حوار الأديان، جملةٌ من كلمتين اثنتين، كثيراً ما ترددت على مسامعنا، خاصة خلال الألفية الجديدة، رغم أن العبارة ظهرت فعلياً في وقت سابق من القرن الآفل، من خلال مؤتمر باريس العام 1932، في فترة ما بين الحربين عندما بعثت فرنسا، والتي كانت واحدة من ضمن أقوى الدول المهيمنة في أوروبا والعالم في جميع النواحي والثقافية، واحدة منها، كم أسلفنا عندما أرسلت وفداً من عندها لمحاورة رجال دين في الأزهر في فكرة توحيد الديانات الثلاث، بحسب قولهم، وما تلا ذلك من مؤتمرات ولقاءات أخرى، في صورة مؤتمر باريس الثاني، والذي قصده أصحاب النزعة التوحيدية الراغبين في ضمّ الثلاثة معاً في بوتقة واحدة، ثم بدأت الفكرة تختمر وتتبلور جدياً بحضور مناصرين لها من كل المناطق ومن كل المعتقدات، لتصبح اللقاءات دورية، وخطة عمل ممنهجة.
وقد وصلنا اليوم إلى قولبة ما سمّوه بالديانة الإبراهيمية التي تجمع بين الإسلام والمسيحية واليهودية، من أجل تحقيق هدف ظاهر، وهو تقريب وجهات النظر وتوحيد المصالح ونبذ العنف والتبصّر في رؤية المستقبل بحكمة، وغيرها من الأهداف المعلنة.
لكن ما حقيقة سعي الساعين من مثل هكذا مبادرات ولقاءات، منطلق إجابتنا يكون من جزئية مهمة، ألا وهي: كيف أن أولئك القوم يريدون خيراً للغير خاصة المسلمين، وهم الذين كانوا معول هدم لكل ما يمتّ للإسلام والمسلمين بصلة، والتاريخ يشهد بشواهد تحبل بها أوراق الكتب، وذاكرة الفرد والجماعة؟
ثمّ ما بال القوم الذين يلعبون بالمصطلحات ويوظفونها كيفما أرادوا ومتى ما شاءوا، فالدين واحد، وهو عند الله الإسلام، وما كان دونه إنما هي مللٌ، فالإسلام نسخ بانبلاجه كل ما كان، وما حوار الأديان إلا افتراء ودجل، بثه رجال الدين المبشرين، عندما رأوا تهلهل وانتكاسة صفوف المسلمين الذين وهنوا وذهبت ريحهم ونزلت رايتهم، فاندفعوا بحماسة المجنون المنحوس نحو إقناعهم بضرورة الحوار مع غيرهم صاحب الحضارة الأقوى والتاريخ الغائر.
وحقيقة القول، أن بعضاً من ضعاف العقيدة المسلمين، إنما توجّهوا تلقاء هذه الدعوة التي لم تخلُ من ريب واضح وشك عميق، ولكن لو كان حالنا كمسلمين أفضل وأعلى قيمة وشأواً، هل كان للغرب البراغماتي أن يهيب بمثل هكذا مبادرات؟ ولو كانت صفوفنا متراصة، وكان فهمنا لديننا أعمق، هل كانت الفكرة في عمومها وصلت لهذا الحد؟
أعتقد أنّ الحركة الاستعماريّة التي مسّت عالمنا الإسلامي ثم سلسلة التقسيمات التي طالته، في إطار تقسيم المقسّم وتجزئة المجزأ، قد لعبت دوراً فاعلاً في إجهاض أي حركة تنويرية قام بها ثلّة من العلماء في تنوير الرأي العام، وكذلك فإن دخول مثل هكذا أفكار اغترابيّة تيسر بالفعل بعد تجلّي فكرة قبولها لدى الغرب ومراكزه ودوائره المختلفة.
اليوم آن الوقت لأن نظهر مدى خطورة هذه المحاولات التي ترمي إلى الانتقاص من شأن الإسلام، وإدخال الغافلين في هوامش الريب والظن، فالله واحد والدّين واحد وهو عند الله الإسلام، ومن يُرد طمس هذه الحقيقة أو أعان عليها، فلن يضرّ الله والناس في شيء، والله متمٌّ نوره ولو كره الكافرون.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال مقالاتكم عبر هذا البريد الإلكتروني: [email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.