في مطلع الأسبوع الأول من نوفمبر/تشرين الثاني الجاري، اتفقت الحكومة الفيدرالية الإثيوبية وإقليم التيغراي رسمياً على وقف الأعمال العدائية بينهما، ونزع الأسلحة بشكل منهجي، وسلس، ومنظم، كما اتفقا على إرساء القانون، والنظام، وإعادة الخدمات، ووصول الخدمات الإنسانية من دون عوائق، وحماية المدنيين.
محادثات السلام التي عقدت في بريتوريا بجنوب إفريقيا كانت أول محادثات رسمية في العلن بين الجانبين، لإيجاد حل سلمي، ودائم للحرب الدامية في شمال إثيوبيا، والتي خلفت مئات القتلى وملايين اللاجئين والنازحين داخل وخارج إثيوبيا منذ نوفمبر 2020.
وأهم ما توصلت إليه اتفاقية السلام التي وقعت في جنوب إفريقيا وقف العدائيات وخروج القوات الأجنبية من إقليم التيغراي، ونزع السلاح، وإدخال المساعدات الإنسانية للإقليم، وذلك ضمن بنود أخرى.
إثيوبيا تدخل حقبة جديدة
دخلت إثيوبيا حقبة جديدة في تاريخها، ذلك أن الاتفاق بين طرفَي النزاع -بعد حرب "وحشية"- يؤكد أن تلك المعاناة كانت بلا جدوى، ومع ذلك حتى لو أن هذا الاتفاق يضع نهاية للحرب مع التيغراي، فإن ثمة صراعات أخرى مسلحة في إثيوبيا لا تزال تتفاقم، وهو ما سنتناوله في مقالنا هذا لاحقاً.
مفاوضات بين قادة جيشَي الطرفين
بعد خمسة أيام من توقيع اتفاقية بريتوريا، وحسب ما هو مخطط، جرت جولة مفاوضات أخرى بين قادة جيوش كل من إثيوبيا والتيغراي، المارشال برهانو جولا رئيس أركان الجيش الإثيوبي، والجنرال تادسي وردي تسفاي، ووفديهما في العاصمة الكينية نيروبي.
وكانت تلك المفاوضات هي الحاسمة لإحلال السلام بين طرفي النزاع، وجاءت بغرض تنفيذ وتطبيق اتفاقية بريتوريا على الأرض، ثم تعثرت المفاوضات، وقدم الاتحاد الإفريقي، وشركاؤه الدوليون خارطة طريق توافق عليها الطرفان، وتوصلوا لاتفاق كامل سادته "الروح الطيبة" بين الجانبين، كما وصفها المارشال برهانو جولا رئيس الوفد الإثيوبي.
وهو ما يعني توافقاً كاملاً لرؤى ووجهات نظر طرفي النزاع حول القضايا المطروحة، وهو أيضاً ما يمثل الأساس المتين لتحقيق السلام، وبشكل دائم، ونهائي بين الحكومة الإثيوبية والتيغراي.
دعوات لانسحاب القوات الأجنبية من إثيوبيا
إلى جانب ذلك، تضمنت اتفاقية "نيروبي" انسحاب القوات الأجنبية، والحديث هنا عن: قوات الجيش الإريتري، وقوات الأمهرة "فانو"، وقوات خاصة أخرى تتبع لأقاليم إثيوبيا الأخرى، ويأتي انسحاب تلك القوات بالتزامن مع تسليم التيغراي سلاحهم الثقيل.
الوضع الدستوري في تيغراي والنزاع في إثيوبيا
شملت الاتفاقية عدا الترتيبات الأمنية، فقرة مهمة تتعلق باحترام الدستور الإثيوبي والوضع الدستوري لإقليم التيغراي، والأقاليم الإثيوبية الأخرى، هو السبب المباشر لاندلاع الحرب بين الإقليم، وحكومة أبي أحمد.
كما أدى ذلك الوضع إلى ظهور معارضة مسلحة في إقليم أوروميا، أحد أكبر الأقاليم الإثيوبية، وأكثرها تعداداً للسكان، ويقودها جيش تحرير الأورومو، وحركات معارضة مسلحة أخرى في مناطق أخرى، مثل : بني شنقول، سيداما، ولايتا، قامبيلا، وإقليم الجنوب.
ومن الأسباب التي جعلت الوضع الدستوري لإقليم التيغراي والأقاليم الإثيوبية سبباً مباشراً للحرب، هو إلغاء رئيس وزراء إثيوبيا أبي أحمد نظام الحكم السابق، الذي صممه التيغراي عندما كانوا في السلطة.
وهو نظام حكم قائم على الائتلاف الإثني الذي استبدله أبي أحمد بنظام حزب واحد حاكم، ما يعني إعادة الحكم المركزي بهيمنة أديس أبابا على الأقاليم، وقد تطرقت اتفاقية السلام في بريتوريا إلى هذه النقطة، وهو ما سيكون محل تفاوض بين التيغراي والحكومة الإثيوبية حول دستور 1996 المعمول به حالياً.
ويرجع ذلك إلى أن إلغاء نظام الحكم الإثني، واستبداله بنظام مركزي يعتبر مخالفة للدستور، أي إنه بموجب هذا الدستور، لن يستطيع أبي أحمد إلغاء نظام الحكم الإثني، وهو ما تطالب به الأقاليم الإثيوبية الأخرى، مع مطالب أخرى تتعلق بكل إقليم، خاصة الأورومو.
نظام إريتريا عائق أمام سلام إثيوبيا
لا يمكن لأي باحث، أو مراقب، أن يتجاوز العامل الإريتري في إثيوبيا، سواء دوره في الحرب، أو في السلم، ولقد كانت إريتريا قبل استقلالها في العام 1991 إقليماً إثيوبياً خالصاً.
وكانت حسب تقسيم إثيوبيا الإداري في عهد الإمبراطور هيلي سلاسي مع إقليمي أمهرة والتيغراي الحاليين إقليماً واحداً، يسمى الإقليم الحبشي؛ لأنه فعلاً كان ينتشر فيه أحباش إثيوبيا، الأماهرة/ التغراي، وهؤلاء يمتدون من إقليمهم الحالي حتى إريتريا.
وقد ساهمت الجبهة الشعبية لتحرير إريتريا، مع الجبهة الشعبية لتحرير التيغراي في إسقاط نظام الرئيس الإثيوبي السابق منقستو هيلي مريام، واستقلت إريتريا.
العلاقات بين إريتريا وإقليم التيغراي
لم تكن العلاقات جيدة على الإطلاق بين أسياس أفورقي رئيس إريتريا والتيغراي، وكانت الحرب عام 1998 بين البلدين حول النزاع الحدودي على منطقة "بادمي" الحدودية، وراح ضحيتها آلاف القتلى من الجانبين.
واستمر العداء مستحكماً بين البلدين قرابة 30 عاماً، إلى أن أعاد أبي أحمد علاقات البلدين، وحصل على جائزة نوبل للسلام لقاء ذلك.
مرت مياه كثيرة عبر الأنهار، وتطورت علاقات أسياس أفورقي مع أبي أحمد والوحدويين في إقليم أمهرة، وانغمس بكل قوته في الحرب على التيغراي في نوفمبر/تشرين الثاني 2020، وفي الجولة الثانية للحرب في آب/أغسطس 2022.
وستظل إريتريا وتواجد قواتها في شمال إثيوبيا عقبة حقيقية للسلام في إثيوبيا إن رفضت إريتريا سحبها، خاصة أن نظامها الحاكم هو المخطط الرئيسي للحرب في إثيوبيا.
فقد أعلن رئيسها أسياس أفورقي أن تواجد قواته في التيغراي هو لحق الدفاع عن النفس الذي أقرته الأمم المتحدة، وحتى لا يشن مقاتلو التيغراي عليه حرباً داخل إريتريا.
نظام إريتريا الخاسر الأكبر من الحرب
ويمكننا القول في الأخير إن نظام أسياس أفورقي هو الخاسر الأكبر من هذه الحرب، فقد لقي آلاف الجنود الإريتريين مصرعهم في حرب لا علاقة لهم بها، وليس من السهولة سحب أفورقي قواته من شمال إثيوبيا، والقبول بانهيار مخططه الحقيقي الذي يهدف إلى تجزئة إثيوبيا، والإمساك بملفاتها.
كما أن خطوات السلام تسير قدماً، وهناك توافق حقيقي بين الحكومة الإثيوبية والتيغراي، مع دعم وترحيب من المجتمع الدولي، خاصة الولايات المتحدة التي أصدرت وزارة خارجيتها في سبتمبر/أيلول الماضي بياناً قوياً أدانت فيه الممارسات الإريترية في تهديد السلم والاستقرار في إثيوبيا والقرن الإفريقي.
والمستقبل القريب حافل بجهود حقيقية من الحكومة الإثيوبية، والتيغراي، والاتحاد الإفريقي، والشركاء الدوليين لاستكمال جهودهم، والتي بدأت في جنوب إفريقيا بوقف إطلاق النار، والفصل بين القوات، ثم اتفاقية نيروبي التي ثبتت وقف إطلاق النار.
وستمضي جهود أطراف النزاع حثيثة معاً مع جهود الاتحاد الإفريقي وشركائه الدوليين لإخراج القوات الإريترية.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني: [email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.