قبل أيام سمعت حواراً دار بين امرأتين، فسألت إحداهما الأخرى عن صديقة لهما؛ فأجابتها الثانية أنها لم تعد تراها مثل السابق فكل مرحلة ولها ناسها، أعجبتني مقولتها جداً، "كل مرحلة ولها ناسها".
كنت قبل سنوات قد كتبت خاطرة عن أشخاص نتعرف إليهم ونقترب منهم كثيراً ولكن لا نستطيع الاحتفاظ بهم طويلاً، بالرغم من أنهم قد يقفون إلى جانبنا ويقدمون لنا الدعم والعون والسند، ومع الأيام نبتعد وننسى ونصبح كالأغراب كأن لم يكن بيننا مودة وعشرة، وبالكاد إذا لمحناهم نلقي السلام وقد نتجاهله، فكل شخص له ظروفه وله حياته وتجاربه، سئلت يومها عن سبب تبدل المودة إلى جفاء وابتعاد فلم أستطع تلخيص الإجابة كما لخصتها هذه المرأة: "كل مرحلة وإلها ناسها".
تكمن معضلة كل مرحلة وإلها ناسها في التعلق، التعلق هو أساس كل ألم نفسي، فبعض الأشخاص لا يوجد عندهم النضج الكافي لاستيعاب الابتعاد، وتقدير ظروف الشخص المقابل، لذلك قبل تقديمك الدعم أو عند الارتباط بشخص من خلال علاقة ما عليك الحذر والتمهل، ومعرفة أو تقدير مدى نضج ووعي الطرف المقابل، وهنا أعني العلاقات بشكل عام ولا تقتصر على شكل معين من أشكال العلاقات.
في بداية عملي كان يتردد شاب صغير على الصيدلية، وعندما كان يشتري الدواء كان يتحدث عن أمه المريضة وأستمع وأدعو لأمه، ثم تركت عملي في ذلك المكان، بعد فترة اتصلت بي زميلتي تخبرني بأنه ترك لي رسالة، وعندما قرأتها تفاجأت من أن استماعي له ودعائي لأمه ترك فيه ذلك الأثر الكبير، لم أكن أتوقع أن هذا هو العون والمساعدة التي كانت تعني له الكثير، من المؤسف حقاً أنه حينها كتب الرسالة للشخص الخطأ وأعتقد أنه في كل كلمة كان يكتبها كان يعني أمه المريضة ولست أنا ولكن اختلط عنده الحابل بالنابل لعدم نضجه ووعيه.
الناس الذين نصادفهم لا بل كل الناس الذين نصادفهم في حياتنا مراحل وتنتهي، تصبح ذكرى ملخصها "كل مرحلة وإلها ناسها"، بعض الناس تفتر العلاقة وتنتهي وبعضها تفتر وتبقى سؤالات بين الحين والآخر، ولو حاولنا الاحتفاظ بشخص ما خارج إطار المرحلة يصبح مشوهاً غليظاً ربما تكون نهايته سيئة لأننا احتفظنا به لفترة أطول من فترته التي هو صح يكون فيها، وأخذناه لفترة من الخطأ وجوده فيها.
من وجهة نظري أن مقولة كل مرحلة وإلها ناسها تشبه إلى حد كبير مقولة لكل زمان دولة ورجال، وبما أنني لا أستطيع كتابة شيء دون إلقاء السلام على غزة وشعبها الأصيل، سأقول أن هذا زمان ناس غزة وأهلها، ولكن المفارقة أنه ليس زماننا ففي الوقت الذي يذبح لنا إخوة على بعد كيلومترات نقيم احتفالات ومهرجانات وكأننا نرقص فرحاً على أوجاع إخوة لنا، المؤسف حقاً أن يذهب أحد إلى هذه الاحتفالات ويتراقص ويتغنى، تناقض لا يجتمع في إنسان واحد طبيعي، وما يؤسف أيضاً عندما يختتم إعلان حفل آخر في إحدى الجامعات بأن ريعه سيذهب إلى غزة!
ما هذه الازدواجية هل غزة بحاجة إلى أموال فرحكم على حساب وجعها، عندما يقام مهرجان جرش فلن يكون عتبي على حكومتنا التي سمحت متجاهلة ما يحدث في غزة بإقامة الأفراح وإخوة لنا يسيل دمهم أنهاراً، ولكن عتبي على من سيذهب أي قلب وأي روح يحمل؟ هل أصبحت ساحات حروبنا مهرجانات ورقصاً وأغاني ونكفر عن ذلك بأننا سنتبرع بريع ذلك لغزة، خذوا أموالكم واشبعوا بها فغزة التي تعاني حرب إبادة ليست بحاجة لأموالكم التي ترقص على وجعها، إلى الآن أتمنى صدور قرار يلغي مهرجان جرش لهذا العام، وأن تترجم الهاشتاجات المقاطعة لمهرجان جرش إلى مقاطعة فعلية على أرض الواقع، هذه المرحلة هي مرحلة دعم المقاومة ومرحلة السماع لصوت أبو عبيدة الذي يأتي كالصقر المحلق عالياً يوقظ فينا الأمل والتفاؤل، إنه زمان رجال غزة وأبنائها، وهم أناس مرحلة في حياة الأمة بإذن الله تكون مرحلة بداية الصحوة واليقظة والقوة للأمة العربية والإسلامية.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:[email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.