يتطلع الذين طالت معاناتهم في ظل التفكير اليومي بحالهم إلى كل تجربة ناجحة حققها غيرهم، ليس من أجل الاستفادة منها كما يفترض، بل محاولة الالتصاق بها وبمعانيها وصورها من أجل إنقاذ أنفسهم، وحتى لو لم تكن هذه التجارب مكتملة أو ناجحة بشكل تام.
يكفي أولئك تحريك المياه الراكدة مكسباً حتى يسعوا إلى تلقي أفعالها الإيجابية من أجل تحقيق النهوض المنشود وتحسين واقعهم، وهذا الانتظار الكسول للخلاص على يد الغير لا يختلف عن الوقوف المشهور تاريخياً على التل بكل ما يحمله هذا السلوك من عجز فاضح.
وهؤلاء يغفلون عن سنن الله في الكون، وسبل تحقيق النصر، واشتراطات مشروع التغيير، ذلك أن قانون النهضة لا يقبل مثل هذا الانتظار أو استجداء النصر غير العادل، فمن يوقد الجذوة يدفع ثمنها دماً غالياً وعشرات الآلاف من الأرواح والمباني وفقدان معنى الحياة، فكيف يقبل أن يأتي من يجني ثمارها دون ثمن!
ويا ليت كان هذا من المساندين حتى بلفظ الدعاء وإسناد القلب الذي هو أضعف الإيمان، بل تراه الناقد الشديد، والمنظّر المثبط، والانتهازي فاقع اللون.
وكما أشرنا في مقال سابق فإن تحول طوفان الأقصى -مثلاً- إلى ظاهرة نهوض شاملة تؤدي إلى تحقيق منجز التحرير لن يكون اليوم قطعاً، مع إدراك أهمية ما تحدثه فعلاً من استعادة توهج القضية الفلسطينية، وتوسيع أبعاد التأييد العالمي لها، وتثبيت هويتها التي ستظل مركزية الشكل، إسلامية التوجه، إنسانية الروح.
لن يكون النهوض إلا بامتلاك ثقافة وفعل النصر بشكل ذاتي، والمساهمة في توسيع ترددات الوعي ليحقق صورة الشمولية المطلوبة، وتحول الإحساس والتعاطف إلى فعلٍ وسيلٍ هادر من الانتصار للحق قولاً وفعلاً وشعوراً.
وهذا كله مرتبط بأحداث التعافي المجتمعي للأمة، واستعادة حضورها المطلوب بين غيرها من الأمم، وهو مشروع ضخم يتطلب جهداً ووقتاً ليس بالقليل لمعالجة آثار الكسل الذي ران على قلوب وعقول الناس، واسترداد النشاط الإيجابي عبر سلسلة من الخطوات والوسائل المختلفة التي لا حياد عنها.
إن تحول الوعي من الفرد إلى المجموع والذي نجحت فيه حركة حماس بشكل بارز أوجد النموذج الناجح الذي ينبغي تعميمه وتوسيع نطاقه بالفعل لا بالقعود على التل وانتظار معجزة النجاح، وباقتباس عوامل التفوق ومحاولة تكييفها مع هذا البلد أو ذلك، ثم تجميع جزيئات الغلبة في بوتقة واحدة، ووقتها فقط نغدو مؤهلين لحمل صفة جيل التحرير والنصر والتمكين، هذا الجيل الذي إذا اشتكت غزة تداعت لها سائر البلدان بالسهر والحمى والفعل والإسناد والمشاركة الناجعة في بزوغ فجر التحرير المنتظر.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال مقالاتكم عبر هذا البريد الإلكتروني: [email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.