نؤمن أن الموت امتدادٌ للحياة وليس نهاية لها، قد يكون انقطاعاً عن امتحان قصير شديد التعقيد يسمى الدنيا، ولكنه يبقى جزءاً من مسار طويل يعبره الإنسان في رحلة شخصية مترامية الأطراف قبل أن يكون شيئاً مذكوراً، حتى يصير جنيناً، ثم مولوداً، ثم الموت فالبرزخ، ثم الحشر والحساب، ثم الجنة أو النار.
هو عبور لازم، ولكن مما يهون على الحي والمشرف على الموت في هذا الانتقال هي اللحظات الأخيرة، حيث يدرك الطرفان أنها اللحظة الثقيلة، لحظة الفراق.
لهذا الفراق طقوس وشعائر عبور، هي أكثر ما تكون ضمادات لجرح الفراق النازف الذي ما إن يلتئم حتى يبقى أثر ندبة تذكرنا أن هناك عزيزاً اشتبكنا معه ونسج في ذاكرتنا لوحات لا تندرس.
الوعي بالموت ولحظات الصمت يتبعها السكون الأبدي، رؤية الجسد وهو يبرد، إغماض العينين، رفع الغطاء على الوجه، الغسل، التكفين، اللحد، القبر، الدفن، العزاء، زيارة القبر من حين إلى آخر.. كل هذه في عمقها مسكنات ومهدئات أو ضمادات، تربط على القلب، وتجعل للقصة خاتمة، هي محزنة ولا شك، ولكنها مُرضية إلى حد ما.
ما هو أصعب من الموت؟ أن لا يتمكن الإنسان من وضع نهاية للقصة، أن يختفي الفرد من عائلته دون مقدمات، دون وداع، دون نظرة أخيرة، دون قبلة تُطبع على جبين الميت الباردة، دون قبر يُزار، دون خاتمة، دون نقطة ليبدأ سطرٌ جديد.
مع كل مجزرة، مع كل قرابين بشرية تُساق إلى مذبح القُبح البشري، يتجلى مشهد الإنسان المنزوع من سياق الحياة، لا صفحة تطوى هنا، بل تنزع نزعاً، ثم تلقى في حفرة ما..
وحده توثيق تلك اللحظات المتوحشة وإحياؤها هو ما يخرج الصفحات ويعيدها إلى سياقها، تلك هي اللحظة الفارقة التي تتيح وضع النقطة..
أعظم ما يمكن فعله هو إعادة النبض لقصص تلك الأرواح المغدورة، وضعهم في سياقهم، وصولاِ إلى الخاتمة.
هي خاتمة طريق الحياة الدنيا، وبداية رحلة أخرى في الحياة الآخرة.. هناك حيث يقول سبحانه وتعالى (لا ظلم اليوم).
إذاً الحكاية لم تنتهِ، ما زال هناك بقية لم تبدأ بعد.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال مقالاتكم عبر هذا البريد الإلكتروني: [email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.