منذ بداية معركة طوفان الأقصى وحتى اليوم لم تتغير الأوضاع ميدانياً وعسكرياً، ولم تستطع إسرائيل المزعومة والمهزومة محو آثار الهزيمة العسكرية المؤلمة والموجعة وانكشاف قدراتها وإمكانياتها الحقيقة.
تحاول إسرائيل عبثاً الثأر أو عدم الاعتراف بالهزيمة وقبول وقف إطلاق النار وفتح تحقيقات موسعة ومحاسبة نتنياهو وقادة الحرب في إسرائيل لتورطهم في قتل المستوطنين وقتل الجنود الإسرائيليين، ناهيك عن الفشل استخباراتياً في توقع الضربة الاستباقية الموجعة التي هزت كيان الاحتلال الإسرائيلي وهددت وجود تلك الدولة الاستيطانية!
تعتبر إسرائيل أن ما يحدث في حرب غزة لم يسبق له مثيل في أي حرب أخرى، غير ما حدث في العاشر من رمضان السادس من أكتوبر.
ورغم أن ما حدث في العاشر من رمضان لم يكن هزيمة عسكرية مكتملة لإسرائيل رغم احتفالات تلقائية بتلك المناسبة على مدار أكثر من أربعة عقود متتالية من الزمن.
لم تذهب حرب السادس من أكتوبر إلى تحقيق إيلام للعدو يجبره على الاعتراف بالهزيمة وقبول وقف إطلاق النار، بل استطاعت إسرائيل تطوير الهجوم ومحاصرة فرقة كاملة من الجيش المصري في ثغرة الدفرسوار، وكانت قاب قوسين أو أدنى من القاهرة وإجبار القيادة السياسية (رغم وجود حلول عسكرية) على قبول التفاوض في مقابل فك الحصار وإنهاء أزمة ثغرة الدفرسوار!.
المفهوم العسكري للانتصار تطور وتغير حسب درجة إيلام الخصم وإجباره على الاعتراف بالهزيمة حتى لو كان أقل في الخسائر العسكرية والخسائر الاقتصادية والبشرية!
ومن خلال استقراء للتاريخ يتضح لنا أن فيتنام قد انتصرت في حربها على أمريكا وأجبرتها على الاعتراف بالهزيمة والانسحاب، رغم أن ضحايا فيتنام في تلك الحرب تجاوز مليوني مواطن! بينما خسائر الجيش الأمريكي لم تتجاوز 250 ألف عسكري، لكنها بلغت حداً كبيراً من الخسائر البشرية التي لا تستطيع معه أن تتحمل أكثر من ذلك.
ومن هنا يتوافق مفهوم الانتصار وحسم المعركة عسكرياً، مع المفاهيم والقيم والمبادئ الجامعة التي رسّخها القرآن الكريم في حياة الصحابة الكرام، وتوارثها المجاهدون الأبطال عبر التاريخ.
آيتان من القرآن الكريم ترسخان تلك الاستراتيجية في المفهوم العقائدي للنصر عند المسلمين يتوافق مع المفهوم العسكري الحديث.
قُلْ هَلْ تَرَبَّصُونَ بِنَا إِلَّا إِحْدَى الْحُسْنَيَيْنِ ۖ وَنَحْنُ نَتَرَبَّصُ بِكُمْ أَن يُصِيبَكُمُ اللَّهُ بِعَذَابٍ مِّنْ عِندِهِ أَوْ بِأَيْدِينَا ۖ فَتَرَبَّصُوا إِنَّا مَعَكُم مُّتَرَبِّصُونَ (52)
الآية الأخرى: "وَلَا تَهِنُواْ فِى ٱبْتِغَآءِ ٱلْقَوْمِ ۖ إِن تَكُونُواْ تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمُونَ ۖ وَتَرْجُونَ مِنَ ٱللَّهِ مَا لَا يَرْجُونَ ۗ وَكَانَ ٱللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا". الأكثر صبراً على الألم هو المنتصر!
ليس هناك خيار ثالث بين إحدى الحسنيين، ولا يعرف المجاهد معنى الهزيمة العسكرية حيث إنه منتصر على كل الأحوال، ينطلق مجاهداً من منطلق الفوز أولاً بالشهادة في سبيل الله؛ لذلك فإن ترحابه بالموت يعادل حرص الخصم على الحياة!!.
ومن سيرة المتأخرين من المجاهدين صاغ عمر المختار هذا المعنى جلياً في مقولته الشهيرة (نحن أمة لا تنهزم فإننا ننتصر أو نموت).
وعلى كلا الطرفين فوز وانتصار: (وَلَا تَهِنُواْ وَلَا تَحْزَنُواْ وَأَنتُمُ ٱلْأَعْلَوْنَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ).
وما يحدث في غزة هو قرار للاستمرار والثبات والصمود الذي أذهل العالم من تلك الزاوية ومن هذا المنطلق الرباني الذي أقرته موازين الحروب والمواجهات!.
إن قرار الثبات الأسطورة لأهل غزة المحاصرين يزيد من صعوبة المهمة التى يسعى إليها الجيش الإسرائيلي من أجل البحث عن رواية يسوقها للعالم أنه قد انتصر في معركة طوفان الأقصى!
لا ندري مدى قوة واحتمال المدنيين في غزة لكن ثباتهم يحدث ميدانياً وعسكرياً لتثبيت حالة الانتصار المذهل الذي تحقق واقعاً في السابع من أكتوبر.
رغم إبادة الجيش بكامله في معركة الجسر غير أنه لم ينهزم ولم يعلن خسارته، ورغم تدمير غزة بكاملها فإنها لم تنكسر وتنحسر ولم تستسلم.
فماذا ينتظر نتنياهو وقادة الحرب في إسرائيل من المقاومة الإسلامية في غزة والمدنيين من أهالي القطاع الذي أنهكته الحرب، لكنه لا يزال يعلن الانتصار رغم المجازر والدمار.
نتنياهو ومجلس الحرب في مهمة مستحيلة رغم تورط العالم كله في دماء غزة وتدميرها!
إنه انتصار خضبته الدماء وسطر ملحمته الأقوياء الأمناء.
إنه حدث استثناء في التاريخ، سيتغير من بعده العالم.
(ويومئذ يفرح المؤمنون بنصر الله)
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال مقالاتكم عبر هذا البريد الإلكتروني: [email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.