عكس الشائع عربياً: التقارب السعودي العراقي لا يقلق إيران كثيراً.. والعبادي مؤهَّل لدور فارق بالمنطقة

عربي بوست
تم النشر: 2018/03/27 الساعة 19:55 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2018/03/28 الساعة 05:34 بتوقيت غرينتش

بعد قطيعة دامت أكثر من رُبع قرن، غيرت السعودية سياستها تجاه بغداد وبدأت تفصل بيت عدائها لإيران وبين موقفها من العراق الذي كان ينظر له تقليدياً من قبل الرياض أنه تابع لطهران في ظل حكم النخبة الشيعية الحالية.

يتحول العراق على ما يبدو من ساحة صراع بين السعودية التي اتهمت عراقياً بدعم الإرهاب، وإيران المتهمة سعودياً بتشجيع الطائفية الشيعية إلى ميدان للتجاور بين القوتين الإقليميتين التي تتنازعان النفوذ في المنطقة.

ولكن الأمر تخطى ذلك، إذ هيأت عوامل عدة الظروف لبغداد كي تضطلع في الآونة الأخيرة بدور حلقة الاتصال الإقليمية لتهدئة التوتُّرات، خصوصاً بين السعودية وإيران، حسبما يقول إلدار ماميدوف الدبلوماسي اللاتفي السابق ورئيس بعثة البرلمان الأوروبي المسؤولة عن العلاقات البرلمانية مع إيران والعراق والجزيرة العربية والمشرق العربي في مقال نشره موقع LobeLog الأميركي.

ويعتزم ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان زيارة العراق، تتويجاً لسنواتٍ من الجهود التي تبذلها الرياض لإعادة الاتصال مع بغداد. ومن شأن هذه الزيارة المقبلة أن تعني اعترافاً سعودياً رمزياً بالنظام السياسي ما بعد صدام حسين، الذي توجد فيه الأحزاب الشيعية في وضعٍ مُهيَّأ للاضطلاع بدورٍ مهيمن في شؤون الدولة، وذلك بحكم ثقلها الديمغرافي الهائل.

وقبل ذلك وقع البلدان مذكّرة تأسيس "مجلس تنسيق مشترك"، هو الأول من نوعه في تاريخ العلاقات بين البلدين، كما أقاما مباراة ودية على الأرض العراقية أطلقت هاشتاق "السعودية العراق قلب واحد"، ضمن مساعي بغداد لرفع الحظر عن ملاعبها.

هل انتهى الرهان على القوى السنية؟

ولَّت الأيام التي كان يحاول السعوديون فيها تمرير مصالحهم عبر القوى السُنّيّة العاجزة والمنزعجة مما تعتبره خسارةً لامتيازاتها وسلطتها.

والآن اختار السعوديون دفع مصالحهم عبر العمل من خلال النظام بدلاً من تقويضه، وهو ما يظهر في تواصلهم المُكثَّف مع حكومة بغداد وعددٍ كبير من القوى الشيعية. وبعكس التصرفات السعودية في قطر ولبنان واليمن، تبدو سياستهم تجاه العراق معقولة وعملية، حسب الدبلوماسي اللاتفي.

بالطبع أحد الدوافع الرئيسية للحملة الودية السعودية تلك -المُعزَّزة بالحوافز المالية- هو فطام العراق عن أي اعتمادٍ على إيران.

وتحدثت بعض وسائل الإعلام الغربية عن أنَّ التواصل السعودي جعل إيران منزعجةً لهذا السبب، مثلما أبدت وسائل إعلام إيرانية انزعاجها من زيارة الزعيم الشيعي مقتدى الصدر للسعودية في صيف 2017 .

لكنَّ الواقع أكثر تعقيداً من هذا، حسبما يرى ماميدوف.

طهران والقومية العراقية: حسابات أكثر تعقيداً مما يبدو

يقول الدبلوماسي الأوروبي: بادئٍ ذي بدء، الإيرانيون واقعيون في توقعاتهم. فهم يُقدِّرون قوة القومية العراقية، ولا يتطلعون لتحويل العراق إلى تابعٍ لهم، على عكس الكثير من التقارير التي يُروَّج لها في الغرب والعالم العربي.

ولكن كل ما تريده إيران هو تأمين وجود حكومة في بغداد ليست معادية لمصالحها الأمنية الحيوية.

وبالنظر إلى التاريخ المضطرب للعلاقات العراقية – الإيرانية، التي تسبق تأسيس الجمهورية الإسلامية والحرب التي أعقبت ذلك بين البلدين، فإنَّ أي حكومة مسؤولة في طهران ستسعى لإقامة علاقاتٍ معقولة مع بغداد.

حدود القوة: لماذا لا يخشى الإيرانيون النفوذ السعودي؟

يدرك الإيرانيون أنَّ نفس السبب الذي يجعلهم غير قادرين على السيطرة على العراق تماماً ينطبق بنفس القدر على منافسيهم السعوديين. فإن لم يكن بمقدور المذهب الشيعي تحويل العراق إلى دمية إيرانية، لن تجعل هُوية العراق العربية منه دميةً سعودية كذلك.

إنَّه بلدٌ معقد للغاية لدرجة يصعب معها تصنيفه بهذه الطريقة. إذ كوَّن العراق هُويةً قومية أثناء فترة وجوده كدولة، أولاً تحت حكم المَلَكية الهاشمية، ثُمَّ تحت حكم حزب البعث، ولو أنَّ ذلك تم بدرجةٍ أقل كثيراً بالمقارنة مع الجارين التاريخيين تركيا وإيران.

وهي قومية متعددة المستويات، تضم أيضاً التراثين الآشوري والبابلي. وتُرحِّب بغداد، وهي مركز فخر للحضارة العربية، بإقامة علاقاتٍ أوثق مع جيرانها العرب الأثرياء بالنفط في الخليج، لكنَّها لن تقوم بدور التابع لهم دبلوماسياً.

الأدوات: هل تجدي الرشوة؟

ولهذه الأسباب، سيكون أي جهدٍ سعودي مبذول لـ"رشوة" العراق للابتعاد عن علاقاته مع إيران محكوماً عليه بالفشل. إذ يعي رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي تماماً أنَّه لا يسعه تحمل استعداء إيران، لأنَّ طهران لديها أصول كبيرة في العراق، ولن تتردد في نشرها لحماية مصالحها.

وسيتضاءل الاستثمار الذي قامت به طهران لتأمين نظام بشار الأسد الصديق في سوريا مقارنةً بما ستكون مستعدةً لفعله من أجل منع العراق من الانزلاق إلى المعسكر الموالي للسعودية. فبعد كل شيء، لدى إيران حدود مع العراق، بعكس سوريا.

لكنَّ الأمر الأهم هو أنَّ العبادي نفسه لا يرى أي وجاهةٍ في استعداء إيران. بل على العكس، يرى أنَّ وجود علاقات جيدة معها مُتطلَّب ضروري من أجل سلام واستقرار وتنمية بلاده.

وأظهر الدعم الحاسم الذي قدَّمته طهران لبغداد للتغلب على تهديدات ما يُسمَّى بتنظيم الدولة الإسلامية (داعش) والحركة الانفصالية الكردية للعراقيين الفوائد الملموسة للتعاون مع إيران، وهو الدعم الذي عبر العراق عن الشكر والامتنان له رسمياً.

نظرة واقعية: كيف يقيم الإيرانيون المبادرة السعودية؟

وبالنظر إلى هذا الواقع، ينظر الإيرانيون إلى مبادرات السعودية تجاه بغداد باعتبارها فرصة لتهدئة التوترات، أكثر من كونها تهديداً لمكانتهم الراسخة في العراق.

في المقابل تربط السعودية تحول سياستها بدور رئيس الوزراء العراقي العبادي الذي تراه أكثر توازناً من سلفه نوري المالكي، وهو توجه حرص العبادي على تأكيده عبر خطوات متعددة منها زيارته للسعودية وتصريحاته الودية تجاه الملك سلمان.

وبدا العبادي في توجهه هذا يسعى لتحويل العراق من ساحة صراع تقليدية إلى قوى محفزة للتهدئة وتقليل الخلافات في المنطقة.

انقلاب في الأدوار: هل العبادي مؤهل ليتحول لصانع سلام؟

يرى ماميدوف أن أحد الأسباب التي تجعل العراق في موقعٍ جيد للاضطلاع بدور صانع سلامٍ إقليمي هو حقيقة أنَّ العبادي واحدٌ من رجال الدولة القلائل في المنطقة الذين لديهم الوسائل اللازمة لحث الولايات المتحدة على ممارسة قدرٍ من ضبط النفس.

فالنهج الأميركي الأكثر عدوانية تجاه إيران، كما ظهر في بيانات الرئيس ترامب ووزير خارجيته المعين حديثاً مايك بومبيو، يهدد بمزيدٍ من زعزعة الاستقرار للمنطقة بأكملها.

وقد يَعلَق العراق بصورةٍ كبيرة وسط المواجهة الأميركية – الإيرانية، إمَّا مباشرةً أو بالوكالة. ومن شأن هذا أن يلغي كافة المكاسب التي حققتها الحكومة العراقية في السنوات الماضية. فضلاً عن أنَّ المزيد من الفوضى والعنف سيتطلبان حضوراً عسكرياً أميركياً في المنطقة لأجلٍ غير مسمى، وبالتالي التراجع عن تعهدات ترامب بتقييد التدخُّل الأميركي أكثر في الشرق الأوسط. ومن شأن استخدام قناة بغداد لتهدئة التوترات أن يساعد على تجنُّب حماقة الدخول في حربٍ شاملة مع إيران لا أحد يرغب فيها. وهذه هي أيضاً الطريقة التي يُنظَر بها إلى دور العراق الإقليمي من جانب الفاعلين الخارجيين الآخرين كالاتحاد الأوروبي، الذي قدَّم استراتيجيته الجديدة الخاصة به تجاه العراق.

في وقتٍ تعاني فيه المنطقة من التنافسات السياسية والطائفية، تمتلك الحكومة العراقية القدرة على التحدث إلى كل الأطراف. وبدلاً من محاولة سحب العراق إلى أيٍّ من المعسكرات المتنافسة، فإنه من الأفضل أن يعزز الفاعلون الإقليميون والخارجيون دور الوساطة المحتمل لبغداد بهدف بدء عملية خفض التصعيد.