“هكذا تكلم زرادشت”.. الكتاب الذي فتح أبواب العنصرية والاستعمار

عربي بوست
تم النشر: 2023/03/27 الساعة 12:33 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2023/04/03 الساعة 12:24 بتوقيت غرينتش

"هكذا تكلم زرادشت"، هو كتاب للفيلسوف الألماني فريدريك نيتشه، ولقد تم تطويعه ليسهم في فصل الإنسان عن الدين. ليس هذا فحسب، إنما استغل الفكر الأوروبي المهووس آنذاك بفكرة فصل الكنيسة عن الدولة، استغل أفكار نيتشه لمحو أي تأثير للإله في حياة الإنسان من خلال فكرته الرئيسية المسماة "موت الإله" و"الإنسان الأعلى".

يقوم مفهوم "الإنسان الأعلى" الذي دعا له نيتشه إلى محو تأثير الإله على حياة البشر، وهو، في أحد أوجهه، تجلٍّ صارخ لجوهر النظام الأوروبي الذي نشأ في القرن الـ19 وتبلور في القرن العشرين، القائم على الغطرسة والهيمنة على غالبية سكان الأرض.

العنصرية في ثوبها النازي أحد أكثر الأمثلة وضوحاً على استغلال أفكار نيتشه لتغذية خطاب سياسي متطرف، ونظام قمعي يعمل من خلال الهيمنة على البشر والتفريق بينهم، مع تغذية آلة القتل وشحذ معنوياتها من خلال تمجيد العرق الآري.
فكان كتاب نيتشه، "هكذا تكلم زرادشت"، أشبه بالكتاب المقدس عند النازية وقادتها وقاعدتها الاجتماعية، وكان يتم تلقين وتحفيظ أفكاره ورموزه ومفرداته.

العنصرية العرقية في أمريكا وتقييم الإنسان على أساس اللون من خلال تلقيب الأسود بـ"الزنجي" وتسخيره لخدمة الإنسان الأبيض وامتهانه وإذلاله وحتى تعذيبه من دون اعتبار لأي وازع إنساني، فالأبيض يرى نفسه "الإنسان الأعلى"، وهو الأحق بالأرض وخيرها، وغيره مسخر لخدمته لا شراكته. من ذات المنطلق، نبتت تبريرات حداثية لاحتلال البلدان ونهب خيراتها بأشكال شتى.

"هكذا تكلم زرادشت"

عودة إلى كتاب "هكذا تكلم زرادشت"، ألا يذكرنا فكر نيتشه وتأثيره الكبير على المجتمعات الأوربية، بانتشار رؤى وأفكار متطرفة استعانت بها الجماعات الإرهابية المتطرفة مثل "القاعدة" و"داعش" وغيرها في التأثير في المجتمعات العربية الإسلامية، على وجه الخصوص.

الفيلسوف الألماني فريدريك نيتشه – flickr


كل جماعة تظن نفسها الأجدر بالحياة، وأنها تحقق خلافة الله على الأرض من خلال تطبيقها الدين بالقوة وحد السيف، وجميعها تستعين بأفكار مُنظِّريها الذين يتقاربون إلى حد بعيد ليجتمعوا على كلمة سواء من التطرف والإرهاب، فأي الأفكار تقدم الوصفة السحرية الأمثل للتغلغل في عقول الناس يتم اعتمادها لتحقيق التطرف التام في الدين تحت مسمى الجهاد.

هل نيتشه بريء من تهمة نفي وجود الإله، وهي تهمة لما ترتب عليها من نظم سياسية عنصرية وجرائم في حق الإنسانية، ألم يقتل نيتشه أخلاق الرحمة والشفقة والإيثار التي تدعو لها الأديان، ليقدم لنا الإنسان المتغطرس والعنصري والفاقد للمثل والاعتبارات الإنسانية كمثال يحتذى به؟

في الحقيقة من قرأ كتاب نيتشه "هكذا تكلم زرادشت"، سيتضح لديه أن نيتشه قدم رؤية لعصر التنوير الذي فرض نفسه في تلك الحقبة التي لغت تأثير الدين والكنيسة، واستعرضه بالثراء الأدبي الذي تميز به باعتباره متخصصاً في مجال اللغة، فهو أديب وناقد ساخر أكثر منه فيلسوفاً، وقد قدم مقالته "حكاية الرجل المجنون" الذي حاكى تأثير موت الإله على تفشي العدمية كنذير سوء من البحث اليائس عن الإله في مجتمع أخذ يتجه صوب العدمية وإلغاء كل ما هو أخلاقي وقيمي أو فيزيائي غير منظور بعد، وذلك بعقلنة كل شيء في الحياة من قانون واقتصاد وصناعة ومجتمع، وليكون العلم هو البديل عن الإله (١).

فنيتشه غير المؤمن بالإله عدّ هذه الانتقالة خطوة شجاعة لكنه رغم ذلك عبر عنها في حكايته "الرجل المجنون" كمعضلة في مجتمع يقوم بانتقالة أيديولوجية خطرة تنبئ بانعدام المعنى وخلق حالة من الفراغ.

يتضح من ذلك أن نيتشه غير بريء، لكنه في نفس الوقت غير مسؤول تماماً عن العنصرية والغطرسة التي تميز بها الفكر الأوروبي بشكل خاص، فأفكاره مشتتة متذبذبة تارة تدعم الفكر المتبلور آنذاك وتقوي من أزره، وتارة أخرى تحذر من عواقبه بشكل يجعلنا نتساءل: ماذا يريد نيتشه بالضبط؟!

أما فكرة تكريس كتاباته لتكون شذرات تأريخية مقدسة ينبني عليها الفكر الغربي فتلك مبالغة مقصود منها استدعاء المواد التأريخية بكتاباتها وكتابها، ثم اجتزاؤها لتلائم واقعاً يحاولون فرضه، حتى تصبح فيما بعد قناعات راسخة لا تقبل النقاش.

في كل زمان ومكان يتم استدعاء التاريخ ثم اجتزاؤه ومن ثم تحريفه ليلائم واقعاً يحاولون فرضه، لتصبح فيما بعد قناعات راسخة لا تقبل النقاش.

أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:[email protected]

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

زينب أحمد
كاتبة ومدونة عراقية
كاتبة ومدونة عراقية
تحميل المزيد