رغم الألم والمُرّ.. لماذا نتمسك بالحياة؟ أحدثكم من إسطنبول (2)

عدد القراءات
789
عربي بوست
تم النشر: 2020/05/06 الساعة 11:00 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2020/05/06 الساعة 11:00 بتوقيت غرينتش

وصلت إلى مرحلة لا ترغب فيها بالحياة، تفكر في مخرج، هل تنتحر؟ أم تذهب بعيداً حيث لا يوجد بشر؟ أتغلق هاتفك؟ أتترك عملك وتبقى في منزلك مغلقاً على نفسك؟

تفكر في الانتحار والهروب من الحياة الصعبة والألم، من الفقد والخوف والجزع، ما الطريقة الأنسب للانتحار؟ لماذا سوف تنتحر؟ هل يستحق هذا الشيء أن ترغب في الانتحار من أجله؟

وإذا حاولت الانتحار ولم تمت؟ كيف ستكون حياتك بعدها؟ هل هناك ما يستحق أن تنهي حياتك من أجله وتستسلم تاركاً خلفك كل شيء؟

الآن، تجلس وتفكر، قائلاً في نفسك: سوف أنهي حياتي، جميع الأسباب تدعوني لذلك، واجهت الكثير من الآلام، أنا متعب، قلبي مرهق، أبكي في الليل والنهار، لا أنام، وإذا نمت أرى الكثير من الكوابيس.

وتتساءل: لماذا أنا مرهق بهذا الشكل؟ ما الذي حدث لي؟

بدأت برفض جميع أصدقائك والابتعاد عن كل شيء، لم تعد تتذوق طعم أي متعة، حتى الأشياء التي تحبها لا ترغب بها.

تضع نفسك في سريرك، تغلق عينيك، لا تنام، تغطي وجهك في بطانيتك، محاولاً الهروب، إلا أنك تهرب إلى داخلك وتسحب نفسك إلى القاع.

هاتفك بجانبك يرنّ، مَن يتصل؟ أحد أفراد عائلتك، أحد من أصدقائك، أو حتى من عملك، لا تفتح الخط. ليس لديك أي رغبة في الحديث.

تأكل، تشرب، تنام، تعود مجدداً في التفكير، قد يكون تفكيراً بشكل يائس أو بألم، أو حتى بلا شيء.

بين فيسبوك وإنستغرام.. هل هذه الحياة حقيقية؟

تتناول هاتفك تقلّب بين صفحة وأخرى، فيسبوك، إنستغرام، ترى العديد من الصور والوجوه الضاحكة، والحياة المثالية والسعيدة.

تغلق هاتفك وتفكر، هل أنا التعيس الوحيد في هذا العالم؟ هل حياة الناس حقيقية؟ من أين يأتون بكل هذا المال؟ كيف يذهبون إلى كل هذه الأماكن ويشترون كل يوم شيئاً جديداً؟ لماذا لا يوجد معي مال مثلهم؟

لماذا لا أخرج مثلهم، ولا أسافر، ولا أتنقل؟ هل هناك خلل بي أم أن الحظ حالفهم؟ تعود إلى دائرة المقارنة واللوم والألم وجلد النفس، وترغب في إنهاء حياتك من جديد.

يرن هاتفك مرة أخرى، شخص آخر من الذين يرغبون في الاطمئنان عليك، تفتح الهاتف وتجيب: ألو، نعم ما زلت على قيد الحياة، كل شيء على ما يرام، ولكني مشغول قليلاً.

تغلق هاتفك وتعود إلى قوقعتك مجدداً، الشخص الذي اتصل بك يشعر بأنك لست بخير ويعلم جيداً أنك تخفي شيئاً عنه، من صوتك، من أسلوبك في الحديث وعدم ردك وتفاعلك معه.

يعاود الاتصال مجدداً، لا تجيب، في يوم آخر يتصل، ويبقى يحاول معك مراراً وتكراراً لأن يمضي الوقت معك عبر الهاتف.

أنت لا تتفاعل معه، تفتح الخط وتتكلم كلمات معدودة، يحاول أن يراك لكنك لا تقبل، ويبقى يتصل بك على مر الأيام حتى يستطيع أن يخرجك من قوقعتك، ويحكي معك حكايا عن الحياة والناس ويذكرك بنفسك، من أنت وقدر الأشياء في داخلك.

يذكّرك بحبه لك، بحب الناس ورغبتهم في لقائك واشتياقهم لك، تتمنى حينها أن تراه، ولكنك لا زلت لم تخرج من حالتك النفسية، يرغمك على لقائه، وتراه، تخرج معه تتجول تتكلم ترى الحياة بزاوية أخرى.

هل تستحق مشاكلي الانتحار؟

تعود إلى قوقعتك عقب أخذ نَفَس جديد، تفكّر، هل كانت مشاكلي تستحق الانتحار؟

يعاود شخص آخر الاتصال بك، ويحاول أن يفتح الكثير من الأحاديث معك، يشتّت تفكيرك، ويجعلك تتفاعل معه رغماً عنك أيضاً.

تغلق الهاتف وتفكر، هل أستطيع أن أدير ظهري لأحبابي وأذهب؟ الأشخاص الذين يبتسمون حين يتكلمون معي، ويسعون بكل جهدهم لأن أكون بخير، ويحاولون بحب أن يساعدوني، هل أتركهم؟

في بعض الأحيان يكون الاهتمام الزائد من قبل الأشخاص ضغطاً كبيراً عليك، إلا أنه مع مرور الوقت، يؤكد لك أن هناك مَن يستحق أن تبقى لأجله، هناك من يشعر بك، من يحب رؤيتك، من يفتقد وجودك، من يستحق أن تكون معه.

الحب يا سادة..

قبل أن تنتحر، أو تتقوقع على نفسك، أو حتى تبتعد وتأخذ موقفاً من الحياة فكر في أحبابك، وحتى إن كنت متقوقعاً الآن ولا ترغب في أحد، فكر في أكثر شخص يحبك واتصل به، حتى لو لم تكن أنت تحبه.

الشخص الذي يحبك سيكون قادراً على مساعدتك في شفاء جروحك، ومداراة آلامك، سيهبك نفسه لتكون بخير، لن ينام حتى يتأكد أنك بخير.

مررت في حياتي بالكثير من المواقف الصعبة، كدت أن أنتحر، إلا أني تمسكت بالحياة بسبب كثير من الأشخاص الصادقين الذين كانوا معي خطوة بخطوة.

لم يصدروا أحكاماً عليّ، لم يلوموني، لم يقولون لي الدين والصلاة والصوم، ولم يحاولوا ترهيبي وتخويفي من النار وجهنم وبئس المصير، ولم يقولوا لي ستنهي حياتك بلا معنى، هل تعرف ماذا فعلوا؟ فقط أشعروا بحبهم لي وتقبلهم لشخصي كما أنا.

لم يكونوا قضاة، لم يتعاملوا كأنهم أعلى مني، أو أفهم مني، ولم يظهروا شفقتهم، أظهروا حبهم. أمسكوا يدي، وسرنا معاً، حتى شفيت.

الحب يا سادة، لا الترهيب، القرب والتفاهم والإنسانية، الرحمة والإخلاص والصدق. لا الحكم والمقاضاة.

كن إنساناً فقط

أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:[email protected]

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

هناء الكحلوت
صحافية مقيمة في إسطنبول
تحميل المزيد