إن تصريح وزير الدفاع الإسرائيلي يوآف غالانت عن المقاومة الفلسطينية بأنها "حيوانات بشرية"، انعكاس لمدى الألم الذي أحدثته المقاومة في عمق الاحتلال، بأن أصابت غرورهم وعنجهيتهم في مقتل، خاصة أن ضربة السابع من أكتوبر قد كسرت شوكة الاحتلال بشكل فاق حدود التصور.
لا شك في أن شدة الصدمة أفقدت الوزير صوابه فأخرج ما في جعبته من فكر إجرامي، وتصورات عنصرية عن الآخر، بينما الحقيقة هي أن من يصفهم العالم الغربي بالإرهابيين قد أعطوا دروساً في أخلاق الحروب، فقد نجح الجهاز الإعلامي للمقاومة الفلسطينية، والذي رافق المقاتلين، بل كان جزءاً منهم، في توثيق أخلاقيات المقاومة، وانعكاس ثقافتها الإسلامية وهويتها العربية في تعاملها مع النساء والأطفال وكبار السن، حيث تعاملوا معهم بكل إنسانية، وصوّروا بعض تلك المواقف، قبل أن يصرّح ذلك المتعجرف بما قال.
فلاحقاً بثت إحدى قنوات الاحتلال الفضائية لقاءً مع مستوطِنة تحدثت بمصداقية عن تعامل رجال المقاومة معها وأطفالها، حيث حدَّثوها بأنهم مسلمون ولن يقوموا بإيذائها وأبنائها، وقد اعترفت بأن حديث الفلسطيني معها جعلها تشعر بالهدوء، حتى إن أحد المقاومين استأذنها لكي يأكل "موزة" من مطبخها، وقد ضحكت مستغربة تلك الإنسانية، وقد أقرّت تلك المستوطِنة بأن الموقف استمر لمدة ساعتين، ومن ثمَّ غادر المقاومون وتركوها مع أبنائها دون أي أذى، وهو ما تفاجأ به المذيع الإسرائيلي، الذي كان يجري معها المقابلة، ورغم أنهم حفظوا حياتها وأطفالها فإنها لم تتورّع عن وصفهم بالمخربين!
لسنا هنا في انتظار شهادة تلك المستوطنة أو غيرها من المرتزقة الإسرائيليين وداعميهم من العالم الغربي، لكي نتعرف على أخلاقيات رجال المقاومة، الذين كان أحد أسباب نجاح مهمتهم أنهم رجال محترمون، وعلى خلق عالٍ، وهذا جزء من رسالة الإسلام، الذي تُعاديه أوروبا وأمريكا وأذنابهم في العالم، بل إن تلك الشهادات هي ردود من الإسرائيليين أنفسهم على وزيرهم المشحون، لكي يعرف أن الحيوانات البشرية صفة لا تنطبق على رجال المقاومة، إنما كان عليه أن يصفهم بـ"المقاتلين النبلاء".
وفي المؤتمر الصحفي نفسه صدرت أوامر ذلك الوزير بقطع الكهرباء والمياه والطعام عن مدينة غزة، وهي المدينة المحاصرة منذ قرابة 18 عاماً، وبذلك يجيب "غالانت" على نفسه بنفسه، فإن مَن يجب أن يتم وصفه بـ"الحيوان البشري" هو من يحرم مدينة كاملة فيها قرابة مليوني إنسان مدني من أساسيات الحياة، وسط حالة حرب. ولم يقف هذا الإجرام عند هذا الحد، بل تعدّاه، ليصدر غالانت أوامره بقصف شديد يومي على غزة، يوقع ضحايا مدنيين، فيهم الكثير من الأطفال الأبرياء والنساء وكبار السن، أمام توثيق كاميرات القنوات العالمية وهواتف المواطنين البسطاء.
قطع الكهرباء والماء والغذاء وإلقاء القنابل على بيوت المواطنين بعد فشل الاحتلال في القضاء على المقاومة هو عمل إجرامي، مخالف لكل الأعراف والقوانين، وحتى الحيوانات لو قدر لها قد لا تفعل ما فعلته قوات "غالانت"، فمن هم الحيوانات البشرية الذين وُثقت جرائمهم؟
في الحروب الماضية التي شنَّتها قوات الاحتلال على قطاع غزة، وكذلك مخيم جنين، وغيرهما من المدن الفلسطينية، كانت الولايات المتحدة وغيرها من الدول الغربية تقدم الغطاء السياسي القانوني بحدود للإجرام الإسرائيلي، ولكن في الحرب الحالية تغيرت المعادلة؛ نظراً لهول الصدمة، فقوات الاحتلال الإسرائيلية اليوم تمارس جرائمها بدعم عسكري معلن من الولايات المتحدة والكثير من الدول الكبرى، في مقدمة قد تؤدي إلى تدويل الحرب والوصول إلى حرب كبرى.
والحديث عن الحرب الكبرى ليس مبالغة، وسببه أن القوة الصاعدة الكبرى غير الغربية لن تترك هذه المنطقة بثرواتها وميزاتها وموقعها الاستراتيجي على طبق من ذهب للولايات المتحدة، من خلال زيادة قوة وتمكين الاستعمار الإسرائيلي، حيث يمر العالم كله بفترة صعبة جداً، منذ أن ورَّطت الولايات المتحدة أوكرانيا في حرب بالنيابة عنها لتدمير روسيا، وهو الهدف الذي يبدو أنه بعيد المنال.
منذ قيام الاحتلال الإسرائيلي على أرض فلسطين بمساعدة بريطانيا وفرنسا وغيرهما من الدول الاستعمارية، ارتكب الاحتلال العديد من المجازر البشعة التي لا تمت للإنسانية بصلة، وهي صفة ملازمة لحكومات الاحتلال، وقد سجلت مؤخراً اعترافات مستوطنين وجنود إسرائيليين، عن دورهم في مجزرة الطنطورة، بينما نحن في هذه المنطقة شعوب رغم المآسي نألف السلام في داخلنا، مؤمنين بالله تعالى، وطبيعتنا فيها الكثير من الجوانب الإنسانية، ولن يغير فينا الاحتلال صفاتنا الإنسانية.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال مقالاتكم عبر هذا البريد الإلكتروني: [email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.