إنّ مأساة إعصار دانيال على مدينة درنة وضواحيها، وكارثة زلزال الحوز جنوب غرب المملكة المغربية، كشفت حقيقة غياب رؤى عميقة واستراتيجيات شاملة تتبعها سياسات عامة تواكب ثقافة الاستباقية في إدارة الأزمات من جهة وخطة في إدارة الكوارث والطوارئ وبالتالي العمل الإنساني؛ علماً أن منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا أصبحت بؤرة للكوارث الطبيعية والأزمات الإنسانية بسبب الحروب الأهلية وتوّغل الجماعات الإرهابية العابرة للحدود وظاهرة الهجرة غير الشرعية بحثاً عن حياة أفضل.
وكالات إدارة الطوارئ
تفتقر الدول العربية لوكالات حكومية قادرة على إدارة الأزمات وتقديم حلول عاجلة لإدارتها على غرار وكالات إغاثية وإدارة أزمات طارئة تحت السلطة الفيدرالية في الولايات المتحدة الأمريكية أو السلطة المركزية في تركيا. فباستثناء دول الخليج كدولة الإمارات العربية المتحدة والمملكة السعودية التي تمتلك هيئات وطنية لإدارة الطوارئ والأزمات والكوارث، نجد أن جل الدول العربية تفتقر لوكالات إغاثية وإدارة أزمات طارئة على عكس الوكالة الأمريكية لإدارة الطوارئ والكوارث FEMA؛ حيث أثبتت نجاعتها في إدارة أعاصير موسمية تعصف جنوب شرق الولايات المتحدة الأمريكية كل موسم، وهذا بالرغم من وجود بعض الهفوات في التسيير، التي لم تتردد الجهة المعنية من تصحيح أخطائها؛ على سبيل المثال ما وقع مع إعصار كاثرينا بولاية نيو-أورلينز عام 2005 ما جعل الرئيس الأمريكي جورج بوش الابن محل انتقاد شديد من قبل الإعلام الأمريكي الفيدرالي والمحلي والنخب والمعارضة في الكونغرس.
كما أثبت أيضاً وكالة إدارة الطوارئ والكوارث التركية AFAD في تعاطيها مع ملف الضيوف السوريين (تحت قانون الإقامة المؤقتة طبقا لاتفاقية جنيف لعام 1951 لحماية اللاجئين القانونية) وكيفية تقديم خدمات إنسانية أولية واجتماعية لأكثر من ثلاثة ملايين سوري مقيم بتركيا، بدءاً بالتنسيق مع المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين ومنظمات غير الحكومية والدولية كلجنة الإغاثة الدولية البريطانية والتي يرأسها دافيد ميليباند، وزير الخارجية السابق البريطاني، والتنسيق أيضاً مع المنظمات غير الحكومية التركية في إطار مذكرات تفاهم تبرمها هذه الأخيرة مع المنظمات غير الحكومية الدولية على سبيل المثال المجلس الدنماركي للاجئين والمجلس النرويجي للاجئين.
يتم تحت رعاية قوانين الدولة التركية في إطار عدم تضييع الجهود والوقت والموارد لتقديم الخدمات السريعة والعاجلة للمتضررين والمنكوبين الذين يصبح غالبيتهم مستفيدين من برامج ميدانية تدخل مباشرة في إطار العمل الإنساني الإجتماعي تموّله المفوضية السامية للأمم المتحدة واللجنة الأوروبية للمساعدات الإنسانية والحماية، هذا بالإضافة أيضاً للدور الذي لعبته وكالة إدارة الطوارئ والكوارث التركية AFAD في إدارتها للزلزال العنيف الذي ضرب جنوب تركيا وشمال سوريا في فصل الشتاء الماضي، هنا تكتمل حلقة التنسيق والمتابعة وإدارة الحالات منها حتى النفسية والاجتماعية للتخلص من حالة الخوف وعدم الاستقرار النفسي والاجتماعي، خاصة لدى الحلقة الأضعف في الأزمات لدى النساء والأطفال.
بعد إعصار دانيال في مدينة درنة في ليبيا وصلت فيها نسبة الوفيات إلى أكثر من 10 آلاف قتيل، وما يزيد على 20 ألف مفقود وقرابة 30 ألف شخص بلا مأوى، لكن الكارثة ما كانت لتكون بهذا الحجم لولا انهيار سدود درنة. في المملكة المغربية، حسب مسؤولين، وصلت وفيات زلزال الحوز إلى ثلاثة آلاف قتيل وما يزيد على الألف من المنكوبين، حيث تعتبر من الكوارث الطبيعية الأعنف التي لم تشهدها ليبيا والمغرب منذ قرن! إعصار ليبيا بمثابة تسونامي أمّا زلزال إقليم الحوز فسبقه زلزال الحسيمة عام 2004.
بات الحديث عن انهيار السدين في ليبيا بسبب عدم الصيانة الكاملة لسدود المنطقة الشرقية التي هي عقر القيادة العامة للمشير خليفة حفتر وعائلته في معادلة الصراع على السلطة في ليبيا المنقسمة بين الشرق والغرب؛ اليوم أهل مدينة درنة والمدن المجاورة لها هم تحت أنقاض إعصار دانيال وقبضة فساد آل حفتر في الشرق خصوصاً وليبيا عموماً بسبب نرجسية آل الدبيبة في غرب البلاد. فيا ترى هل تتحمل الحكومتان؛ الأولى المعينة من قبل برلمان شكلي في طبرق والأخرى المعترف بها دولياً لكنها فاشلة في طرابلس مسؤولية هذه الكارثة الإنسانية؟
الأزمة تلد اللّمة!
أين دور السلطات والمؤسسات؟ بعدما رفضت المملكة المغربية المساعدات الدولية من دول شقيقة وحليفة على خلفية سياسية والمجتمع المدني وحتى النخب والإعلام الذي له دور هام في تنوير الرأي العام بتحقيقات في مجال الحوكمة الرشيدة والقطاعات المعنية بالإغاثة وإدارة الكوارث الطبيعية. تعرف المنطقة العربية عموماً أزمات سياسية وأمنية منذ عقود وذلك بدءاً بالحرب الأهلية في لبنان في منتصف سبعينيات من القرن الماضي والصومال في تسعينيات القرن الماضي وحروب العراق وتقسيم السودان والحروب الأهلية في اليمن وسوريا وحرب الجنرالين في السودان وتداعياتها الإنسانية، ناهيك عن مأساة الشعب الفلسطيني ومعاناته من ويلات الاستعمار والاستيطان والتهجير.
حيث لم تحرك كل هاته المأساة شعور أية دولة عربية لإنشاء وكالة تكاملية لإدارة هذه الأزمات، وأما الحديث عن الهلال والصليب الأحمر وكأن الأمر ظرفي وانتهى…إلخ، وقد سببت سلوكيات الإهمال والتهميش في قطاعات البنية التحتية والتنموية والخدمات المهملة للغاية زيادة تفاقم الأزمات.
العودة إلى المملكة المغربية، أين البيروقراطية والفساد والمحسوبية والتهميش الجهوي هذا على سبيل المثال وليس الحصر عديد من الدول العربية تعاني من عدوى الفساد وعدم المحاسبة، مما يتسبب في ركود اقتصادي مستدام وعرقلة لعجلة التنمية وانسداد سياسي.
تعد المملكة المغربية وجهة سياحية جذّابة حيث تعوّل الحكومة المغربية على قطاع السياحة الذي هو يعد عمودها الفقري في جلب العملة الصعبة؛ حيث جعلت المملكة المغربية محدداً لدبلوماسية التراث الشعبي أو ما يسمى في قاموس الدبلوماسية العامة بدبلوماسية الفولكلور.
ملايين من السواح الأجانب يزورون المدن المغربية الساحلية: طنجة، والرباط والدار البيضاء والمدن التاريخية على غرار مدينة مراكش ولون بيوتها وأزقتها Terracotta، وأكل الكسكس وشرب الشاي بالنعناع والتمتع بهياكلها السياحية وبيوتها المشهورة بالرياض الفخمة التي يكسبها رؤساء دول غربيون سابقون وأمراء خليجيون ونجوم للفن السابع عالميون. مدينة مراكش المعروفة بمهرجانها الفكاهي الذي ينظمه الفكاهي الفرنسي من أصول مغربية جمال دبوز Djamel Comedy Club هو يجمع عشرات الكوميديين الفرنسيين والفرنسيين من أصول مغاربية يؤدون عروضاً فنية فكاهية لترفيه مئات العائلات المغربية والسواح.
فشل الدولة وإفشال المواطن
يبدو أن صوت ونكت جمال دبوّز وڤاد المالح الفكاهي المغربي-الكندي من أصول يهودية تبقى حكراً على "المغرب المفيد"؛ حيث أثبت زلزال إقليم الحوز أن نظرية "المغرب المفيد وغير المفيد" كما وصف حكّام المستعمر الفرنسي المغرب إبان الحقبة الاستعمارية للمملكة، تراجع بل حتى انعدام البنية التحتية والخدمات الاجتماعية التي ضربها الزلزال كشف المستور وفضح فشل السلطات الوطنية والمحلية، وهو ما لوحظ على ملامح سكان المنطقة المنكوبة والطرق غير المعبدة والمساكن الهشة على شاشات العالم.
هذا ما يجرّنا للحديث عن فشل السلطات التي يسميها المواطنين بـ"الدولة"، في بلدان المنطقة في إيجاد الحلول وتجاوز هذه الأزمات والكوارث الطبيعية والإنسانية كنتيجة طبيعية قد تكون حتمية لهذه الظاهرة التي تعاني منها مؤسسات الدولة في منطقة شمال أفريقيا. هذا ما نتج عنه فشل المؤسسات الخدماتية وجعل المسؤولين يفتقدون للشرعية والاعتداء عليهم من قبل المواطنين خير مثال على ذلك خروج أهل مدينة درنة لحرق منزل رئيس البلدية بسبب سوء التقدير والتسيير، أصبح من المألوف في ليبيا آل حفتر وآل الدبيبة أن المواطن بات يعبر عن غضبه بحرق ممتلكات المسؤولين، ففي حادثة نجلاء المنقوش خرج عشرات الليبيين بطرابلس الشهر الماضي لمحاولة حرق منزلها على خلفية لقاء جمعها في روما مع نظيرها وزير خارجية دولة الكيان الصهيوني.
تعودت المنطقة على انتشار الكوارث طبيعية كانت أو سياسية، أو اقتصادية أو أمنية حيث تدار هذه فيها الأزمات بشكل "عادي" حسب التعريف الشعبي لكلمة عادي، أي normal، دون أن تنتج أي محاسبة للمسؤول سواء على المستوى المركزي أو المحلي، وترك المواطن الفقير يعيش في الخوف من السلطة وأجهزتها وجعل الأحزاب والنخب تائهة تبحث عن شرعية التمثيل، فلا هي عند الشعب ولا عند السلطة، فمثلاً في ليبيا بالرغم مما أفسدته السياسة ولعنتها، جمع إعصار دانيال و Mother Nature الليبيين وزاد في انقسام ساستها الفاشلين؛ وفي المملكة المغربية ما أفسدته غطرسة الإعلام وموجهيه، جمع تضامن وتلاحم أبناء المغرب من مدنه الرانقة داخل وخارج الوطن إلى عمق قرى جبال أطلسه الوعرة المهمشة.
فعلاً، في إدارة الأزمات يتطلب من مسيّرها الإدراك والتقدير والمتابعة والتقييم لإيجاد الحلول وليس الاكتفاء بإدارتها كما جرى الحال منذ عقود وهو أمر يزيد من تأزمها وتعقيدها، لهذا أصبح الأمر واجباً إنسانياً وأخلاقياً من أجل إنشاء وكالة عربية تكاملية لإدارة الطوارئ والكوارث الطبيعية.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:[email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.