تخرجت في الجامعة هذا العام، ما زلت أذكرُ امتحانات نهاية العام -وكل عام، حيث صادفت امتحاناتي منذ كنت في مرحلة الثانوية العامة رمضان- حيث رمضان والحر الشديد والمذاكرة الشاقة، وتمنياتي برمضان قادم خالٍ من امتحانات ومن مُلهيات ومهام كثيرة.
أذكر أيضاً انتظاري لتلك المرات القليلة التي كنت أذهب فيها إلى صلاة التراويح في المسجد الذي يبعد عن البيت بضع دقائق، حيث تراتيل القرآن بأصواتٍ تجعلني أذوبُ في القرآن ومعانيه حباً وخشوعاً، حزنت كثيراً لعدم قدرتي على المداومة عليها بسبب الامتحانات في ذلك الحين، وكثيراً ما كنت أتخير اليوم المناسب -والذي غالباً ما كان يوم الامتحان نفسه والذي يليه- لأذهب إليها فرحة مشتاقة، كنت أنتظر اليوم الذي لن يمنعني امتحانٌ فيه من الذهاب إليها، حيث ترتوي روحي العطشة المشتاقة.
وها قد أتى ذلك اليوم، وأتى معه ما لم يكن في الحُسبان، أتى معه غيابٌ كامل عن تلك المرات القليلة التي كنت أتوق إليها، بل وعن المساجد بشكل عام! أشعر بأني في أحد الأفلام الأجنبية التي تتحدث عن نهاية العالم أو عن فيروس قاتل منتظرةً إيجاد العلاج في نهاية الفيلم. اليوم تخرجتُ وأنهي عملي نهاراً وأتفرغ ليلاً لكني لا أستطيع الذهاب لصلاة التراويح في المسجد القريب البعيد التي طالما انتظرتها سنوات.
رمضان هذا عجيب، يأتي محمّلاً بالعديد من الدروس على قدر غرابة وصعوبة هذا الوضع الذى أتى فيه، سأحرصُ أن أتعلم منه الكثير، سأحرصُ أن أتذكر دوماً أنه إذا أُغلِقت أبواب المساجد فباب رب المساجد دائماً مفتوح، وأن على المرءِ أن يكون قوياً وحده كما هو قوىٌّ بإخوانه، سأدرك بيقين معنى "رحم اللهُ أبا ذر، يمشي وحده ويموت وحده ويُبعث وحده"، فلا أنتظر من يأخذ بيدي وإلا فلا أقوم، سأحرصُ أن تدفعني نفسي لا الآخرين.
سأتعلم أن القرآن يجب أن يكون في الصدور وليس فقط في أصوات الشيوخ ومآذن المساجد، سيصل القرآن إلى قلبي بمعانيه وليس بأصواته فقط، وسأقدر نعمة إفطاري مع عدد قليل من أفراد أسرتي حامدةً الله على نعمة أننا نستطيع الصيام وأننا ما زلنا نفطر سوياً، سأمتنّ لكل تلك النعم الصغيرة التي اعتدناها وألفناها فنسيناها أو تناسيناها وما زلنا لم نفقدها بعد كرماً من الله علينا.
سأدركُ أن الله قريبٌ، أقرب من المسجد المجاور لبيتنا وأصوات الشيوخ، وأن القرآن هُدى وشفاء ورحمة لكل من قرأه بتدبر وليس من سمع تراتيله في صلاة التراويح فقط، سأُدرك أنه ربما تكون صلاتي منفردةً وجهاد نفسي فيها أعظم وخيرٌ من صلاتي التي أحببتها وذهبت إليها مشتاقة مستمتعة في المسجد، سأشعر بمزيدٍ من الحماس بعد رمضان لما شهدت من نفسي فيه ونهوضي منفردةً فيكونُ حافزاً لما بعده في كل حياتي، سأُدرك أن قليلاً دائماً خيرٌ من كثيرٍ منقطع، سأدرك أنه مهما ازداد الوضع سوءاً فلن يستطيع أحد سلب نفسي مني، يكفيني صُحبتها، وأنه مهما أغلقت المساجد وحتى البيوت على أهلها، فاللهُ دوماً قريبٌ مُجيبٌ، حىٌّ لا يموت، سأحرصُ على أن يكون رمضان هذا هو رمضان الذي أنتظره منذ سنواتٍ عديدة.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:[email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.