تُشكل حكومات دول أخرى وترسم سياساتها لتتحكم بتفاصيلها.. كيف استخدمت إيران نموذج حزب الله للسيطرة على سوريا والعراق؟

عربي بوست
تم النشر: 2018/03/30 الساعة 13:27 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2018/03/30 الساعة 13:32 بتوقيت غرينتش
FILE PHOTO: Hezbollah and Syrian flags flutter on a military vehicle in Western Qalamoun, Syria August 28, 2017. REUTERS/Omar Sanadiki/File Photo

تزايد القلق لدى دول في العالم من إمكانية إقدام الولايات المتحدة على عملٍ عسكري ضد إيران، لا سيما بعد اختيار الرئيس دونالد ترامب، جون بولتون لتولِّي منصب مستشاره للأمن القومي، وفي وقت تواصل فيه طهران توسعها في كل من سوريا والعراق من خلال تحكمها بعدد من الميليشيات المحلية التي تساعد إيران في خلق نفوذ لها بالمنطقة.

وكان بولتون قد روج مراراً لتغيير النظام في إيران داعياً إلى قصفها، كما سبق وأن طالب بانتهاج سياسة أميركية أكثر صرامة ضد النزعة التوسعية الإيرانية في الشرق الأوسط.

وقالت صحيفة "The New York Times"، في تقرير نشرته الجمعة 30 مارس/آذار 2018، إن الولايات المتحدة لا يمكنها مواجهة طهران ووكلائها بفعالية، ما لم تُقدِّر دور إيران في عمليات بناء الدول التي دمَّرتها الصراعات في الشرق الأوسط.

وزادت إيران نفوذها في المنطقة منذ اندلاع الحرب في سوريا، وصعود تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش)، إذ حشدت طهران عشرات الآلاف من مقاتلي "حزب الله" والميليشيات الشيعية الأخرى من العراق، وباكستان، وأفغانستان، للقتال إلى جانب قوات نظام بشار الأسد.

واضطلعت تلك الميليشيات بدورٍ حاسم في هزيمة مجموعات المعارضة السورية، كما قاتلت أيضاً ضد داعش في سوريا والعراق، وأحياناً إلى جانب القوات الأميركية.

وأشار تقرير الصحيفة الأميركية إلى أن الميليشيات الشيعية العراقية بدأت القتال في سوريا إلى جانب قوات الأسد في عام 2012.

نفوذ على الأرض في سوريا

وعقب هذا التدخل حققت الميليشيات تقدماً على الأراضي السورية، حيث سيطر "حزب الله" اللبناني على مدينة القصير الاستراتيجية في ريف حمص وانتزعها من قبضة المعارضة عام 2013، كما لعبت الميليشيات الشيعية دوراً محورياً في السيطرة على حلب في ديسمبر/كانون الأول 2016، الأمر الذي عزز من قبضة الأسد في سوريا.

ويقول أستاذ العلوم السياسية بالجامعة الأميركية في بيروت هلال خشان، لوكالة الصحافة الفرنسية: "استطاعت إيران، بفضل حزب الله، العمل على جبهات إقليمية عدة"، معتبراً أن الحزب "كان مفيداً جداً في نشر النفوذ الإيراني" بالمنطقة.

ويعد الحزب، وفق خشان، "الأداة الأكثر أهمية بيد إيران في المنطقة"، فهو من تولى "تدريب قوات الحشد الشعبي الشيعية"، القوة العسكرية الأكثر نفوذاً بالعراق. كما يقدم "الخبرة العسكرية للنظام السوري والقوات الشيعية المحلية الموالية له"، ويضيف أن هنالك عناصر من حزب الله في اليمن حيث تدعم إيران المتمردين الحوثيين الذين يشكلون هدفاً لحملة عسكرية تقودها الرياض.

وعلى مدار العامين السابقين، قاد وكلاء إيران القتال في سوريا لاسترداد مدن كحمص والمناطق المحيطة بدمشق. وباتوا يسيطرون على نقاط تفتيش مهمة استراتيجياً، وفقاً لـ"The New York Times".

وبرز "حزب الله" والميليشيات العراقية، مثل منظمة بدر، وكتائب حزب الله، وعصائب أهل الحق، وحركة النجباء، كأقوى شركاء إيران على الأرض في سوريا، ولدى هذه الميليشيات عقود من الخبرة في ساحات المعركة، وأوكلت إيران إليهم تدريب الميليشيات الشيعية التي حشدتها من أفغانستان وباكستان.

"دولة داخل دولة"

لكنَّ هؤلاء الوكلاء الإيرانيين لا يحضرون فقط لمجرد القتال وخوض المعارك والعودة إلى الديار، فقد كانت الأهمية السياسية لـ"حزب الله" ووضعيته كـ"دولة داخل الدولة" في لبنان هي الاستثناء في السابق، لكنَّها أصبحت الآن نموذجاً يجري استنساخه من جانب المجموعات الميليشياوية الأخرى، واعتبرت الصحيفة الأميركية أن ذلك له "تأثير مدمر".

وأضافت أن طهران درَّبت تلك المجموعات لاستغلال الفوضى وملء الفراغ عن طريق توفير الخدمات والأمن في المناطق ذات الأوضاع شديدة الصعوبة، وساعدتهم قوات الحرس الثوري الإيراني على استيعاب أو السيطرة على المنظمات الإغاثية والجمعيات الخيرية المحلية كوسيلة لاكتساب الشرعية والشعبية. وتأكَّدت إيران من توزيع تلك المساعدات من خلال هؤلاء الوكلاء.

وكما هو الحال في العراق، طرد وكلاء إيران في سوريا السكان غير الشيعة أو الذين لا يدعمون إيران في المناطق التي يسيطرون عليها.

ومنحت السيطرة على المؤسسات في سوريا وكلاء إيران دوراً ورأياً مهماً في عملية شراء العقارات، ما يمكِّنهم من تعزيز وضعياتهم بصورة أكبر، والهدف النهائي هو ترجمة مكاسبهم إلى مقاعد برلمانية، وحقائب وزارية، وسيطرة رسمية على مؤسسات الدولة.

تكرار تجربة حزب الله

وفي العراق تطورت ميليشيات شيعية حتى أصبحت نسخةً من حزب الله، حيث تأسَّست ميليشيا عصائب أهل الحق، التي تحظى بسمعة سيئة بسبب الفظائع الطائفية والهجمات التي شنَّتها على القوات العراقية والغربية من جانب إيران، بعد سقوط صدام حسين، واليوم تدير العصائب نشاطات اجتماعية ودينية واسعة بصورة مستقلة عن الحكومة العراقية، بما في ذلك مراكز طبية وعيادات.

كما يهيمن حلفاء إيران في العراق على قوات الحشد الشعبي، وهي قوة تطوعية تتألف من 100 ألف مقاتل، تأسَّست في 2014 بعد سيطرة "داعش" على الموصل وانهيار الجيش العراقي. ودفع الضغط الإيراني الدولة العراقية التي يهيمن عليها الشيعة إلى إضفاء الشرعية على تلك القوات في 2016، وقدَّمت لها موارد مالية كبيرة وأسلحة ثقيلة.

ويُحرِّك الوكلاء الإيرانيون الشيعة في سوريا الخوف من أنَّ الإطاحة بنظام الأسد ستشكِّل تهديداً وجودياً للمذهب الشيعي، وهو الخوف الذي تُشجِّعه إيران من جانبها، بحسب ما يشير تقرير الصحيفة الأميركية.

وأضافت أن إيران تقيم شبكات اجتماعية ودينية تتمحور حول المذهب الشيعي ودعم الحكم الديني الإيراني. وتُعظِّم إيران صوت وكلائها عبر الدعم التقني واستخدامها المُعقَّد للدعاية، وكل هذه الأشياء مجتمعةً تسمح لطهران بالتحايل على السلطات المحلية والوطنية وفي نهاية المطاف تشكيل الحكومات وتسوية الخلافات، وبالتالي تحديد السياسات.

ويُعد اللواء قاسم سليماني قائد "فيلق القدس" التابع للحرس الثوري الإيراني، أحد أبرز قادة إيران الذي يتمتع ورجاله باستقلالية كبيرة وانخراطٍ واسع في أحداث المنطقة.

ويتولى اللواء سليماني قيادة "فيلق القدس" منذ عام 1998، واستثمر هو ونوابه عقوداً من الزمن والجهد في إنشاء علاقات مع جماعات مسلحة وأحزاب سياسية من كافة الأطياف في أرجاء المنطقة.

وتوقعت صحيفة "The New York Times" أن إيران ستظل كامنةً وتسعى لإعادة الأوضاع إلى طبيعتها وإعادة تشكيل الدول والمجتمعات وفقاً لمصالحها وأيديولوجيتها، وكما فعلت في العراق ولبنان، ستُحوِّل إيران بشكل شبه مؤكَّد وكلاءها في سوريا إلى مكونات تدمجها بالكامل في أي نظام سياسي ينبثق من بقايا النزاع.

وترى الصحيفة أن هؤلاء الحلفاء الإيرانيين سيشكلون مستقبل الدولة السورية والمشهد السياسي في الشرق الأوسط برمته.

وقالت إن الولايات المتحدة يمكن أن تغير مسار الأحداث، إذا ما التزمت بالبقاء في سوريا، وعززت الشراكات طويلة الأمد لضمان عدم ترك مصير سوريا والمنطقة في يد إيران ووكلائها.

قرار مفاجئ من ترامب

لكن ما أشارت إليه الصحيفة، اتخذ ترامب منحى مخالفاً له تماماً، إذا أعلن الرئيس الأميركي أمس الخميس، أنه سيسحب القوات الأميركية من سوريا في وقت قريب جداً، بحسب ما ذكرته وكالة الأنباء الفرنسية.

وفاجأ قرار ترامب كلاً من وزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون)، ووزارة الخارجية، وفقاً لما أوردته ما ذكرته قناة Abc الأميركية، وقالت القناة إن المتحدثة باسم وزارة الخارجية، هيذر نويرت، أجابت على سؤال للصحفيين بخصوص قرار الرئيس الأميركي، قائلة إنه لم يكن لديها علم بأي خطة جديدة لانسحاب القوات الأميركية من سوريا".

وتتعارض رغبة ترامب بالانسحاب من الأزمة السورية، مع ما أعلنه في يناير/كانون الثاني الماضي، وزير الخارجية السابق ريكس تيلرسون، والذي اعتبر آنذاك أن "القوات الأميركية ستبقى في سوريا من أجل منع تنظيم الدولة الإسلامية والقاعدة من العودة، ولحرمان إيران من فرصة تعزيز موقعها في سوريا".

ويخشى مسؤولون في الإدارة الأميركية من أن سحب قوات الولايات المتحدة من سوريا سيفسح المجال أمام إيران لتعزيز نفوذها في سوريا، إذ شكلت القوات الأميركية مراراً عائقاً لدى القوات الإيرانية لتحقيق مزيد من التوسع داخل الأراضي السورية.

تحميل المزيد