أشدُّ على أصابعي وأرتجف من الخوف.. الدقائق الخمس الأخيرة قبل الولادة

عدد القراءات
2,907
عربي بوست
تم النشر: 2020/06/03 الساعة 14:23 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2020/06/03 الساعة 14:23 بتوقيت غرينتش

قبل ثلاثة أعوام غمرني الله بلطفه ورزقني بطفلي المبارك راكان 

أتذكر تلك اللحظات كأنها حصلت معي الآن، أتذكر تلك الثواني التي دخلت بها إلى غرفة العمليات مع كادر الأطباء، كلٌّ بيده مشرط وقد حان موعد الولادة.

صورة الدم والوجع لا تفارقني حتى اللحظة، صراخ بعض السيدات في الخارج، حوار الممرضات وأطباء الولادة والتخدير، لقطات متسارعة غير مفهومة ولا توحي إلا بأنه قد اقترب دوري!

كنت بالكاد أبتلع ريقي من شدة الرهبة والخوف.. أشد على أصابعي وأضع يدي على صدري وأقول: "يارب استودعتك روحي ومن فيها".

مشهد الحيطان الذي كان يلفُّني في الغرفة، لم ينجِّني أحدٌ خلفها.

كنت هناك وحدي، صرخت: "أريد أمي، أريد أبي، أريد حبيبي.. أَدخِلوا عليَّ أحداً ليقول لي إني سأبقى على قيد الحياة بعد هذا العذاب".

استحضرت دمعات أبي ودعاء أمي وهي تمسك بيدي قبل أن أفارقهما، استحضرت حبيبي وهو يقبّلني بحنان وأنا أوصيه بطفلتي همسات والمولود الجديد لو لم أعُد.

حماتي وعمي الغاليان متلهفان لاستقبال حفيدهما.. إخواني وأخواتي وكل من أحب كانوا في انتظار أن أخرج وطفلي بالسلامة,

تلك هي اللحظات التي كنت بها مجرَّدة من كل شيء، إلا من رجائي لينظر إليَّ الله بعين الرحمة.

كلما اشتد الوجع كنت أنسى نفسي تماماً، نسيت كل أحبَّتي.. نسيت إخواني، نسيت أبي، نسيت أمي، نسيت كل أحد على هذا الكوكب، ولم أعد أرى سوى عذاب من الله ورحمة، كيف يتنزلان معاً، لم أكن أدري. 

لم يذكر لساني سوى "يا رب"، أنا ضعيفة بين يديك فارحمني، اللهم قوة من لدنك وصبراً.

انقطع صوتي بسماع صرخة مولودي، كنت ما بين وعي وغيبوبة، حاولت التماسك كي لا يبتعد عني، كنت أبكي مثله تماماً، لعله كان خائفاً.. لعله مرتبك، لعله كان مطمئناً وهادئاً لا يريد الخروج.

لحظة أن قطَعَت الطبيبة حبله السري كأنها قطعت جزءاً من قلبي إلى الأبد، كأنه يستنجد بي!

لكني طريحة الفراش غارقة في دمائي، أحاول أن ألملم ما تبقّى من فتات صبري.

كنت أرتجف من البرد تحت تأثير المخدر، كنت أسمع صوت الطبيبة تقول: "بسرعة انخفض ضغط المريضة"، وكنت كلما سمعت ذلك أتساقط إلى آخر بقعة في نفسي.. لقد خُيّل لي أني أصارع ملك الموت من أجل البقاء وحماية أطفالي من أجل أمي وأبي، من أجل زوجي وكل من أحب،

تفاصيل جميلة كانت هناك أيضاً، لكن لن تسعفني الحروف لكتابة كل شيء. 

لم أخبركم بكل هذه التفاصيل المؤلمة من أجل استعراضها فقط، أردت أن أقول لكم إني عندما دخلت الولادة كنت قبلها بيومين أتأمل فيما يحدث في هذا العالم وأقول: أين الله من هذا الظلم وهذا الدم والموت؟!

فلما كنت في المخاض أراني الله سُؤلي، وعلّمني درساً لن أنساه…

"فقد يحدث أن تتساقط روحك في نوبة موت، من أجل أن يُخرِج الله من رحمك روحاً وحياة".. حياة من الحب والشقاوة والجمال.

أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:[email protected]

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

علامات:
تسنيم مخيمر
باحثة في الإعلام الموجه للطفل
معدة ومقدمة برامج تلفزيونية وباحثة في الإعلام الموجه للطفل
تحميل المزيد