كنت شاهداً على ضرب الطلاب ولُقنت تعليمات سياسية.. هكذا كانت تجربتي في المدارس البعثية بسوريا

عربي بوست
تم النشر: 2022/11/01 الساعة 11:41 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2022/11/01 الساعة 11:41 بتوقيت غرينتش
صور بشار الاسد بجامعة دمشق-shutterstock

مؤخراً، عادت إليّ ذكريات عديدة من مرحلة الطفولة، دون سابق إنذار، بدأت بتذكر أحداث مضى عليها أكثر من خمسة وعشرين سنة، تفاصيل غيبت عن ذاكرتي، وطفت عليّ فجأة من جديد، وخاصة عندما كنت بين سن الثانية عشرة والخامسة عشرة من العمر، وتحديداً بين أعوام 1994 و1999م.

تجربتي في نهاية المرحلة الابتدائية، وفي السنوات الثلاث للمرحلة الإعدادية كانت مخيفة بكل ما تحمل الكلمة من معنى، فالنظام التعليمي في سوريا الأسد كان بمثابة فيلم رعب مكتمل العناصر! 

بدأت قصتي مع "إرهاب" مدارس البعث في سن الثانية عشرة، حينما كنت في الصف السادس، حين تحولت الأمور في الأشهر الأخيرة لذلك العام من البراءة الساذجة إلى الطفولة المرعبة.

رغم أنني كنت في مدرسة خاصة أو شبه خاصة تسمى "دار السلام"، والتي كانت يديرها عدد من الراهبات، يفترض أنهن من أكثر البشر رحمة ورأفة، ولكن الإدارة البعثية للمدرسة أبت إلا أن تشكل عقدة دائمة للأطفال الذين كانوا يَدرسون هناك، مرهبة الجميع ومرعبة للبعض.

وبعد معارك معتادة بين طلاب الصف السادس، ارتأت المديرة أن "تربّي" الطلاب بضربها صديقاً لي، وتكبح كل من تسول له نفسه الاستهزاء بالنظام التعليمي البعثي.

 فقامت المديرة بإحضار طالبين تشاجرا من الصف السادس إلى المنصة، وعلى مرأى الطلاب من الصف الأول وحتى طلاب البكالوريا، قامت بضرب طالبين من الصف السادس بالمسطرة، ولكي تزيد الرعب وضعت الميكروفون بالقرب يد الطالب المضروب، ليخرج الصوت مدوياً، وسط صمت مطبق ساد بين أكثر من 2000 طالب وطالبة.

ومع كل ضربة مسطرة كانت تنزل على يدي الطالبين بصوتها المدوي في المكبرات الصوتية المنتشرة في أنحاء المدرسة، قلوبنا كانت تهتز، والدمعة التي تنفر من أعين الطالبات والطلاب، وتسيل بصمت على الخدود، البعض بدأ بالارتجاف، والبعض الآخر وجوههم تحولت إلى صفراء، أما الطلاب في المراحل الأولى فمنهم من بدأ بالبكاء!

في ذلك اليوم "ربَّت" المديرة البعثية المدرسة ككل، لتفرض تعاليم الأسد الأب (حافظ الأسد) القاسية على الجميع، ليس على الطلاب فقط، بل على الأهالي أيضاً.

 فرغم تلك الحادثة المدوية لم يحدث على المستوى الإداري أي شيء، فلم يتوافد الأهالي للشكوى، حتى إن صديقي لم يتجرأ على أن يخبر والده بما حدث.

السنوات الثلاث في المرحلة الإعدادية، والتي قضيتها أيضاً في مدرسة خاصة تسمى "الأخوة"، كانت مرحلة إرساء التعاليم البعثية الأسدية، وبعيداً عن غياب التوجيه للطلاب كانت المدرسة أشبه بـ"مشفى للمجانين"، الذين يرددون صباحاً شعارات تملى دون أن يفهموا معناها.

وكان الشعار الأكثر إرساءً لتلك التعاليم، والمرسوم بالخط العريض على الجدران، وأزيل في عام 1999 هو التالي:

عهدنا: "أن نتصدى للإمبريالية والصهيونية والرجعية".

وأن نسحق: "عصابة الإخوان المسلمين العميلة".

التصدي للإمبريالية والصهيونية والرجعية كان عهدنا.. وسحق عصابة الإخوان المسلمين العميلة هو هدفنا.

وبين هذا العهد وذلك الهدف كنت أقف مع زملائي الأطفال صارخين بكلمات أكبر منا لتحفر في ذاكرتنا ووجداننا، دون أن نعرف معناها أو أبعادها.

وفي التوقيت ذاته كان مدرّس ما يسمى التربية العسكرية يتجول بيننا، ليرى من لا يردد الشعارات ليضربه بمسطرته الضخمة، ويطلب من الطالب أن يدير ظهره ليردد تلك التعليمات.

فيما كان الموجه، والمدير، والأساتذة يقفون باستعداد لحين انتهاء المراسم البعثية "العقائدية" في المدرسة الأسدية.

يمكنني كتابة مجلدات عن ممارسات المدرسين، والموجهين، والمديرين في المدارس السورية، وعن التعامل والأساليب، وما ذكرته هنا غيض من فيض ليس إلّا…

تجربتي الصغيرة لا تُشكّل شيئاً مما كان يحدث في المدارس الأخرى، فبحكم وجودي بمدارس خاصة أو أشبه بالخاصة، كانت القيود أقل نسبياً عن تلك في المدارس العامة (الحكومية).

 فهناك كان "الإرهاب" و"الرعب" الحقيقي، وهناك كان الإعداد العقائدي البعثي في حكم الأسد.

أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال مقالاتكم عبر هذا البريد الإلكتروني: [email protected]

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

غيث حمور
كاتب صحفي سوري
خريج كلية الإعلام، وعمل بعدة وسائل إعلامية
تحميل المزيد