بماذا يخبرنا المفكر عبد الوهاب المسيري عن العلاقة بين العرب وإسرائيل؟

عربي بوست
تم النشر: 2023/07/23 الساعة 10:13 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2023/07/23 الساعة 10:13 بتوقيت غرينتش
مواقع التواصل الاجتماعي

قبل فترة زمنية ليست بالبعيدة كانت عبارة "التحالف العربي- الإسرائيلي" من قبيل نسج الخيال، وإذا ما طُرحت يُتهم صاحبها بالخلل العقلي، والقصور في الاستشراف والتحليل، لكن وللأسف نسجلها بمرارة ونراها حقيقة ماثلة أمامنا. هذه الحقيقة لم تأتِ بشكل فُجائي، ولم تطفُ على سطح الساحة السياسية بدون مقدمات، وإنما جاءت نتيجة لعمل مستمر وبشكل تراكمي متعدد النسق، يجمع بين البعد الديني، والاقتصادي، والأمني والسياسي، والإعلامي، والثقافي، وله مدخلاته وتحولاته الإقليمية والدولية، إلى أن صار التطبيع حقيقة.

وحتى يتاح لنا الوصول إلى هذه النتائج غير الطبيعية، أعتقد أنه من المفيد الإجابة عن بعض الأسئلة ذات الارتباط بموضوع التحالف الإسرائيلي العربي، منها:

– ما هو دور الدول الوظيفية في تفتيت الاستقطاب الإسرائيلي العربي؟ وما أدوات الدمج؟

قول المسيري

تنبّأ المفكر والأكاديمي المصري الراحل عبد الوهاب المسيري بما ستؤول إليه العلاقة بين العرب وإسرائيل، حيث قال: "من الآن فصاعداً سنجد يهوداً في ثياب مسلمين، اليهودي الوظيفي مسلم، يصلي معنا العشاء في المسجد، لكنه يقوم بالدور نفسه الذي يقوم به الجنرال اليهودي، وعليه يجب تحليل تلك الظاهرة حتى لا يتحول كثير منا إلى يهود دون أن يدروا". وما كان يعنيه الدكتور المسيري رحمه الله هو تحول الدور المفترض للأنظمة، من خلال الأنظمة الحاكمة، في حماية ورعاية مصالح الأمة والشعوب، إلى حارس مصالح الكيان الإسرائيلي عند البعض من الأنظمة العربية، واستدامة العنف وتطويع كل المقدرات في هذا الاتجاه، مقابل البقاء على رأس العرش أو الحكم.

عبد الوهاب المسيري
المفكر الراحل عبدالوهاب المسيري

الدولة الوظيفية في مفهومها تقتضي عند نشأتها الارتكاز على الولاءات والأهداف السابقة لوجودها، وبذلك الحال تستقيم، والأغلبية من الدول العربية يمتد نفوذ الاستعمار الغربي إلى أنظمتها وإلى حكامها، ومن ثم تطويعها إلى الاستراتيجية الاستعمارية عموماً، وإلى الإسرائيلية خصوصاً، وبشكل تدريجي؛ ولذلك نجد تلك الأنظمة الوظيفية الحاكمة قد أدت الدور المنوط بها، وطوَّعت كل مؤسسات الدولة في خدمة أطراف خارجية. من هنا يمكن تصور مستقبل فكرة الصراع العربي- الإسرائيلي ومآلاته، في ظل صراع الدول الوظيفية والكيان الإسرائيلي، والذي حتماً سيحسم بالنهاية الأمر لصالح الكيان المحتل على مستوى الأنظمة الوظيفية. 

إلا أنه يأخذ البعد الزمني لمقتضيات تعزيز الاحتلال، الذي احتاج إلى عقود من الزمن حتى يحقق أركان الكيان، بما يسمى الدولة (شعب- سلطة- إقليم- اعتراف)، ويحتاج إلى مساحة زمنية لطرح مشروعه بمقاربات مختلفة، كما أن وجود الدول الوظيفية في منتظمات إقليمية كجامعة الدول العربية، أو مجلس التعاون الخليجي، أو اتحاد المغرب العربي الكبير، أو الاتحاد الإفريقي، وحتى أطراف في اتفاقية ذات أهمية من حيث الاستراتيجية الدفاعية والاقتصادية، كمعاهدة الدفاع المشترك والتعاون الاقتصادي بين الدول العربية 1950، سيعطل تلك التحالفات، ويقوض دور المنتظمات الإقليمية، وبالمقابل يمنح فرصة للكيان بأن يجد مساحات واسعة للعمل، ويتمدد من حيث النفوذ وتشكيل علاقات ثنائية سرية أو علنية مع تلك الأنظمة بدواعٍ مختلفة، كصناعة السلام مثلاً، أو التعاون الأمني والاستخباراتي، ومنه يبعث اليأس في الشعوب العربية، ومن القلب منها الشعب الفلسطيني، وربما البعض من حركات المقاومة. وما اتفاقيتا أوسلو 1993-1995 إلا ترجمة للدور الوظيفي لبعض الأنظمة العربية للأسف، التي أسهمت بإدارة ظهرها في لحظة ما للقضية الفلسطينية، التي أجبرت الراحل أبو عمار أن يذعن لها.

كما أنه لم يقتصر دور الدول الوظيفية في تغييب الشعوب وتحييدها عن قضية الأمة المركزية؛ "فلسطين"، واستبعاد أي فكر مقاوم أو تحرّري عن تفكيرها الجماعي.

 أو حتى تعطيل أي جهود مشتركة محتملة فقط، بل جاء دورها أيضاً بإثارة النزاعات والاختلافات وتأجيج الطائفية بين الشعب الواحد أو الدولتين، فصار الانتباه مشدوداً عند البعض إلى الاستقطاب المفتعل، بتسخير كل المقدرات الوطنية المالية والإعلامية لصناعة محاور صراع على أساس طائفي، مثل الصراع السُّني- الشيعي، أو العداء الموجَّه ضد الحركات الإسلامية التي كفّرتها مناهج تدّعي أنها على منهج السلف. 

وتكون مقدمة نحو القبول بإقامة اتفاقات، أو القبول بتواجد الكيان الإسرائيلي في أحد المحاور التي تصطف وراءها تلك الأنظمة الوظيفية دون معارضة كبيرة.

وهنا لا يمكن استبعاد أو تبرئة ساحة الدولة الإيرانية في تعزيز هذا الانقسام، وتفعيل الأدوات ما دون الأنظمة الرسمية والأذرع السياسية، كحزب الله في لبنان، واختطاف الدولة مثلما تفعل مع العراق.

الاستقطاب المذموم

هذا الاستقطاب الحاد والمتنامي والمفتعل، المبني على تقسيم الإسلام من "سُني- شيعي" أو "سُني- سني"، والذي لم تشهده الأمة الإسلامية أو العربية بهذه الحدة والتفتُّت إلا بعد بروز الدور الوظيفي لتلك الدول، وقد عزَّز ذلك التقسيم من إثارة فتن وتصادم دولي وانقلابات وملاحقات بتهم واهية. 

وبرز الأمر بشكل أكثر وضوحاً بعد أحداث "11 سبتمبر" وما تلاها من إجراءات، وسمح بتشكيل قناعة عند البعض للأسف فيما يتعلق بسلم الأعداء، فصارت إيران، أو جماعة الإخوان المسلمين، وكل الحركات الإسلامية السياسية، بما فيها حماس، وحركات المقاومة الفلسطينية المسلحة، هي العدو الأول للأمة، ولا شيء يذكر عن الاحتلال الإسرائيلي.

إيران
علم إيران – صورة تعبيرية – رويترز

هل بهذا النهج من التفكير، وبذل الجهود في هذا الاتجاه يتحقق التحالف العربي الإسرائيلي؟ 

نعم يتحقق على مستوى الأنظمة الوظيفية، ولكن ضدّ مَن؟

أعتقد أن الإجابة عن هذا التساؤل هي الاستراتيجية الإسرائيلية القريبة في صناعة حلف دفاعي عربي- إسرائيلي، على شاكلة حلف الناتو العربي، وهي محاولات إسرائيلية دون كلل أو ملل، وببذل وقت طويل للوصول إلى ذلك، ولعل اجتماعات النقب المتتالية هي النواة المحتملة في التفكير.

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

أحمد بن غربي
أستاذ في القانون الدولي
أستاذ محاضر للقانون الدولي وحقوق الإنسان في جامعة زيان عاشور بالجلفة - الجزائر
تحميل المزيد