يتواصل الحراك الثوري المطالب بالديمقراطية والحكم المدني في السودان، وما تزال أصوات الثوار المتظاهرين في بلادي تتعالى من حين لآخر وتجهر بهتافات الثورة ضد انقلاب البرهان الذي وقع صباح 25 أكتوبر/تشرين الأول 2021. وما تزال مواكبهم السلمية الرافضة للحكم العسكري تواجَه بالذخيرة الحية، حتى أضحت مسلسلاً تتواصل حلقاته بلا انقطاع أو توقف أو حتى تغيير في آليات هذه الجهات المسؤولة بطرق أخرى بعيداً عن أساليبها المعروفة.
على الرغم من ذلك وسقوط القتلى الذين فاق عددهم 125 شهيداً، وفقاً لآخر إحصائية أفادت بها التقارير الطبية للجنة "أطباء السودان المركزية" غير الحكومية.
أما بخصوص الحادثة المفجعة التي هزت نفوسنا جميعاً إزاء قتل المتظاهر الطالب إبراهيم مجذوب من قبل ضابط شُرطة بكامل زيه الرسمي، عندما صوَّب سلاحه بصورة مباشرةً إلى صدر هذا الطفل ليرديه قتيلاً قبل أن يفر من موقع الجريمة كأن شيئاً لم يكن.
بخصوص ذلك الحادث، أصدرت الشرطة السودانية بياناً هزيلاً مستفزاً خلق ألف سؤال، إذ قالت: "إن أحد منسوبيها تصرف بشكل فردي وبسلوك شخصي..".
وبدلاً من إدانة الحادثة أدانت سلوك الثوار ووصفت حراكهم بالفوضى والخراب!
جريمة "إعدام" الطفل الشهيد إبراهيم مجذوب ليست حدثاً عابراً ويجب أن لا تمر مرور الكرام. فهي جريمة بشعة موثقة بالفيديو لا تجد عاقلاً يبرر لها إلا شرطتنا التي تأسف لمقتل من قتل على يد منتسبيها، وترسل التهديدات للتخويف.
هل حاولت لجان المقاومة تغيير أفكارها وخُططها لإسقاط الانقلاب؟
ويقيناً لن تلين أو تنكسر إرادة الشباب في سبيل العيش بكرامة في وطن حر لا تحكمه قبضة عسكرية بعد اليوم، وقناعتي الراسخة لن يتراجع الثوار عن مطالب في سبيلها مهرت التضحية.
لكن، هل حاولت لجان المقاومة تغيير أفكارها وخُططها لإسقاط الانقلاب؟
ظلت اللجان تُغير من أدواتها وتحدث آليات مقاومتها السلمية، سواءً بسلاح الإضرابات السياسية والاعتصامات والمخاطبات الجماهيرية وغيرها إنزالاً للقواعد بالأحياء والميادين العامة حتى تبلورت هذه الخطوات إلى مرحلة تأسيس ميثاق سياسي مفصل الأبواب واضح الرؤى دشن في بداية شهر أكتوبر/تشرين الأول 2022، وتلك أول وثيقة طرحت إعلانها السياسي منبثة من مسودة الاتفاق الذي طرحته.
كما اتفقت عليه جُل تنظيماتها وقدمت أفكاراً جديدة للمجتمع المحلي والدولي. لكن إصرار القوى السياسية على التماهي وإهمال خطواتها هو ما أخّر طريقها إلى النور. وإن كان هذا لا يعد كونه فشلاً بقدر ما يؤكد إصرار الشارع على تمسُّكه بمطالب الثورة والمضي بها دون التراجع، وإن كان هناك لوم يلقى، فإننا نلوم قوى الثورة متمثلة في "قوى الحرية والتغيير" ونعيب عليها بأنها لم تعطِ لأمر الميثاق أي أهمية.
خاصة في مسألة عدم الجلوس مع من يقودون المواكب ميدانياً ويحركون لهب الثورة كلما هدأت الموجة وتطاول العسكر سواءً بالقمع والاعتقالات السياسية وإسكات الأصوات الحرة في الداخل والخارج.
وهذه كلها أدوات تستخدمها سلطة العسكر لإسكات الناس، وهي آخر كروتها في محاولة لإلجام صوت الشارع وإطالة أمد حكمهم للبلاد، لكن لن تنكسر إرادة الناس في سبيل المطالبة بالحرية والحكم المدني الديمقراطي، ولن يقف هذا المد المستمر وإن تغيرت الأدوات.
لو عدنا للسؤال عن موقف قوى الثورة اليوم من حراك الشارع وعنف السلطات، في ظل حالة فقدان عدم التوازن الكبير وحالة التناقض نجد أن الجميع يتمسك، لكن النتائج حصيلة أرواح مستمرة في الارتفاع، فلماذا تصر الأحزاب السياسية على البقاء في مأزقها، دون أن تتخذ أية مواقف ثورية في الوقت الذي يستمر فيه بطش السلطة العسكرية؟!
بأي منطق تستمر عملية سياسية لا تعمل على إصلاح هذا الوضع وتوقف قتل الأبرياء، ما الفائدة منها وما الذي تترجاه قوانا السياسية من ورائها.
إن أكبر خطأ ظلت تقع فيه (قحت) هو إفراطها الزائد في مغازلة العسكريين والتعايش مع وعودهم. وإن كانت القوى السياسية صادقة وجادة، فلماذا تتعامل مع الشارع بسلوك استفزازي وتتخذ مواقف باردة تجاه قضايا ساخنة سخونة الدم المسال في شوارع السودان.
أليس من الهزل في الوقت الذي ما تزال فيه قوات السلطة العسكرية على حالها الأعوج، أن يحدثنا البعض عن مستقبل الرجلين معهم في حكومة الثورة القادمة لحماية التحول الديمقراطي؟
من غير المعقول أن يستمر القتل ويحدثنا البعض عن رهاناته مع من يراوغ، فالأرواح أغلى من عامل الوقت الذي تراهنون عليه.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:[email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.