“الاغتيال الاقتصادي للأمم”.. كيف تقوم أمريكا والشركات الكبرى بالسيطرة على ثروات العالم؟

عربي بوست
تم النشر: 2023/01/11 الساعة 11:05 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2023/01/16 الساعة 07:42 بتوقيت غرينتش

"هناك طريقتان لاستعباد أمة ما؛ الأولى بالسيف، والثانية من خلال الديون".

– جون آدمز، الرئيس الثاني للولايات المتحدة الأمريكية (1797 – 1801)  

يناقش كتاب "الاغتيال الاقتصادي للأمم" دور الولايات المتحدة الأمريكية والشركات الكبرى متعددة الجنسيات والمؤسسات الدولية في تقزيم دول العالم والسيطرة عليها للاستيلاء على ثرواتها ومواردها، وذلك لتحقيق سطوة الولايات المتحدة وانفرادها بالقوة المطلقة والسيادة من خلال إغراق الدول بالديون أو من خلال الاغتيالات والانقلابات في حالة مقاومة مشروعهم. ويسرد جون بيركنز رحلته كقرصان اقتصادي ودوره في إيقاع العديد من البلدان في فخ الاستدانة.

اتفاقية البداية

بدأ الأمر باتفاقية بريتون وودز (Bretton Woods Agreement)، وهي اتفاقية يفترض أنها تهدف إلى استقرار الاقتصاد العالمي بعد الحرب العالمية الثانية، وذلك من خلال تثبيت أسعار الصرف أمام الدولار مُقابل ربطه بالذهب، ليتحول الدولار من عملة محلية إلى عملة احتياطيات دولية. وهنا وعدت الولايات المتحدة بتحويل أي دولار تجلبه البنوك المركزية في البلدان الأخرى إلى ذهبٍ، بمعدل 35 دولاراً للأونصة، ويجري تداول العملات الأخرى بأسعار صرف ثابتة مقابل الدولار. ولقد ترتب على هذه الاتفاقية مجموعة من النتائج، منها:

  • تأسيس البنك الدولي 
  • تأسيس صندوق النقد الدولي

لقد أغرقت الدولارات الأمريكية الأسواق العالمية، ومع تزايد مخاوف الدول بشأن استقرار الدولار، بدأت دول كثيرة تطالب بالذهب مقابل حيازاتها من الدولار. وقد أدى ذلك إلى أن الولايات المتحدة أصبحت عُرضة لخسارة كامل احتياطاتها من الذهب، وقد بَدا ذلك مُمكناً في أواخر عام 1971، عندما بدأت دول أخرى في المطالبة باستبدال مئات الملايين من الدولارات بالذهب، فلجأ الرئيس الأمريكي السابق ريتشارد نيكسون بفك الارتباط بين الذهب والدولار؛ مما أحدث ما سُميَ بـصدمة نيكسون.

فرضت الولايات المُتحدة الأمريكية هذا النظام على كافة دول العالم، مَرَّة بإغراق الدول بالديون تحت ذريعة تقديم القروض والمساعدات لدول العالم الثالث، والقضاء على الفقر والمجاعات بهذه الدول، ومَرَّة أخرى بالقوة المُتمثلة في رد نيكسون قائلاً: "عندما تخسر عليك أن تغير من قواعد اللعبة".

يُخبرنا جون بيركنز في كتابه أنه كان قرصاناً اقتصادياً، وقراصنة الاقتصاد هم خبراء محترفون مهمتهم أن يحصلوا على ملايين الدولارات من دولٍ شتى في جميع أنحاء العالم. يحولون المال المُوجه لمساعدات الدول من المنظمات الدولية التي تقدم القروض والمساعدات مثل صندوق النقد الدولي والبنك الدولي إلى خزائن الشركات الكبرى، ومن هنا ظهر مفهوم الكوربوقراطية، وهي "مصطلح حديث يُستخدم للإشارة إلى نظام اقتصادي سياسي تسيطر عليه  الشركات أو مصالح الشركات، وغالباً ما يستخدم على أنه مصطلح لوصف الوضع الاقتصادي في الولايات المتحدة".

الكوربوقراطية: هي منظومة تتكون من الشركات والبنوك الرأسمالية والحكومات، تستخدم كل قوتها السياسية والمالية والإعلامية والعسكرية من أجل إخضاع الدول وإحكام سيطرتها عليها واستنزاف كافة مواردها وثرواتها من خلال عملية إغراقها بالديون. 

تتلخص مهمة قراصنة الاقتصاد، كما وصفتها كلودين، وهي المُدربة المنوط بها تدريب وتحويل جون بيركنز إلى قرصان اقتصادي، في تشجيع زعماء العالم ليصبحوا جزءاً من شبكة اتصالات واسعة تروج لمصالح الولايات المتحدة التجارية. وفي النهاية، يقع هؤلاء القادة في شراك شبكة من الديون لنضمن خضوعهم لنا. وهكذا نستطيع الاعتماد عليهم كلما رغبنا في إشباع رغباتنا السياسية والاقتصادية والعسكرية. وفي المقابل يعضدون مكانتهم السياسية بإنشاء محطات توليد الكهرباء، ومنشآت صناعية، ومطارات لمواطنيهم. وهكذا يغدو أصحاب شركات الإنشاءات الهندسية الأمريكية في ثراء فاحش.

يتحرك قراصنة الاقتصاد لجعل الدول النامية والفقيرة تدين بكل شيء للولايات المتحدة، وكلما زادت موارد تلك الدول -خاصة البترول- كلما كان من المهم أن يزداد الديْن الذي عليها؛ هُنا يمكن للولايات المتحدة أن تستفيد من هذه الحالة بأكثر من طريقة متاحة، وهي الإغراق بالديون، أو الاغتيالات والانقلابات ومُساندة الديكتاتوريات، كما حدث في دول أمريكا الجنوبية والوسطى والشرق الأوسط.

الطريقة الأولى: إقناع الدول بالاقتراض لتحقيق التنمية المنشودة، وذلك بتزييف دراسات الجدوى والتقارير، ومن ثَم يتم تقديم قروض لتلك الدول للقيام بمشروعات للبنية الأساسية، والتعليم والتنمية، ويتبع ذلك تزييف مؤشرات التنمية في هذه الدول من خلال تقارير دولية تُشير إلى مؤشرات تنمية مُتقدمة تم تحقيقها. لا يتوقف الأمر على الاقتراض فقط، بل يتعدى ذلك إلى إجبار الدول على الاستعانة بالشركات الكبرى الأمريكية لتنفيذ المشروعات، فضلاً عن الفوائد ذات الأرقام الفلكية التي سيصبح على الدولة المَدينة أن تسددها، وهكذا يتعاظم الدين ويتضاعف وتضعف وتعجز أمامه القدرة على السداد بمرور الزمن والتي سيدفع ثمنها الفقراء.

هنا تأتي الطريقة الثانية وهي إجبار تلك الدولة، عند عدم القدرة على الوفاء بالتزاماتها من أقساط وفوائد الديون، على الخضوع كلياً، إما بالتنازل عن موارد محددة، أو قرارات سيادية، أو أراضٍ استراتيجية ترى الولايات المتحدة أنها يمكنها استخدامها بما يفيد أمنها ومشروعها واقتصادها ويعود عليها بالربح.

مدينتنا تبكي

الآن تعاني مدينتنا وتبكي، ما الذي حدث بها؟ ولماذا يحدث ذلك؟

هل ستتداعى أسوار مدينتنا؟ أمْ بإمكاننا إنقاذها والنجاة بها وبأنفسنا ضد براثن من يقودها إلى الهاوية؟

ستدق أجراس الكنائس ويأتي أبناء الرب ويعظهم القس ويقرأ عليهم رسالة الصلاة "وادْعُنِي فِي يَوْمِ الضِّيقِ أُنْقِذْكَ فَتُمَجِّدَنِي"، وتصدح مآذن الجوامع بالنداء حيَّ على الصَّلاةِ، ويهرع المسلمون لتلبية نداء الصلاة والدعاء، ويخطب بهم الإمام داعياً دعاء ذي النُّونِ؛ إذ دعا بها في بَطنِ الحوتِ: لا إلهَ إلَّا أنتَ سُبْحانَكَ، إنِّي كنتُ مِن الظالمينَ.

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

زين الناجي
ناشط سياسي مصري
تحميل المزيد