أين نحن من نداء الاستغاثة لنصرة الشيخ والطفل والمرأة في غزة، مِن تغوُّل محتل أصبح لا يراعي أي وازع أخلاقى أو قانوني في إبادة شعب من الوجود، وذلك أمام مسمع العالم الدولي، دون أي رادع لهذه الغطرسة!!
أصبحنا ننافس صمت القبور، فلا نبض يوقظ القلب من السبات، قلب تكلّس عليه الوهن والمسكنة، فأصبح دون روح تغار على الكرامة العربية وشرف الأمة والدم العربي، وآهات المرأة والطفل لم تلقَ الصدى والاستجابة وهما يقبران في وضح النهار.
أهلنا يبادون عن بكرة أبيهم ونحن نتفرج ونقيم الأفراح ونرقص على الأجساد، ولكم في موسم الرياض عبرة، أين هي النخوة العربية؟ أين هي صلة الدم؟ أين هي المروءة العربية؟ أين هي الرأفة بالبراءة؟ هل قدر الإنسان العربي أن يهان في كل مقام ولا رادع لهذه الغطرسة التي لا مثيل لها والتي فاقت كل التصور؟ لقد أصبح العالم كله يتلذذ بآهات قهر الإنسان العربي في صمت مطبق، وسادة القرار في راحة ينعمون.
عذراً غزة على البلوى التي أنتم فيها، فقد فقدنا مؤشر البوصلة، فأصبحنا لا ندري الاتجاه، في عتمة لأن سادة القوم في ظلماتهم يعمهون، وعن الاستجابة للمظلوم غافلون، أزلهم الشيطان عنها. عذراً غزة فالأيادي مغلولة، واأسفاه غزة! قدرك أن تصارعي وحدك هواة الإبحار في الدماء، هواة الرقص على صور رفات الضعفاء وهي تتناثر في السماء، أشلاء نفوس طاهرة تعانق عنان السماء، لتأخذ مستقراً لها بجوار سدرة المنتهي، فماذا عنكم أنتم قتلة الأطفال ومحترفي الاغتيال؟! ماذا تنتظر من الذي بلغ درجة الاحتراف في حرق النفوس وعيونها شاخصة في وجه من أباد روحها، إنها هوايتهم المتجذرة في نفوسهم أباً عن جد، ألم يفتِ حاخامات إسرائيل للجند بأن يأكلوا من الخبز المعجون بالدماء العربية؟!
هل أتاكم حديث غزة التي تحاصر من الأخ قبل العدو؟ يفرض عليها طوق الحراسة المشددة، يفعل الحصار المطبق بالعلامة الكاملة، وبكل مقاييس خنق الساكنة بسلاح الجوع وتعذيب النفوس بالملموس، أريحية الكرسي الأول في البلاد، يهون من أجله إبادة العباد، ورب الكعبة إن ساعتكم بدأت عقارب الوصول إليها تلوح في الأفق.
طوبى لكم يا أهلنا في غزة؛ فالشموخ يعلو هامتكم، ودماؤكم تغسل تخاذل أشباه العرب، وخذلان حكام جمّدهم الذعر، في زمن أصبح يوسم فعل المقاومة بالمغامرة والإرهاب.
لقد سقطت ورقة التوت فكشفت سوأة أفعالهم، ليروا قذارة تخاذلهم، أين الحكام من تلك الصيحة من المرأة: وا معتصماه! فكان النفير لنجدتها. صيحة المرأة الفلسطينية ليس لها من مغيث، تباً لرجولة سادة القوم؛ يتزاحمون للظفر بالكرسي ولا نخوة لهم على قدسية دماء العرب، عصبة من العرب أصبحت تنتشي، وفي كبد الشمس، تتمنى إبادة الأخ للحصول على شرف التمجيد من العم، والرجوع إلى حادثة قابيل وهابيل، وعندما يقع الفأس في الرأس، يستعصي عليه الأمر.
أين ضمائر الذين يتشدقون بين كل طرفة عين وانتباهتها بإنسانيتهم وحق الإنسان في الحياة؟! أين ضمائر دعاة الحرية؟ أين ضمائر الذين يوصفون بحملة لواء حقوق الإنسان؟ أين ضمائر الذين زاغت بصيرتهم عن الإبادة التي يتعرض لها شعب أعزل في وضح النهار، وأمام أعين شهود العيان.
التبس عليهم الأمر فقالوا إنه دفاع عن النفس، هؤلاء العزل ليسوا من فصيلة البشر، فحق عليهم إبادتهم، وليس لهم مكان بين أصحاب الضمائر التي تشعر بغبن الحيوان، ولا تكترث بألم النفوس البشرية التي تباد في وضح النهار، وعلى مسمع وتحت أعين الذين أتخمونا بالشعارات، غزة عرّت وأسقطت القناع عن الذين يتشدقون في كل لحظة بحق الإنسان في الحياة، لكن اتضح أنهم يكيلون بمكيالين: حلال علينا حرام عليكم.
إن آهات هؤلاء الأطفال سوف تبقى الكابوس الذي يؤرق منامكم، الكابوس الذي لن تستفيقوا من صوره المرعبة لكم، آهات هؤلاء الثكالى سوف تكون لكم الكابوس المرعب في اليقظة قبل النوم، آهات هؤلاء المسحوقين وبتواطؤ منكم، سوف تلاحقكم وصمة العار، تجرّون أوسمة التخاذل ونياشين العهر السياسي، وصور فداحة قبح القناع، وسجلّكم الدموي سوف يكون ممهوراً بدماء هذه البراءة التي لا تفقه لماذا يزج بها في أتون الحرب والدمار وسرقة الابتسامة من محياهم واغتيال أحلامهم، أليس لهم حق في الحلم؟!
سوف تبقى معاناة أهل غزة وصمة عار على جبين الجار، ودعاة الحق في الحياة، أصحاب الضمائر، الذين لم تصحُ ضمائرهم من الغشاوة، أزلهم الشيطان عنها، أشاوس غزة يصنعون مجد الأمة من جديد، أعادوا تلميع صورة العربي الممهورة بسجل أنا عربي، فحق عليهم نيل شرف إنقاذ الشرف العربي، سجل أنا غزاوي من القسام وأخواتها.
يا أهل الرباط في أرض الرباط، الشرف العربي المهان يستغيث، فأنتم أولى بالمغيث، صمت القبور مطبق على الثغور، إنهم في سبات أهل الكهف، يتقلبون ذات اليمين وذات الشمال: (وَتَحْسَبُهُمْ أَيْقَاظاً وَهُمْ رُقُودٌ). غزة تصرخ في وجه القريب، وتستبسل في وجه جيش العدو، الجيش الذي لا يُقهر أضحى مقهوراً مذموماً على مشارف غزة، فحق عليهم قول: اخرج منها مذءوماً مدحوراً، على يد رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه، فأنزلوا الرعب في قلوب جلاديهم، وجعلوهم يتوسلون إلى الصديق للخروج من الورطة، ولكن هذه المرة دخول الحمام ليس كخروجه، والمقاومة في موقع من يحدد وقف الحرب وفرض الشروط، شكراً للذين رفضوا إملاءات محاصريهم بغلق المعابر، وحشرهم في السجن الكبير، شكراً لأبناء القسام لأنهم أفسدوا سيناريو التهجير، فعاد إلى جحره مذموماً من صفعة أشبال القسام والسرايا وإخوانهم في المقاومة، التي اعتبرتها النفوس المجبولة بالخنوع والهرولة إلى الجلاد والتبس عليها فعل المقاومة بأنها مغامرة، نعم المغامرة إن كانت بهذا الشكل تعيد لنا شرفاً لُطّخ في أحضان النعاج التي شهدت على نفسها بهذا الوصف.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:[email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.