأ على الأغلب بالنسبة للنساء في مُخيَّم موريا.

وامرأة حاول زوجها قتلها

شرحت سيدةٌ يبلغ عمرها 30 عاماً من أفغانستان، طلبت عدم نشر اسمها؛ خوفاً من أن يلاحقها زوجها السابق- كيف هربت من أفغانستان منذ عام ونصف العام بعدما حاول زوجها، الذي طال زواجهما مدة 13 عاماً، قتلها.

وقالت إنها بيعت في تركيا إلى أحد المُهرِّبين، والذي حبسها في غرفةٍ مظلمة ولم يُقدِّم لها أي طعام؛ بل وظلَّ يغتصبها مدة أسبوع.

وعندما وصلتْ إلى موريا في النهاية، ازدادت الأمور سوءاً. قالت: "أردت أن أقتل نفسي عندما رأيت الوضع".

في البداية، لم يكن لها مكان بالأقسام المُكتَظَّة التي تفصل بين النساء غير المتزوجات والرجال، فاضطرت إلى النوم في خيمةٍ مشتركة تجمع بين الرجال والنساء.

وذات ليلةٍ، ضلَّت طريقها في الظلام ووجدت نفسها في غابات موريا. وأمسك بها رجلٌ من الخلف واغتصبها.

ذهبت إلى الشرطة، ولكن بعد أن قدمت شكوتها أعادوها مرة أخرى إلى موريا. وأكملت: "أردت أن أقتل نفسي".

مدير مخيم اللاجئين يصف الوضع

 وأقرَّ جيانيس مبالباكاكيس، مدير مُخيَّم موريا الذي تديره الدولة اليونانية ولكن يحصل على تمويلٍ كبير من الاتحاد الأوروبي، بالتحديات التي يواجهها هو وفريقه، وأصرَّ على أنهم يبذلون قصارى جهدهم في ظل الظروف الصعبة، وفق تقرير The New York Times.

قال جيانيس: "نحن نبذل قصارى جهدنا لمساعدة هؤلاء الأشخاص، نحن نهتم للأمر".

أقرَّ قائلاً: "يُعد تكدُّس الأشخاص مشكلة كبيرة تواجهنا، فمُخيَّم موريا هو المكان الأكثر ازدحاماً في العالم، إذا قسَّمت عدد الأشخاص الذين يعيشون هنا على متر مربع".

مع ذلك، من المُتوقَّع أن ترتفع أعداد القادمين مرة أخرى مع ارتفاع درجة الحرارة. مع أن المعالجة البطيئة للحالات تُقلِّل من كثافة السكان بالمُخيَّمات، لكن التدفُّق البسيط للوافدين الجدد يزيدها مجدداً.

توضح القبور الموجودة في الجزيرة، القديمة منها والحديثة، مخاطر عبور البحر. فالقوارب تنقلب وتجنح في المياه. ويجري رجال الإنقاذ دوريات على السواحل الآن.

قال ميلتوس أويكونوميدس، وهو ضابطٌ بالاتحاد الأوروبي: "نحن بحاجةٍ إلى زيادة تدفُّق المهاجرين من اليونان إلى تركيا وتقليل التدفُّق من تركيا إلى اليونان".

منذ يناير/كانون الثاني 2018، أُعيدَ 64 شخصاً  فقط مرة أخرى إلى تركيا. بينما جاء 2698 شخصاً إلى الجزيرة، التي يبلغ عدد سكانها 86 ألف شخص.

ونُقِلَ 2365 آخرون إلى أثينا، في حين ترك 147 شخصاً جزيرة ليسبوس طواعية. يوجد حالياً أكثر من 7800 لاجئ في جميع أنحاء ليسبوس.

قال أويكونوميدس: "بصرف النظر عن الجهود الجارية المبذولة في موريا، فإن الهدف هو تقليل تدفُّق المهاجرين".

لكن، سيظل ذلك صعباً. فالبعض لا يهربون من الحرب فقط، وإنما يبحثون عن الفرصة والحرية.

قال إسحاق هيلو، الذي يبلغ 29 عاماً وينحدر من دولة إريتريا ويقول إن عائلته ماتت بسبب مرض الإيدز: "أنت تفكر في المستقبل".

هل لدينا أمل؟

قال بابتسامة: "نعم، فغداً يومٌ جديد، أليس كذلك؟". 

تحميل المزيد