في أحد الأيام كنت جالساً مع واحد من أصدقائي المتزوجين، سألني حينها ألم تنو بعد أن تتخذ قرار الزواج والارتباط؟
أجبته وقتها بسؤال "هل أنت سعيد في زواجك؟"
صمت لدقيقة، وابتسمت ملامح وجهه، وكنت أتوقع أني سأسمع منه إجابة كالتي أسمعها من باقي أصدقائي المتزوجين وما يقولونه عن الزواج، وأنهم يشعرون بالملل وحياتهم كلها نكد ومشاكل مع زوجاتهم، والبعض قالوا لي أنهم تأكدوا من أنهم تسرعوا في أخذ هذا القرار وأنهم خسروا حريتهم بالكامل، وكلام آخر كثير عن الزواج وسلبياته تؤكد أنهم غير سعيدين في حياتهم، لكن صديقي هذا أبهرني بإجابته!
بدأ كلامه بأنه فعلاً مُرهق، وأحياناً كثيرة يشعر بالضغط الشديد، لكن عندما بدأت ملامح وجهه تبتسم، انعكس كلامه 180 درجة.
ظل يحكي لي عن المشادات التي لا تنتهي مع زوجته، وأن آخر كل يوم تحاول هي أن تُنكد عليه أو تختلق مشكلة أو سبباً للزعل.
في البداية كنت أرجع من العمل مشحوناً ومضغوطاً ومنتظراً كلمة واحدة منها لا تعجبني حتى أتشاجر معها، في كل مرة كان ينتهي الشجار ببكائها من عصبيتي وغضبي عليها ورد فعلي الأصعب والأكثر شراسة بسبب فعلها.
لكني في كل مرة كنت أُشفق عليها وكان ضميري يؤلمني لما فعلته بها، لكني لم أكن أصالحها بسبب الضغوط التي أعيشها طوال اليوم.
لكن مع الوقت وبالتدريج بدأت أغير من ردود أفعالي في كل مشكلة وخناقة تحصل بيننا، ففي أثناء غضبها وانفعالها أخبرها أنها تبدو جميلة بالملابس التي ترتديها، فتصمت ويتلون وجهها بألوان الخجل ويبتسم وجهها ووترتبك، فنجد أنفسنا نضحك سوياً وأجد نفسي فجأة بين أحضانها.
ذات مرة كانت تُحدثني في الهاتف بانفعال لأني تركتها تذهب بمفردها لبيت أهلها، وكنا قد اتفقنا أن نذهب سوياً، وفي منتصف هذا الانفعال والشد والجذب في الكلام بيننا، طلبت منها أن تردي شيئاً مميزاً حتى نذهب للعشاء سوياً ونشاهد فيلماً بالسينما كما كنا نفعل أيام الخطوبة، فأجدها تصمت وصوتها فرح للغاية كالطفلة الصغيرة التي لم يخدعها والدها وقال لها ارتدي ملابسك حتى ننزل سوياً، ووجدته فعلاً في انتظارها.
مع مرور الوقت، وجدتها تغيرت معي تماماً ومشاكلنا ومشاداتنا اليومية بدأت تقل حتى غضبها مني بات شيئاً نادراً، وإن خاصمتني يوماً، فالأمر ما هو إلا أسلوب لتذكيري بما كنت أفعله معها حين غضبها قبل ذلك.
قال لي أنه يتذكر جيداً يوم ترك وظيفته، ورجع إلى البيت غاضباً منفعلاً للغاية ويشعر أن الدنيا قد أغلقت أبوابها في وجهه، ومن انفعاله أغلق الباب على إصبعه فوقع على الأرض يصرخ ويبكي من الألم الذي كان أقوى مما حدث له في هذا اليوم وتركه لوظيفته.
قال لي وجدتها فجأة تنزل على الأرض وتقوم بضمي في حضنها في سكوت دون أن تسألني أي سؤال عن الذي جرى معي.
حلف لي: والله العظيم وقتها لم أشعر بأي وجع ونسيت أصلاً أني قد فقدت وظيفتي وأن اليوم لم يكن يومي، كنت أشعر بها فقط بحضنها الذي الذي جمع كل شتاتي وآلامي بين ذراعيها.
قال لي: شعرت بدفء حولي حوّل البركان إلى رماد. ثم نمت وغفوت بين ذراعيها كالطفل الذي نام فجأة من كثرة اللعب والقفز والجري مع رفاقه، وارتاح جسده وغفت عيناه.
كان يحكي لي هذا الكلام وهو مبتسم، راض حتى بالضغط الذي زاد عليه ويمر به أغلب الأوقات، لكنه ختم كلامه بجملة رائعة لن أنساها "أنا لو كل يوم بتعب 23 ساعة، يكفيني إني بلاقي معاها راحة الدنيا ساعة واحده فاليوم".
لم أتمكن من الرد عليه، كانت أتمنى أن أقول له إني نويت الزواج الآن من جمال حكايته وكلامه، وإن رده على سؤالي "هل أنت سعيد في زواجك؟" كاف بأن يجعل أي إنسان لا يفكر في الزواج، أن يقوم بفعله الآن.
كلامه ورده كان بهما رسالتان مهمتان للغاية:
الأولى: إن النساء مهما كن مختلفات، فهن فتيات صغيرات، وأطفال تُقنعهم وتأسرهم بكلمة جميلة طيبة، ومن السهل جداً لك أن تكسبهن فقط لو أنت ذكي وتعرف جيداً متى يجب أن تشد ومتى يجب أن ترخي.
الثانية: إن الزواج لم يكن بهذه الطريقة، وإن لم يكن هو المكان الذي ستستطيع أن تعيش فيه مع الشخص الذي يسندك ويهون عليك مصاعب الحياة ويشاركك تفاصيلها حتى تتمكن من الاستمرار فيها بكل ما فيها من بشاعة وقبح، إذا لم يكن الزواج بهذا الشكل، فعدمه أفضل، وعزوبيتك كذلك أفضل، عمرك واحد فقط، فيجب أن يكون اختيارك بإرادتك أنت وليس باختيار غيرك، لا تتبع أبداً عادات وتقاليد الناس لأنك قد كبرت في السن أو جاوزت الثلاثين أو أن من حولك يريدون أن يفرحوا بك، وتكمل أنت حياتك تدفع ثمن اختيارهم.
رزقنا الله بالشريك، الذي تعبُ الدنيا كله يهون ويُنسى في حضنه وضمته ونظرة من عينيه.
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.