هنيئاً لكل من سيولد بعد انتهاء عهد الرئيس ميشال عون؛ حيث سيكون له أمل بغد أفضل؛ لأن هذا العهد الفصامي كان فيه الخيال واقعاً، وكان الواقع فيه خيالا عند فخامة الرئيس.
ست سنوات مضت من عمر شعب، كان رئيسه حزاماً ناسفاً لأي تقدم في كافة مجالات حياة بلده. لكن البشارة أتت في النهاية ومضى هذا العهد إلى غير رجعة وحتماً لن يتكرر مثله أبداً. ذلك لسبب بسيط هو أن التاريخ إن أعاد نفسه يكون على شكل مهزلة، فما هو الحال مع عهد بدأ على شكل مهزلة، وبالتالي لن يدخل التاريخ حتى يتكرر، بل سيدخل سجل الماضي ومن سيتذكره كأنه يتذكر حكايات أبي زيد الهلالي أو روايات جحا، وبأية حال، فإن ذكر تلك الروايات والحكايات قد يجلب المتعة للبعض لكن ذكر عهده لن يمتع أحداً.
في عهده نامت التشكيلات القضائية في درجه إكراماً لأتباعه بالسلك القضائي، وبعدها تحولوا إلى كوماندوز لتصفية الحسابات لصالحه باسم محاربة الفساد.
في عهده فقد الدواء والمحروقات ورغيف الخبز وأغلقت المستشفيات وصارت حياة اللبنانيين جحيماً ولم يرف له جفن.. في عهده وقع انفجار مرفأ بيروت فوعد بإنهاء التحقيق خلال خمسة أيام، وحتى الآن لم يبدأ التحقيق بشكل جدي، فهل اليوم في رزنامته ملايين من الساعات؟
في عهده أصبحت ورقة المناديل الواحدة أقوى من الليرة اللبنانية، وأصبحت العتمة عادة؛ لأن رجاله في وزارة الطاقة فشلوا في إدارة الملف بالكامل.
ولان المراسيم تصدر عادة مذيلة بتوقيع رئيس الجمهورية، استغل هذا الحق بالتوقيع بأبشع الصور، فظن أن أي كلمة يتلفظ بها هي مادة دستورية؛ ليقينه أن دستور لبنان هو لسان فخامته؛ لذلك عرقل تشكيل الحكومات، وسجن معظم القرارات في أدراجه في كيدية مارسها كل يوم، وفي عهده حلت جائحة كورونا ضيفاً، وفي عهده أيضاً طرقت جائحة الكوليرا الأبواب، أي إن الخراب حل في البلاد من كل حدب وصوب بعد أن حل فخامته في قصر بعبدا.
في بداية ظهوره على شاشة لبنان السياسية انخرط في المشروع الإسرائيلي، وبعدها راهن على العراق، ومن ثم سوريا، واستقر مع إيران، هذا التاريخ الوصولي يؤكد أن الغاية تبرر الوسيلة عند أصحاب الطموح المريض، وما يثير الغرابة هو أنه عندما كان ينقل البندقية من كتف إلى كتف، أو ينتقل من ضفة إلى أخرى كانت حاضنته الشعبية تنتقل معه كأن لها عيوناً لا ترى وهي تستعد اليوم لمواكبته من بعبدا الى الرابية كأنها في عرس.
ليس منطقياً تقييم الظاهرة العونية من خلال علم السياسة، بل تدخل هذه الظاهرة في نطاق علم النفس الاجتماعي، ومع ذلك لا تستحق الدراسة؛ لأن نتائج ممارساتها واضحة للعيان: شبه مجاعة فتحت أبواب جهنم لمن حظه التعيس أجبره على العيش على أرض لبنان.
ولطيّ صفحة هذا العهد كان من المفترض أن ينتخب المجلس النيابي رئيساً للجمهورية خلال المواعيد الدستورية، لكن عجز هذا المجلس عن القيام بدوره الطبيعي يؤكد مرة أخرى أن لبنان يعاني من أزمة كيان وليس أزمة نظام، حيث إن النظام الطائفي وضع حدوداً عمودية بين سكان لبنان لا يمكن تجاوزها. وبالتالي أصبح لبنان بلداً تعيش فيه شعوب كثيرة، أصبح لبنان برج بابل هذا العصر، الكل يتحدث؛ لكن لا أحد يفهم ما يقوله الآخر.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال مقالاتكم عبر هذا البريد الإلكتروني: [email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.