أكبر منتج للأفيون في العالم.. ماذا يعني حظر طالبان زراعة الخشخاش؟

عربي بوست
تم النشر: 2023/06/18 الساعة 07:38 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2023/06/18 الساعة 07:39 بتوقيت غرينتش
مسؤولون في حركة طالبان-رويترز

أفغانستان هي أكبر منتج للأفيون في العالم، ومصدر رئيسي للهيروين في أوروبا وآسيا. وتصاعَدَ الإنتاج على مدار العشرين عاماً الماضية رغم مليارات الدولارات التي أنفقتها الولايات المتحدة في سبيل وقف زراعة نبتة الخشخاش.

 وخشخاش الأفيون هو محصول نقدي لطالما اعتبر مصدر دخل ومعيشة للمزارعين الأفغان، خاصةً في المناطق الجنوبية، والجنوبية الغربية من البلاد، لكن محصول خشخاش الأفيون الأفغاني مساهم رئيسي في مشكلة المخدرات العالمية، حيث يتم تحويل الأفيون إلى هيروين ومواد أخرى غير مشروعة، تغذّي الإدمان والجريمة والعنف.

وحسب تقديرات الأمم المتحدة فإن أفغانستان مسؤولة عن قرابة 84% من إنتاج الأفيون في العالم في عام 2020، تلك النسبة الضخمة أنعشت خزائن الحكومة الأفغانية بحوالي 1.4 مليار دولار أمريكي.


وأعلنت حركة طالبان، التي وصلت إلى السلطة في أغسطس 2021، بعد حملة عسكرية سريعة وناجعة، مؤخراً فرض حظر صارم على زراعة الخشخاش، وكذلك على إنتاج واستخدام ونقل المخدرات الأخرى.

وصدر الحظر عن المرشد الأعلى لطالبان، هيبة الله آخوند زاده، الذي قال إنه يستند إلى الشريعة الإسلامية، ويهدف إلى حماية الشعب الأفغاني من أضرار المخدرات. كما زعمت طالبان أنها قضت تقريباً على زراعة الخشخاش في البلاد، مستشهدة بتقرير صادر عن منظمة مقرها المملكة المتحدة أشادت بجهودها.


سيدرس هذا المقال أسباب وانعكاسات حظر طالبان على زراعة الخشخاش في أفغانستان.

دوافع طالبان لحظر خشخاش الأفيون

أحد الأسئلة الرئيسية التي تطرح من حظر طالبان خشخاش الأفيون هو: لماذا قرروا القيام بذلك؟ أشار بعض المحللين إلى أن طالبان تسعى للحصول على اعتراف دولي، أو مساعدة، من خلال إظهار استعدادها للتعاون في مكافحة المخدرات، والتي كانت أحد المطالب الرئيسية للمجتمع الدولي. ومع ذلك لا تبدو هذه الحجة مقنعة، لأن طالبان لديها مصلحة في السعي للحصول على اعتراف رسمي، أو شرعية من دول أو منظمات أخرى، ولكن بشروطها الخاصة، كما رفضت أي شروط، أو أي شروط مسبقة للحوار أو المساعدة.


والتفسير الأكثر قبولاً للحظر الذي فرضته طالبان على خشخاش الأفيون هو أنها مدفوعة بالتزامها الأيديولوجي باتباع الشريعة الإسلامية، التي تحظر المسكرات والمخدرات. وقد صرحت طالبان مراراً وتكراراً بأن هدفها الرئيسي هو إقامة نظام إسلامي في أفغانستان على أساس أحكام الشريعة. كما أنها فرضت قواعد وأنظمة أخرى على مختلف جوانب الحياة الاجتماعية والعامة، مثل قواعد اللباس والتعليم ووسائط الإعلام، لذلك فإن حظر زراعة خشخاش الأفيون، الذي تعتبره خطيئة ومصدراً للفساد والشر، ينسجم مع رؤيتها للعالم وأجندتها. من خلال حظر زراعة خشخاش الأفيون، قد تأمل في تقديم نفسها كقوة مسؤولة وأخلاقية، تهتم برفاهية الأفغان وكرامتهم.

فاعلية حظر طالبان خشخاش الأفيون


السؤال الآخر الذي يطرح نفسه من حظر طالبان خشخاش الأفيون هو مدى فاعليته في الحد من الزراعة أو القضاء عليها في أفغانستان. ووفقاً لصور الأقمار الصناعية والأبحاث الميدانية التي أجراها خبراء مثل ديفيد مانسفيلد، كان الحظر ناجحاً بشكل ملحوظ في خفض إنتاج الخشخاش في معظم أنحاء البلاد. في هلمند، أكبر مقاطعة منتجة للأفيون في أفغانستان، تم تقليص مساحة زراعة الخشخاش من أكثر من 129000 هكتار في عام 2022 إلى 740 هكتاراً فقط، اعتباراً من أبريل 2023. كما أن الانخفاض في نانغارهار، وهي مقاطعة أخرى منتجة للأفيون منذ فترة طويلة، مثير للإعجاب- 865 هكتاراً فقط هذا العام مقارنة بأكثر من 7000 هكتار في عام 2022. هذا هو النمط الأوسع انتشاراً في جنوب وجنوب غرب أفغانستان. وستكون التخفيضات في محافظات أخرى مثل بدخشان محدودة أكثر، لكن هذه المناطق أنتجت أفيوناً أقل بكثير في المقام الأول.

الفرق بين الحظر الحالي والسابق

ليست هذه هي المرة الأولى التي تحظر فيها طالبان زراعة الخشخاش. في الفترة 2000-2001، عندما كانت في السلطة سابقاً، نفذوا أيضاً حظراً شبه كامل على المحصول، ما قلل من  الزراعة بنسبة 90%. ومع ذلك يبدو أن الحظر الحالي أكثر فاعلية من السابق لعدة أسباب، أولاً: فرضت طالبان الحظر بعقوبات قاسية وتدمير المحاصيل، أي شخص ينتهك الحظر سيتم تدمير حقله ومعاملته وفقاً للشريعة الإسلامية، والتي يمكن أن تشمل الجلد أو السجن أو حتى الإعدام. ثانياً: لا مصلحة لطالبان في الاستفادة من زراعة خشخاش الأفيون، لأن لديهم إمكانية الوصول إلى مصادر أخرى للدخل، مثل الرسوم الجمركية والضرائب والتبرعات أو المساعدات الخارجية. ثالثاً: تتمتع طالبان بسيطرة وسلطة أكبر على معظم أفغانستان من ذي قبل، لأنها تواجه مقاومة أو منافسة أقل من الجماعات أو الفصائل المسلحة الأخرى. رابعاً: حظيت طالبان بدعم شعبي وشرعية أكبر لحظرها أكثر من ذي قبل، لأنها صوّرته على أنه واجب ديني ومصلحة وطنية. 

تداعيات حظر طالبان خشخاش الأفيون


والسؤال الأخير الذي يطرح نفسه من حظر طالبان لخشخاش الأفيون هو: ما هي آثاره على أفغانستان والعالم. وفي حين أن الحظر قد يبدو تطوراً إيجابياً في مجال مكافحة المخدرات والأمن العالميين، إلا أنه قد تكون له عواقب سلبية على الاقتصاد والمجتمع الأفغاني، فضلاً عن الاستقرار الإقليمي والدولي.
بالنسبة لأفغانستان، سيكون للحظر تأثير مدمر على سبل عيش ودخل ملايين المزارعين والعمال الذين يعتمدون على زراعة خشخاش الأفيون. وسيؤثر الحظر أيضاً على قطاعات الاقتصاد الأخرى المرتبطة بإنتاج خشخاش الأفيون، مثل النقل والتجارة والخدمات. وسيؤدي فقدان الدخل وفرص العمل إلى تفاقم الحالة الاقتصادية المتردية أصلاً في أفغانستان، التي تواجه أزمة إنسانية حادة بسبب الجفاف والصراع والتشريد والعقوبات. ووفقاً للأمم المتحدة، فإن أكثر من نصف الأفغان بحاجة إلى مساعدات إنسانية، وأكثر من ثلثهم يواجهون انعداماً حاداً في الأمن الغذائي.
كما سيكون للحظر تداعيات اجتماعية وسياسية على أفغانستان. فقد يؤدي إلى زيادة الفقر، وعدم المساواة، والاستياء بين المجتمعات الريفية التي تعتمد على زراعة خشخاش الأفيون. كما قد يؤدي إلى استياء ومقاومة ضد طالبان بين بعض شرائح المجتمع الأفغاني، التي تعتبر حظرها قمعاً أو ظالماً.

 
ولذلك، ينبغي للعالم، ولا سيما البلدان الغنية والمتقدمة، أن يدعم هذه المبادرة الجريئة والمثيرة للإعجاب من جانب طالبان. لا ينبغي لها تقديم الدعم المالي للحكومة الأفغانية فحسب، بل يجب عليها أيضاً رفع جميع العقوبات المالية المفروضة عليهم. 
وبالنسبة للعالم، لن يقلل الحظر بالضرورة من مشكلة المخدرات العالمية أو الطلب على الهيروين، في الواقع قد يزيده عن طريق خلق نقص في العرض ورفع الأسعار، ما قد يحفز البلدان أو المجموعات الأخرى على سد الفجوة أو زيادة الإنتاج. كما أنه قد يحول مسارات المخدرات والأسواق إلى مناطق أو بلدان أخرى، ما يخلق تحديات أمنية وصحية جديدة. على سبيل المثال، اقترح بعض المحللين أن إيران قد تصبح مركزاً رئيسياً لعبور الهيروين من آسيا الوسطى إلى أوروبا أو إفريقيا.
في الختام، يعتبر حظر طالبان زراعة الخشخاش في أفغانستان خطوة جريئة وجديرة بالإعجاب. وينبغي للمجتمع الدولي ألا يتجاهل الحظر أو يدينه دون النظر في مزاياه وآثاره، بل ينبغي أن يدعم طالبان وأصحاب المصلحة الآخرين، وأن يتعاونوا معهم لإيجاد حل مستدام وإنساني لمشكلة المخدرات في أفغانستان. إن حظر طالبان زراعة خشخاش الأفيون ليس انتصاراً لمكافحة المخدرات، ولكنه قضية معقدة تستحق الاحترام والحوار.

أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال مقالاتكم عبر هذا البريد الإلكتروني: [email protected]

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

علامات:
ألطاف موتي
باحث اقتصادي باكستاني
عضو اللجنة الدائمة للمسؤولية الاجتماعية للشركات، واتحاد غرف التجارة والصناعة الباكستانية كراتشي، باكستان. باحث سياسي واقتصادي، ومستشار الهيئات التجارية الحكومية وغير الحكومية، ورئيس شبكة التعليم في باكستان.
تحميل المزيد