مَن أنا؟
سؤال يجول بخاطري في بعض الأوقات حين تتوه منّى نفسي بين ضغوط الحياة ولا أجدها فأسأل نفسي مَن أنا ومن أصبحت وإلى أين يأخذني ذلك الطريق؟ هل أنا زوجة وسكن وأمان لزوجي؟ أم أنا أُم ومسؤولة عن أطفال؟ أم أنني خادمة مسؤولة عن نظافة المنزل؟ أم أنني امرأة ذات ثقافة عالية وذكاء وكيان خاص؟ كيف أوازن بين عبادتي لربي وعلاقتي مع زوجي ومراعاتي لطفلتي ونظافة منزلي واهتماماتي الخاصة وعلمي وتنمية شخصيتي؟
يا الله أنا سوبر امرأة هكذا كل ذلك مطلوب منّي؟ لكم أشعر بالفخر أنني امرأة وأن الله خلقني بكل تلك المهارات والقدرات أحب أن يشعر زوجي بالراحة معي، وأنني أمان وسكن له، وأحب أن أكون أماً رائعة وطفلة في بعض الأحيان مع طفلتي، وأحب أن أكون سيدة مثقفة ذات فكر وعمل واستقلال، وأحب أن يكون بيتي نظيفاً ومنظماً، ولكن أكره أن أكون كالخادمة في بيتي التي لا همّ لها سوى التنظيف فقط، وحياتي بها أمور أهم كثيراً من لعب دور الخادمة في بيتي.
ربي له حق عليّ فلا بد أن أشكره وأعبده حق عبادته – لو عبدته الدهر كله فلن أوفي حقه تبارك وتعالى- عقلي له حق عليّ فلا بد أن أحترمه وزوجي له حق عليّ أن أهتم بنفسي وأشاركه أفكاره وأقضي بعض الوقت معه وطفلي له حق عليّ، ولا أقصد أكله وشربه وملبسه بل أقصد التواصل والوقت الذي نقضيه سوياً، وروحي لها حق عليّ فلا بد من وقتي الخاص الذي يجعلني أستطيع الاستمرار في أعباء الحياة، وبيتي له حق عليّ فلا بد أن يكون منظماً ونظيفاً وصحياً.
ولكن.. لن أستطيع أن أفعل كل ذلك كما يتوجب، ولن أستطيع أن أترك أشياء وأهتم بأشياء فأشعر بالذنب تجاه ما تركته، أرفض تماماً فكرة أن منزلي لا بد أن يكون دائماً في أبهى صورة؛ لأنه من الممكن أن يزورنا شخص ما فجأة، فأنا لا أحب الزيارات المفاجئة – من غير المقربين لي بالتأكيد – أو أنني بهذه الطريقة لست زوجة جيدة؛ لأن منزلي أحياناً لا يلمع من النظافة أو أن أشتري شيئاً في المنزل فقط لمجرد أن يراه الناس تماماً مثل فكرة (النيش) التي أعتبرها تفاهة كبيرة جداً، وإسرافاً في غير موضعه، فهو مجرد معرض للزائرين، ومنزلي ليس معرضاً لأحد، فمنزلي ملك لي وهو مكاني الذي أستريح فيه، وأنا ملكة متوجة بداخله، وابنتي تصول وتجول به كما تشاء وفي أي وقت، وترتدي ما يريحها لا ما يجب أن يراها الناس به، أهم ما يهمني في منزلي هو النظام والنظافة المعقولة لا لدرجة الهوس أو المرض، وليست لديّ تلك الوسوسات من النظافة، ولست من النوع الذي يستيقظ ليمسك أدوات النظافة ويهلك طاقته في المنزل، فأنا أحاول أن أوازن بين جميع الأمور، وأرفض أن يضعني أحد في قالب واحد فالبيت لن يظل نظيفاً دائماً مهما هلكت فيه طاقتك يومياً، وأمور المطبخ وتحضير الطعام لن تنتهي، ولن يذهب إلى مكان آخر فأحياناً أترك طفلتي تلعب كما تشاء وكأنها خرجت من بركة طين للتو.
في النهاية سيتكفل بالأمر؛ اغتسال وملابس نظيفة وكأن شيئاً لم يكن لا تهمني الآراء ولا تهمني الانتقادات، فما دمت سعيدة في منزلي، وأشعر بالراحة داخل جدارنه أنا وزوجي وابنتي فلست أبالي برأي أي شخص يعيش خارج باب منزلي.
لقد خلقنا الله نحن النساء بمهارات عديدة، وأودع فينا قوةً وصبراً يفوق أعتى الرجال، فلو أنّك فكرت قليلاً لأدركت أن زوجك لا يستطيع أن يقوم بدورك أبداً، فالله لم يعطه كل تلك القدرات.
افتخري بنفسك ووازني بين أمورك، ولا تحمّلي نفسك ما لا تطيقين، انشري السعادة داخلك وفي أرجاء منزلك، ولا يهمك المنتقدون ومن لن يصمتوا أبداً مهما فعلت.
أقولها لك ولنفسي: يا عزيزتي نحن مصدر سعادة أنفسنا وبيتنا.. وإن لم نجلب تلك السعادة لأنفسنا فلن يجلبها أحد لنا، فلتذهب كل الأقاويل وكل الانتقادات إلى الجحيم مادمتِ تطيعين ربك وتحفظين بيتك وزوجك، وترعَين الله في نفسك وأهلك وولدك، فعيشي سعيدة؛ لأنك تستحقين السعادة، ارمي كل ذلك خلف ظهرك، واجلسي مع نفسك جلسة مصالحة، وصالحيها فهي تستحق.
لا تكوني فقط خادمة وتهملين نفسك، ولا يشغلك من قال، وماذا قال، ولا تكوني أُماً فقط لا تهتم بشيء سوى طفلها، ولا تكوني زوجة كل ما يشغلها هو زوجها وتهمل باقي أمور حياتها، اقطفي من كل بستان زهرة، ابدئي من جديد املئي صدرك بالأمل والتفاؤل، واضحكي واسخري ممن ينتقدك، فهو لا يمتلك قدراتك.
ارفضي كل الجمل السلبية التي تسمعينها وامتصي فقط الطاقة الإيجابية، وإن لم تجديها فاخلقيها لنفسك.
أنت امرأة تتحمل الكثير وتستحق التقدير والاحترام والسعادة، لن تستطيعي أن تفعلي كل شيء كما ينبعي فلا تحملي نفسك ما لا تطيقين، اشعري بالرضا لترضي، ووازني بين أمورك.. فما لا يُدرَك كله لا يُترَك كله، واستعيني بالله، فالله خير معين.
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.