قد نشعر بالرعب والذعر عندما نسمع بأن الحرب العالمية على الأبواب، ولكن يبدو أن ما كان خيالاً في الأمس قد يتحول إلى حقيقة في الغد القريب.
الأخطر من هذا هو أن تتحول هذه الحرب إلى حرب نووية شاملة بين القوى العظمى التي تمتلك المخزون الأكبر من الأسلحة النووية. علينا ألا ننسى بأن تحييد اليابان ودفعها نحو الاستسلام في أربعينيات القرن الماضي كان عبر قصف مدنها بقنبلتين نوويتين دمرتا وقتلتا عشرات الآلاف من الأبرياء.
الفرق بين الاستخدام الأول للقنابل النووية والوضع الحالي يكمن في أنّ اليابان لم تكن تمتلك سلاحاً نووياً لتنفيذ عمليات مضادة، والاختلاف الثاني هو في القدرة التدميرية للقنابل النووية التي استخدمتها الولايات المتحدة ضد اليابان والتي جاءت مباشرة بعد "مشروع مانهاتن" لتصنيع السلاح النووي.
وإذا ما أردنا أن نعكس نتائج هذه الاختلافات على واقعنا الحالي علينا القول بأن القوى الكبرى المتصارعة اليوم في أوكرانيا تمتلك ترسانة نووية تستطيع أن تدمر العالم كله، إن حدوث حرب نووية بين الولايات المتحدة وروسيا قد يعني انقراض الحياة (البشرية وغير البشرية لملايين السنوات) خصوصاً إذا ما علمنا بأنّه وفقاً لإحصائيات صدرت في 2022 فإنّ روسيا تمتلك حوالي 5977 من الرؤوس النووية الحربية، مقارنة بـ 5428 التي تمتلكها الولايات المتحدة، وفقاً لاتحاد العلماء الأمريكيين.
وأما عن القدرة التدميرية فقد طورت الولايات المتحدة والاتحاد السوفييتي (قبل انهياره) وروسيا (خليفة الاتحاد السوفييتي) السلاح النووي لتصبح قدرته التدميرية عشرات بل ومئات أضعاف القنبلة النووية التي ألقيت على هيروشيما وناغازاكي، واحتمالية خوض مواجهة كلاسيكية بين القوى العظمى يعني أضعاف أضعاف الخسائر البشرية والمادية للحرب العالمية الثانية.
لقد أثبتت الحرب الأوكرانية بما لا يدع مجالاً للشك بأنّ الولايات المتحدة تفتقد للاستراتيجيات الدفاعية في التعامل مع الملفات الحياتية التي تهدد أمنها القومي. فإذا ما نظرنا إلى العراق وعملية الاحتلال وإسقاط الدولة العراقية وحل جيشها هناك، يتضح فقدان الرؤية العملية للولايات المتحدة الأمريكية في العراق. فحل الجيش نتج عنه ظهور الجماعات المتشددة وعملية الاحتلال في المقام الأول دفعت إلى ظهور مقاومة عراقية لهذا الاحتلال وضرب القوة الناعمة للولايات المتحدة والتي كانت تدّعي نشر الديمقراطية والحرية شعاراً لتبرير الحرب.
في أفغانستان لم تستفِد الولايات المتحدة من الخسائر التي تكبدها الاتحاد السوفييتي هناك والتي أدت بشكل مباشر وغير مباشر إلى انهياره، بل على العكس ذهبت إلى الاتجاه المعاكس وارتكبت نفس خطأ الاتحاد السوفيتي وانخرطت في الصراع الأفغاني. وبعد خروجها من هناك ها هي مرة أخرى تسعى إلى إسقاط الحكومة الفعلية ودفع البلاد إلى الفوضى من جديد.
في الملف الأوكراني، ما من أحد يشك في التفوق الأمريكي-الأوروبي على روسيا في الأيام الأولى للحرب، إذ إن الجميع بما فيهم المخابرات الأمريكية لم تتوقع أن يصمد الجيش الأوكراني أكثر من أسبوعين في مواجهة الجيش الروسي. ولكن هذا التفوق اليوم تحول إلى خسارة محضة على المستوى الاقتصادي والعسكري. إن الدعم اللامحدود لأوكرانيا في الحرب (التي يعلم الغربيون جيداً بأنه لا خاسر فيها ولا رابح) ساهمت بزيادة الضغوط على الشعوب الأوروبية التي تخرج اليوم شعوبها (في بريطانيا وبلجيكا وفرنسا وألمانيا على سبيل المثال) بشكل شبه يومي احتجاجاً على الركود الاقتصادي والتضخم. وأما على المستوى العسكري، فيبدو بأن الغرب يتحضرّ لمعركة الصيف والتي يرغبون من خلالها بهزيمة الجيش الروسي وإجباره على التراجع والتنازل.
إن حُمّى تحقيق خرق عسكري ضد روسيا وضد بوتين بالذات دفعت الدول الغربية إلى اتخاذ خطوات تصعيدية عجيبة تمثلت بتعهد وزارة الدفاع البريطانية بتزويد أوكرانيا بذخائر خارقة للدروع بها يورانيوم منضب إلى جانب شحنة دبابات "تشالنجر-2". هذا السلاح النوعي الذي أثار غضب الروس على مختلف المستويات ودفع بوتين على ما يبدو إلى إرسال أسلحة نووية تكتيكية إلى بيلاروسيا لتغير قواعد المواجهة في القريب العاجل.
ختاماً، تشير التقديرات الأمريكية إلى أنه لا مؤشرات على نية روسيا استخدام ترسانتها النووية، إلا أنه علينا التذكير بأن أغلب الحروب الكبرى بدأت بسوء تقدير وأخطاء صغيرة للغاية وفي التاريخ عبرة لهذه الدول فقتل وريث عرش النمسا والمجر الأرشدق فرانز فرديناند وزوجته صوفي أشعل فتيل الحرب العالمية الأولى ودفع القوى العظمى إلى الانخراط في أقسى الحروب وأشدها بشاعةً.
إن التحلي بالعقلانية السياسية ومحاولة إيجاد حلول سلمية للأزمة في أوكرانيا هو السبيل الوحيد للحيلولة دون الوقوع في نار جهنم، ونشر الأسلحة النووية التكتيكية وتزويد الحلفاء بقنابل وذخائر يورانيوم منضب لن يساهما في الحل بل سيدفعان إلى حرب نووية لا تبقي ولا تذر.
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.