رسالة إلى الجامعة العربية بعد إعادة سوريا.. العالم لن يعود إلى ما قبل 2011!

عربي بوست
تم النشر: 2023/05/21 الساعة 07:56 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2023/05/21 الساعة 08:06 بتوقيت غرينتش
موقف الدول العربية حول عودة العلاقات مع سوريا وإعادتها إلى الجامعة العربية ينقسم إلى 4 أشكال، تعبيرية/ AA

من الأحداث التي تفرض نفسها على أي مهتم بالشأن العام، الإعلان عن عودة سوريا إلى جامعة الدول العربية اعتباراً من 7 مايو/أيار 2023 (أعلن عن ذلك مجلس الجامعة إثر اجتماع استثنائي على مستوى وزراء الخارجية)، بعد أكثر من 11 سنة على تعليق عضويتها إثر القمع الدموي للاحتجاجات المعارضة حينها، وفي بيان الإعلان شرح المجلس مقاربته الجديدة للأزمة السورية والتي ترتكز على:

1. ضرورة اضطلاع الجامعة بدور قيادي في جهود حل الأزمة.
2. معالجة آثار الأزمة السورية، خاصةً ملفات: اللجوء، الإرهاب، المخدرات.
3. ضرورة إيصال المساعدات الإنسانية لكل محتاجيها في سوريا.

4. تشكيل لجنة لحوار مباشر مع الحكومة السورية بهدف الوصول إلى حل شامل، وطبعاً رحب البيان بـ"استعداد" سوريا للتعاون!

طموحات الجامعة العربية

من لغة البيان يظهر أن محرريه غرباء في الزمان والمكان، فما زالوا يستعملون مصطلحات ضخمة رنانة (من قبيل كبَّدوا العدو خسائر فادحة، وعادوا إلى قواعدهم سالمين) لا تعكس الواقع، فلا الجامعة تملك إمكانية فرض نفسها، لأسباب عدة، أقلها تشتت الصف وتعدد القوى المؤثرة على الأرض، ولا الزمن الذي نعيشه يتيح إمكانية التدليس على الناس مع الوعي الكبير للشعوب بقضاياها وسرعة وسهولة وصولها إلى المعلومة. وبمسح سريع لمحاور البيان الرئيسية نجد:

  1. على الأرض تسيطر قوى مختلفة (إقليمية وعالمية) وبأهداف متباينة، فنجد روسيا بدعمها العسكري القوي للنظام القائم تعلم أنها السبب الأول لبقاء الأسد في قصره وتنتظر جائزتها (وهي رغبتها التاريخية في الوصول إلى المياه الدافئة)، ولا أظنها ستتخلى عنها. الشيء نفسه يقال عن إيران وإن كان حضورها دافعه طائفي أساساً (وهذا أخطر)، وهي موجودة بميليشياتها المتعددة وتمثل الآمر الناهي في مناطق سيطرة الأسد؛ إلى جانبهما نجد الولايات المتحدة التي توفر الرعاية والحماية لقوات كردية من جهة وتوجد وتضغط عبر المؤسسات العالمية مالية كانت أو سياسية؛ ثم نجد تركيا التي تسيطر على مناطق حدودية واسعة، ولا ننسى قوى المعارضة المسلحة التي تسيطر بدورها على الأرض. أمام هذه الفسيفساء لا أفهم كيف يتصور قادة الجامعة (التي لا تملك حتى حرية إصدار بيانات التنديد كما في ستينيات وسبعينيات القرن الماضي)، أن بإمكانهم تجاوز كل هذه القوى وفرض حلولهم وخياراتهم على الأرض؟!
  1. ملف اللاجئين: مع اختلافات بسيطة في التفاصيل يقدر عدد الفارين من بطش النظام بأكثر من نصف الشعب السوري، نجد منهم مليوني لاجئ في لبنان، ونحو 1.3 مليون في الأردن، وأكثر من 3.5 مليون لاجئ في تركيا، يضاف إليهم الذين لجؤوا بأعداد أقل وتفرقوا بين مختلف الدول (تسجل الأمم المتحدة نحو 830 ألف لاجئ لديها)، فمع هذا العدد الهائل للاجئين وفي وجود نظام دموي لم يحدث فيه أي تغيير (الأشخاص أنفسهم وثقافة الحكم نفسها) يحاول فقط الإفلات من العقاب والمساءلة، من الحمق أن يعتقد عرابوا صفقة التطبيع أن عودة اللاجئين ستكون ممكنة وآمنة وأن لا خوف عليهم من خطر التصفية أو الاعتقال!

والظاهر أن ممثلي الأسد كانوا أذكى بفرضهم ملف اللاجئين (متجاوزين ملف المعتقلين السياسيين الذين يقدرون بأكثر من 100 ألف، وملف المفقودين غير المعروف عددهم بدقة)، فهو بهذه الصيغة لا يعدو إلا أن يكون ورقة ضاغطة يستعملونها بهدف تسريع ملف الحصول على أموال إعادة الإعمار.

  1. ملف الإرهاب والمخدرات: وهذا أكثر الملفات تعقيداً فكل طرف يفسر الإرهاب بطريقته، فممثلو الجامعة يهدفون من خلاله إلى فتح ملف الوجود الإيراني وميليشياته وحتى الوجود الروسي بقواته النظامية أو غيرها، بينما النظام الطائفي فالإرهابي في مفهومه هو كل رافض لسلطته وقمعه، وبالنسبة لأمريكا فهي أي مجموعة ذات توجه إسلامي (خاصةً إن كانت مسلحة)، وبالنسبة لتركيا فهي المجموعات الكردية المسلحة (لا تستثني منها المحميات الأمريكية)، فبهذا المنطق الكل إرهابي والكل يكافح الإرهاب!.ط وبالمنطق نفسه نجد قضية المخدرات التي يتهم بها النظام السوري (يتهمون تحديداً ماهر، شقيق بشار، بتيسير إنتاج مخدر الكبتاغون والاتجار به)، أكثر تعقيداً فمن جهة، الرسميون ينفون هذه التهمة جملة وتفصيلاً، ومن جهة ثانية هي مصدر أساسي لتمويل النظام مع الحصار المطبق للدول الغربية من جهة والانهيار التام للاقتصاد السوري من جهة ثانية، فهذا التناقض في المفاهيم وبحاجة النظام المُلحة لأموال المخدرات لا يتصور عاقل أن يُحل هذا الملف بمعزل عن المشكل الأساس وهو طبيعة النظام السياسي وخلفيته الطائفية.
  1. ملف المساعدات: لأكثر من 10 سنوات عانى أكثر من نصف الشعب السوري في مخيمات اللجوء، وذاقوا كل أنواع القهر والحرمان، وعوملوا حتى بعنصرية مقيتة من بعضهم في بعض دول اللجوء، وجاء الزلزال ليضاعف معاناتهم، والأهم يكشف من جهةٍ الصورة المجحفة والتمييز الظالم بمنع المساعدات عن المتضررين في مخيمات اللجوء واستحواذ الأسد وزبانيته عليها، ومن جهة ثانية تمييز الغرب المنافق بين المتضررين من الزلزال بتركيا وسوريا، في أجواء الريبة والشك هاته كيف يتصور عاقل أن تصل المساعدات المتوقعة إلى مستحقيها؟!
  1. الحل في الحوار: طرح موضوع الحوار كأسلوب حضاري للتوصل لحل نهائي للأزمة السورية هو أغرب ما قرأته في البيان، فلا قادة الدول التي تبنت التطبيع ولا نظام دمشق يعرف معنى الحوار أصلاً، وكل تصورهم حوله لا يتجاوز الإملاء باستعمال الرشاش (ثقافة ما أريكم إلا ما أرى)، فلو كان الأسد يؤمن بالحوار أصلاً لما قُتل نصف مليون سوري أو أكثر، ولما دُمر البلد وهُجر أبناؤه، ولما سيطرت قوى خارجية عليه، ولا نتحدث عن مئات الآلاف من المعتقلين بسبب آرائهم ولا عن الانهيار الاقتصادي، والشيء نفسه نقوله عن باقي القادة مع شعوبها مع فوارق بسيطة. 

 حقيقة الوضع

على الرغم من اقتناعي بأن التطبيع مع نظام الأسد لن يكون له أثر كبير على الشعب السوري ومعاناته على المدى القريب ولا المتوسط، فإنه يمكن تفسير ما حدث بمجموعة النقاط التالية: 

  1. يمكن تصنيف دول التطبيع إلى صنفين: الأول تلك القريبة من "المحور الروسي-الإيراني" والتي لم تتوقف عن السعي والمرافعة لصالح نظام الأسد من أول يوم في إطار محاولات إنقاذه، وفك عزلته وتخفيف الحصار وهذا ليس غريباً، المفاجأة صنعها محور "أمريكا/دول الخليج" بقيادة السعودية التي يظهر أنها انقلبت تماماً عن محددات سياساتها وخطوطها الحمراء التي عرفت بها (السعودية تاريخياً عرفت بالحذر والتحفظ منذ عهد الملك المؤسس)، بمواقفها الجديدة (من إيران، الأسد، المرجعية الدينية، طلبات أمريكا) تكون القيادة السعودية قد غيرت جذرياً سياساتها في المنطقة للمرة الثانية بعد مفاجآت 2015 والذي لجأت فيه للقوة (داخلياً) وإلى الحروب (خارجياً)، وجاء التطبيع مع إيران أساساً، والظاهر من نتائجه جاءت حلحلة ملفات الضغط العالقة التي تتبعه (سوريا، اليمن، لبنان، العراق.) 
  1. إعلان أمريكا رفضها تسليم مقعد سوريا للأسد يشير ربما إلى تطور مهم يتمثل في محاولة قادة الجامعة الاستقلال والخروج عن السيطرة الأمريكية، أو ربما هي فقط مناورة للضغط للحصول على شروط أحسن في صفقات أخرى تجرى في الظلام. ومما يلاحظ على هذه المناورة أنها:
  • تزرع بذور الشك والريبة وتُفقد الدول والمنظمات (حليفة كانت أم عدوة) الثقة بدول التطبيع وقادتهم (سرعة انقلابهم على سياساتهم).
  • تجلي عبقرية صانع السياسة الأمريكية في فتحه مجالاً للمناورة عبر تصريح الناطق الرسمي باسم وزارة الخارجية: نعتقد مع ذلك أن الشركاء العرب يعتزمون استخدام التواصل المباشر مع الأسد للضغط من أجل حل الأزمة السورية التي طال أمدها وأن واشنطن تتفق مع حلفائها على "الأهداف النهائية" لهذا القرار.
  1. الدول العربية الخارجة عن هذين المحورين في هاته القضية دوافعهم مختلفة من موقفهم الرافض لعودة نظام بشار (مثل قطر واليمن)، فإذا كان الموقف القطري يُقدم على أن منطلقه أخلاقي (رفض مبدئي لنظام بشار الطائفي الملطخ بدماء شعبه). فإن الموقف اليمني الرسمي أجده غير جاد ولعبة مكشوفة لا يتعدى محاولة تحسين موقف السعودية التفاوضي أمام إيران على اعتبار أن السلطة اليمنية المعترف بها دولياً وجودها على الأرض محدود، وأن ميليشيا الحوثي المسيطرة واقعياً تتعامل من أول يوم بخلفية طائفية ودعمت نظام بشار حتى عسكرياً في حربه على الشعب السوري. 
  1. يمكن تفسير تسارع الأحداث في هذا الاتجاه أيضاً برغبة وضغط صينيَّين لتهيئة الظروف الملائمة لإنجاح مشروع تشكيل محور "صيني-عربي" (في ظاهره اقتصادي) كثر عنه الحديث مؤخراً، من مظاهره بروز الصين كراعٍ للتقارب السعودي-الإيراني، وطلب دول عربية وازنةٍ الانضمام إلى منظمة بريكس، وكثافة المشاريع الاقتصادية المغرية التي تعرضها الصين على الدول العربية. وهي ربما من العلامات الصغرى المبشرة بتشكل نظام دولي جديد.

أخيراً.. نقول إنه مهما كانت التحاليل بعيدة أو قريبة، فإن الحقيقة الوحيدة هي أن الشعوب العربية انتفضت ولا تزال منتفضة، ومن المستحيل أن ترجع إلى وضع ما قبل 2011، ولن تقبل إلا بتحقيق مطالبها بالحرية والكرامة، وممارسة حقها في اختيار من يحكمها، ومراقبة توزيع ثرواتها. وهذا هو لب المشكلة وحقيقتها التي يراد لها أن لا تظهر.

أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:[email protected]

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

لكحل رابح
مهندس جزائري في مجال الإلكتروتقني، ومدون مهتم بالشأن السياسي
مهندس جزائري في مجال الإلكتروتقني، ومدون مهتم بالشأن السياسي
تحميل المزيد