لماذا نشعر بفتور بعد انقضاء رمضان؟

عربي بوست
تم النشر: 2024/04/16 الساعة 11:58 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2024/04/16 الساعة 12:01 بتوقيت غرينتش

كانت تجربة العبادة في رمضان بالنسبة لي في هذا العام مختلفةً، فلقد شعرت بأحاسيس لم أشعر بها يوماً من قبل، كانت أحاسيس ليست بالسيئة، بل كان فيها حلاوة مميزة لم أذقها قبل هذا، رغم ما تعيشه الأمة من مآسٍ، فذلك ربما جعلني أشعر بالافتقار الشديد لرب العالمين، وأن الإنسان لا حول له ولا قوة، وأن عقولنا ما زالت لا تفهم الكثير، فليس للأمر علاقة بالذكاء أو الغباء، بل هي البصيرة التي مصدرها القلب والفؤاد، لكني بعد رمضان والعيد، وبالأخص بعد رمضان، بعد انقضائه شعرت بالسعادة لقدوم العيد، لكني بعد عدة ساعات ضاق بي الأمر، وكأنه مات لي قريب، لا أدري لمَ اقتحم هذا الشعور خلجاتي، ربما بسبب طبيعة شهر رمضان هذه السنة، أم أن انقضاء هذا الشهر جعلني أشعر أنه فقيد لن أراه إلا بعد وقت طويل، أم هي أعراض انسحابٍ كالمخدرات بالنسبة للمدمن؟ أم هو أمر آخر من الصعب أن أتوصل إليه؟

بعد تفكير طويل وجدت السبب الحقيقي، إنه تغير الجو الإيماني بعد رمضان، فقلَّت الإيمانيات، وكثر اتباع الهوى، وانتشرت الشياطين كالنمل الجشع، كغير العادة في رمضان، فهو شهر احتوى على جو إيماني كان تتغلغله المحبة في قلب كل مسلم صالح لأخيه الآخر، وتكبيل الهوى كما كبلت الشياطين، وحب الخير كما تتنزل الرحمة في هذا الشهر الكريم، وبغض الشر وقتل الحقد، وانتشار الدروس الواعظة اليومية على مدار اليوم، وتجديد الحالة القلبية كل بضع ساعات، وارتباط النفس بالقرآن الذي هو شفاء للقلوب، فبعد كل هذا من الطبيعي أن أشعر بعد انقضاء تلك الإيمانيات بضيق شديد، أليس لديَّ حق في شعوري ذاك؟

فنسمات رمضان ليست كأي نسمات، بل نشعر بريحٍ غريبة تحتضننا كل يوم، لتربت على قلوبنا، وتهون علينا أحزاننا، وتعطينا طاقة مستمدة من الله القوي العزيز لاستكمال أيام العام التي تليه، ففي رمضان طاقة غريبة غيبية لا يعلمها إلا من كان صادقاً في اقتباسها، فهي كالوميض الذي يضيء الظلمات، وسبيل للهدى والبركات، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يُبَشِّرُ أصحابه رضوان الله عليهم بقدومه، لِمَا فيهِ مِنَ الخيرِات الوفيرة، والفضائل والبركات العظيمة، فكان يقول لهم: (أتاكم شهرُ رمضان، شهرٌ مبارَكٌ، فرض اللهُ عليكم صيامَه، تفتحُ فيه أبوابُ الجنَّة، وتُغلَق فيه أبوابُ الجحيم، وتُغَلُّ فيه مَرَدَةُ الشياطين، وفيه ليلةٌ هي خيرٌ من ألف شهرٍ، من حُرِمَ خيرَها فقد حُرِم) رواه النسائي وصححه الألباني.

فيدل كل هذا على أنه من الطبيعي أن نشعر بفتور وعدم الشعور براحة بعد زوال هذا الشهر الجليل، الذي يحتوي على خيرات مرئية وغير مرئية، فرمضان كالحَلوى الشهية التي عندما تنتهي نريد أن نأتي بها مرة أخرى، فهي أيام مباركة، لكن كيف نتعامل مع هذا الضيق الذي بداخلنا بعد أن صمنا وصلينا وتهجدنا في لياليه، وأفعمنا بالإيمانيات العميقة، وفجأة سُحب كل هذا فجأة، هل هناك حل؟

أرى أن الحل هو إعادة ما كنا نقوم به في رمضان حتى ولو بصورة بسيطة كصيام بعض الأيام كالإثنين والخميس، وقيام ركعتين في الثلث الأخير من الليل، والصدقة على كل محتاج، وصلة الأرحام، والإكثار من الصالحات، فكل هذا يجعلنا أيضاً عندما يبلغنا الله شهر رمضان مرة أخرى بإذنه في العام القادم أن ندخله ونحن نشعر بالنشوة والشهوة والحماس، فبالاستعانة بالله يذهب الضيق، وتقضى الهموم، وتجلب المنافع، وتطرد المضار، فلكل شيء حل، ولكل قلب مفتاح، ومفتاح القلب الإيمان، فهو مفتاح النور الذي لا يوجد بعده نور.

أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:[email protected]

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

علامات:
عمر هشام مغربي
كاتب مصري
مهندس وكاتب مصري، له العديد من المقالات والقصص المنشورة. من أعماله "أذنبت مرة أخرى".
تحميل المزيد