من “بوابة اللاعودة” فرنسا تحمل حقائبها وتغادر.. فمتى تخرج “السفارة” من العمارة؟ 

تم النشر: 2024/04/16 الساعة 08:25 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2024/04/16 الساعة 08:25 بتوقيت غرينتش
رئيس السنغال الجديد باسيرو ديوماي فاي / رويترز

تصل فرنسا من الجزائر ومالي والنيجر وبوركينافاسو وموريتانيا، إلى محطتها الأخيرة في السنغال، بعد نتائج الانتخابات الرئاسية، التي سقطت فيها ورقة جديدة في معقلها العاصمة داكار، "باريس الصغيرة"، وهي تحمل حقائبها لتغادر عبر "باب اللاعودة" في جزيرة "غوري"، الذي كانت تخرج منه العبيد لِتُقِلَّهم السفن إلى سواحل أمريكا وأوروبا.

وعبر ثلاث مدن رئيسية، شكلت الهوية السنغالية، سيكون حديثنا عن تداعيات الانتخابات.

 داكار: Dakar 

 وهي العاصمة الجميلة أو "باريس أفريقيا" "Paris de l'afrique" كما يحلو لبعض السنغاليين أن يسميها، التي تشهد فيه مظاهر الثقافة الفرنسية، فربما اُرِيدَ بعد قرنين من الاحتلال، أن تكون مركز إشعاع للثقافة الفرنسية في مستعمراتها القديمة في غرب أفريقيا، كما أريد لـ"باريس" أن تكون مركز إشعاع لثقافة باريس في أوروبا بعد الثورة الفرنسية.

وأنت تتجول في شوارع داكار، يلفت انتباهك أصحاب القامات الطويلة والأجسام القوية، التي تُذكِّرك بالحقبة التاريخية، حيث كان الأوروبيون يجمعون العبيد أصحاب البنية القوية، من كامل القارة، لينقلوهم عبر جزيرة "غوري"، التي تبعد بمسافة ربع ساعة في العبّارة عن مدينة داكار، وستة أيام فقط عن أمريكا الجنوبية، وشهر عن السواحل الأوروبية، حين كانت تجارة العبيد هي الرائجة والمربحة.

 وفي جزيرة "غوري" يوجد ما يسمى بـ"دار العبيد"، التي تشهد على إحدى المآسي الإنسانية الكبرى في تاريخ البشرية، فما زالت "غرف التعذيب والتسمين"، حيث يتم تكديس العبيد في الزنازين الضيقة لعدة أشهر، قبل نقلهم مكبّلين بالأغلال الثقيلة، من خلال ما يُسمى "باب اللاعودة". وعبر ممر طويل يقطع المرحلون مسافة 300 متر للوصول إلى الباخرة مكبلين بالأغلال. 

لكن فرنسا لم تتخلَّ إلى اليوم عن فكر الهيمنة والاستغلال، لم يَفتْها أن تُحوِّل هذه المحمية الثقافية، إلى مركز إشعاع فكري، وتكوين سياسي للقادة الجدد لمستعمراتها القديمة.

 فقد أنشأت ما يسمى بـ"مدرسة القادة"، التي تخرّج منها أربعة رؤساء دول أفريقية.

 وبَنَتْ مدرسة "مريم" التي درَّبت أجيالاً من النساء الأفريقيات، على الثقافة الفرنسية.

وجعلت من جزيرة غوري محمية ومتحفاً يزوره كبار الزعماء.

 تيس: Thiès

أما "مريم" في مدينة "تيس"، التي تبعد 70 كلم عن داكار، فما زالت تعتز بزيها الأصيل "إبادوا" "ibadou"، وبثقافتها العربية والإسلامية، التي ورثتها عن جدها العالم والفقيه "عبد الله بن ياسين الجزولي" مؤسس دولة المرابطين، الذي يرجع نسبه إلى قبيلة "جدالة" الأمازيغية القريبة من السنغال، التي حكمت بلاد المرابطين من الجزائر السنغال.

 وكلمة "إبادو" يطلقها أهالي مدينة "تيس" على حجاب المرأة، نسبة للاسم الأول لجمعية "عباد الرحمان" "ibadou erahmane" التي تأسست منذ أكثر من 50 سنة في "تيس" ثالث مدينة في السنغال، واشتهرت بنشر الفكر المعتدل والثقافة الإسلامية، وحافظت على الأعراف والتقاليد التي ورثتها من الثقافة العربية والاسلامية قبل قرون، ومازال النقاش إلى اليوم، من دخل السنغال أولاً العربية أم الإسلام؟

طوبى: Touba 

أما مدينة "طوبى" فهي المدينة الثانية التي تبعد بـ200كلم شرق داكار، وبها أكبر تجمع للصوفية، ويزور مسجدها الكبير نحو أربع ملايين زائر كل عام، ويرفضون استقبال السفير الصهيوني، رغم إلحاحه المستمر على الزيارة، وهي التي حافظت على العربية والإسلام في غرب أفريقيا، على غرار الحركات الصوفية في أفريقيا وبلاد العجم في العالم، ومنها الطريقة التيجانية، التي أسسها أحمد التيجاني المولود بعين ماضي "الأغوط" بالجزائر عام 1837م، ويترأسها الخليفة العام للطريقة التيجانية الشيخ "سيدي علي بلعرابي"، وقد كان للصوفية دور كبير في مواجهة الاحتلال.

"دوماي فاي" Diomaye Faye يفوز بمركز الرئاسة

أما مناسبة هذا المقال، فهو الاحتفاء بالاستقلال الثاني للسنغال، والهزيمة الجديدة لفرنسا أمام تيار التحرر الذي يجتاح أفريقيا، للتخلص من بقايا الاحتلال الفرنسي. حيث تمكن الشاب "دوماي فاي" من الفوز بمركز الرئاسة في الجولة الأولى مقابل "ماكي سال" الذي دفعته فرنسا بالترشح على غير رغبة منه، بعدما منعوا زعيم المعارضة "عثمان سونكو"، الذي كان يعلن معارضته لفرنسا، ويتهمها بنهب ثروات السنغاليين، واعتقله الرئيس السابق مع ألفين من قياداته، منهم الرئيس الفائز، الذي يرفض التبعية لفرنسا، ويدعو لعودة السنغال إلى أهلها وهويتها وسيادتها. 

السفارة في العمارة

لكن ما يلفت النظر، هو ذلك الوكر المشؤوم لسفارة "الكيان المحتل"، التي يرفرف علمها على عمارة كبيرة وسط "داكار"، بعد أن تعهّد رئيسها "ماكي سال" المهزوم، بعدم العمل ضد الكيان مجدداً في الأمم المتحدة. وبحماية هذه السفارة التي تبث سمومها، فتقوم بإرسال بعثات الأئمة إلى "تل أبيب"، لتعليمهم الإسلام والعربية والخطابة، وتوزع ذبائح العيد وتشارك المسلمين في أعيادهم، بل يقوم سفير الكيان بجمع الأئمة من أنحاء السنغال، على مأدبة إفطار في رمضان، ويُعد لهم مكاناً للصلاة في إقامته، ويدعوهم لتحقيق السلام.

فهل تكون فاتحة عهدة الرئيس، طرد سفير الكيان وإخراج السفارة من العمارة؟

أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:[email protected]

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

عبدالحميد بن سالم
عضو سابق في البرلمان الجزائري
تحميل المزيد