نخب صومالية عادت من المهجر لرد الجميل.. ما لا يمكن أن تسمعه سوى في الصومال

عربي بوست
تم النشر: 2018/03/25 الساعة 14:24 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2018/04/16 الساعة 17:40 بتوقيت غرينتش

ابتسم الطبيب محمد حسين عدن، بينما يربِّت بيده على قطعةٍ كبيرة مغلفة من المعدات: "أرسل إلينا السويسريون هذه، لكن للأسف دون كتيب التعليمات، لذا لا نعلم كيف نستخدمها. إنَّها هنا في هذا المكان منذ سنواتٍ عدة. يا للخيبة". يقف عدن في غرفةٍ سقفها متدلٍّ، وطاولة العمليات ملطخة ومنقسمة. يختلف المكان للغاية عن مدينة هارو في شمالي لندن، حيثُ عاش عدن وعمل قبل العودة عام 2012 إلى الصومال، التي هرب منها كلاجئ في 1994.

حسب صحيفة الغارديان البريطانية يدير عدن مشفى غالكايو، المنشأة الطبية الرئيسية التي تخدم سكان ثالث مدن الصومال والمقيمين حولها لمسافةٍ تبعد مئات الأميال في الريف المتضرر من الجفاف.

ترك لندن وذهب لخدمة بلده

يقول عدن (62 عاماً) الذي لديه طموحاتٌ سياسية: "عدتُ عام 2012. شعرنا نحن الصوماليون دائماً أنَّ مساعدة من في الوطن واجب والتزام، والآن نعود للوطن ومعنا المهارات، الهندسة، والبناء، والطب. كثيرٌ من سياسيينا عادوا من الشتات". ويضيف عدن أنَّ 4 من أطفاله الستة عادوا معه، إذ رأوا في السلام الهش بالصومال فرصةً لهم.

يتمتَّع الرئيس الصومالي محمد عبدالله محمد بالجنسيتين الأميركية والصومالية. وفي حكومته وبين وزرائه، تتنافس اللكنة البريطانية مع الأميركية والكندية ولكنات بقية المناطق الأوروبية. وتمتلئ وكالات الإغاثة والمجتمع المدني بالشباب أمثال ساريدو محمد (22 عاماً)، المولودة في كندا لوالدين صوماليين، لكنَّها بدأت تتعلَّم الآن فقط لغتها وثقافتها الأم، وفق الغارديان.

فرصة لرد الجميل

قالت ساريدو: "ترى الكثير من الناس في مثل سني يعودون، إنَّها فرصة جيدة لرد الجميل وأيضاً لتعلُّم ثقافتي". تعمل ساريدو في مركز غالكايو التعليمي للسلام والتنمية، الذي أسَّسته عمتها حواء عدن محمد، وهي الأخرى عائدة من كندا.

تُعَد الأعداد الكبيرة من العائدين من الشتات استثنائيةً بالنسبة لبلدٍ شهد عقوداً من الحرب والفوضى. ففي عام 2015، أرسل مليونا صومالي يعيشون خارج البلاد أموالاً كثيرة للغاية، لدعم أسرهم التي تركوها وراءهم في الوطن، لدرجة أنَّ التحويلات المالية شكَّلت 23% من الناتج المحلي الإجمالي للبلاد.

لكن ظهرت بعض التوتُّرات. إذ طالب الصوماليون المحليون أحياناً بحقوقٍ أكثر من أولئك الذين قضوا عقوداً من حياتهم أو قضوا حياتهم كاملةً في الخارج، في حين اتُّهِم العائدون بافتراض تفوقهم بسبب تعليمهم وخبرتهم. وعُقِدَت ندوةٌ في العاصمة مقديشو في يونيو/حزيران الماضي لمحاولة جسر هذه الفجوات.

وقال عدن: "تتطلَّع هذه الجهود لجمع الأشخاص الذين بقوا والعائدين من الخارج لإعادة بناء الصومال معاً. الشتات له دورٌ كبير، والكثير من الشباب يعودون ولديهم صدمةٌ ثقافية حقيقية. كان ابني (25 عاماً) مصدوماً حقاً حين وصل من لندن، واستغرق منه الأمر 35 يوماً لاستيعاب الوضع، وهو الآن يشرب حليب الإبل".

وأضاف: "أنا نفسي عدتُ بعد 28 عاماً لأنَّ شقيقتي كانت تحتضر. وقلتُ إنَّني سأبقى هناك لثلاثة أشهر. وها أنا الآن بعد 5 سنوات".

ويُوضِّح عدن العمل الجاري على مبنى جديد في مجمع المستشفى، ويقول: "يأتي 80% من التمويل مباشرةً من الشتات، بالأساس من أوروبا وإسكندنافيا والدنمارك. إنَّنا نُغيِّر المدينة حقاً". وتتولى أعمال البناء شركة يمتلكها علي ضيف عبدي (42 عاماً)، الذي عاد حديثاً من النرويج. ولا تزال زوجته نرويجية المولد تتأقلم مع هذه المدينة الترابية التي لا يوجد فيها سوى بضعة مبان يتجاوز عدد طوابقها الواحد، ومبنى واحد فقط يتجاوز الطابقين. قال عبدي: "قريباً سنُغيِّر هذا. إذ يمكنني أن أبني لك منزلاً لأسرة مكوة من 4 أشخاص مقابل 25 ألف دولار… إنَّني أبني منازل هنا لأشخاص من السويد وكندا وبريطانيا".

وأضاف: "عُدتُ لأنَّه بينما كان من السهل إقامة تجارة في أوروبا، كان من الصعب أن تنمو تلك التجارة. بإمكاني التوسُّع هنا، وهذه بلدي. الآن لدي 120 موظفاً. إنَّهم يرحبون بي هنا من أجل الحصول على الوظائف. أنا بالفعل أفتقد الأمن، فمدينة غالكايو هشة للغاية. وأفتقد أيضاً متاجر السوبرماركت والملابس عالية الجودة، لكنَّ التعليم هو نفسه. ولدينا شبكة واي-فاي جيدة، وأطفالي يتنقَّلون بين هنا وأوسلو ذهاباً وإياباً".

علامات:
تحميل المزيد