فشل في زامبيا ولبنان.. لماذا لن ينجح قرض صندوق النقد في تحسين حياة المصريين؟

عربي بوست
تم النشر: 2022/10/31 الساعة 08:06 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2022/11/08 الساعة 11:38 بتوقيت غرينتش
مصر أكبر مستورد للقمح في العالم/رويترز

في أغسطس/آب الماضي وخلال تقريره الشهري حول الاقتصاد المصري، توقع بنك غولدمان ساكس أن تلجأ مصر إلى اقتراض 15 مليار دولار من صندوق النقد الدولي، وقال البنك إن مصر تحتاج إلى تأمين هذا المبلغ لتلبية متطلبات التمويل على مدى السنوات الثلاث المقبلة.

ويوم الخميس 27 أكتوبر/تشرين الأول، أعلن صندوق النقد التوصل إلى اتفاق مع الحكومة المصرية بتمويلها بقرض قيمته 3 مليارات دولار على مدى 46 شهراً، وذلك بعد سلسلة من الإجراءات التي أعلنها البنك المركزي المصري صباحاً "خسفت" بقيمة الجنيه المصري ليبدأ رحلة سقوطه الحر، وليكسر الدولار الواحد حاجز الـ24 جنيه.

ما هو صندوق النقد الدولي؟

تم إنشاء صندوق النقد الدولي في أعقاب الحرب العالمية الثانية لإدارة النظام العالمي لأسعار الصرف والمدفوعات الدولية.

فاجتمعت 44 دولة حليفة في مؤتمر عرف بـ"بريتون وودز" في عام 1944؛ لإنشاء نظام مالي بعد الحرب من شأنه بناء إطار للتعاون الاقتصادي الدولي يتجنب تكرار سيناريو "الكساد الكبير".

ومنذ انهيار أسعار الصرف الثابتة في عام 1973، لعب الصندوق دوراً أكثر نشاطاً، حيث تدخل في أزمات الديون بالبلدان النامية واليونان والاستجابة للأزمة الاقتصادية الناجمة عن الوباء.

لكن في عالم لا تجد فيه الأمم الضعيفة مكاناً، تحول صندوق النقد الدولي إلى أداة في يد الدول العظمى، وتحديداً أمريكا، لتسيطر وتتحكم في السياسات الاقتصادية والمالية لكثير من الدول، خاصة الدول النامية.

حيث يقدم الصندوق قروضاً للدول الأعضاء التي تكافح من أجل الوفاء بالتزاماتها الدولية. يتم تقديم القروض، أو عمليات الإنقاذ، مقابل تنفيذ شروط محددة لصندوق النقد الدولي.

تتضمن هذه الشروط من الدول المقترضة، تطبيق إصلاحات وتغييرات عميقة وشاملة تميل إلى زيادة البطالة، وانخفاض الإيرادات الحكومية، وزيادة تكاليف الخدمات الأساسية، وإعادة هيكلة تحصيل الضرائب والمعاشات وبرامج الضمان الاجتماعي.  وعكس هدفها المعلن وهو مساعدة الدول النامية والفقراء، تعزز سياسات الصندوق وتدخلاته زيادة نسب الفقر.

فلا يقدم البنك الدولي قروضاً لإنقاذ الشعوب والوطن، بل يقدم قروضاً مثقلة ومكبلة بشروط شديدة القسوة تحت مُسمّى "التعديل البنيوي"، والتي تعمل كوسيلة خفية لوضع اليد على السياسات الاقتصادية والخارجية في البلدان النامية.

لذلك، لم تفلح قروض البنك وشروطها في إخراج شعوب الدول الفقيرة من الفقر والبؤس الاجتماعي، على العكس تماماً أغرقتها في مزيد من الديون والإفلاس، بهدف التحكم فيها واستعمارها بشكل أرقى دون إراقة دماء.

لبنان خير مثال

لن نذهب بعيداً لطرح الأمثلة، فلبنان خير دليل، الدولة التي اتبعت تعاليم صندوق النقد النيوليبرالية الشرسة، فخفضت الإنفاق الحكومي، وتبرأت من رعاية شعبها ومسؤولية رعايته صحياً واجتماعياً واقتصادياً.

فماذا حدث؟ قفزت ديون الدولة منذ عام 1993 حتى اليوم من نحو 7 مليار دولار إلى 99.8 مليار دولار، بجانب فقد الدولة سيادتها لصالح قوى سياسية داخلية مدعومة بمصالح الخارج.

ولم يسلم الأردن من قروض صندوق النقد، فقد نجح على مدى أكثر من 3 عقود في إغراق المملكة في دوامة قروض وفوائد بلغت 35 مليار دولار، مما أدى إلى ارتفاع أسعار الخبز وأسعار الوقود 5 مرات والكهرباء 55%، فيما زادت نسبة الفقر لتصل لنحو 20 % من إجمالي الشعب.

اللبنانية سالي حافظ – الأناضول

وفي أوائل عام 2015، تعرضت غانا لخطر عدم قدرتها على سداد ديونها، فتكفل البنك الدولي بسداد 400 مليون دولار، مقابل سندات بقيمة مليار جنيه إسترليني بيعت لمستثمرين من القطاع الخاص.

وظهرت "دناءة" سياسات الصندوق أكثر عندما أصر على فرض رسوم على المدارس وكانت النتيجة مروعة، فقد انخفض عدد التلاميذ إلى الثلث. 

وإذا سردنا إفريقيا فلن يكفي مقال واحد لوصف مدى وحشية سياسات الصندوق، 

ففي زامبيا، تسببت سياسة الصندوق المفروضة على الدولة في تضاعف عدد الوفيات مرتين، بعدما أصر بشروطه على الحد من الإنفاق على الصحة.

لم يقتصر الأمر على الدول الإفريقية، بل تجاوز ذلك إلى فتح جبهات بعدة دول في العالم 

مثل الأرجنتين، الدولة التي تقبع في القارة اللاتينية، اقترضت في عام 2018 أكبر قرض في تاريخ الصندوق بقيمة 53 مليار دولار، إلا أن هذا لم يسعفها، فما زالت عملتها البيزو تتهاوى، وتضرب الفوضى الاقتصادية والفساد كل شبر فيها، ولا يتوقع الاقتصاديون خروجها من نفق الديون المظلم.

لماذا يعمل الصندوق بهذه الوحشية؟

لم يحصل من قبلُ أن كانت الثروة متركّزة لهذه الدرجة في أيدي معسكرٍ واحد، المعسكر الغربي وحلفائه، وبما أن هذه الدول تملك المال والاستقرار السياسي، ستسعى لتنمية اقتصاداتها أكثر وأكثر، وهذه الاقتصادات ستحتاج لأسواق آمنة، ستكون هي الدول النامية، وهذا ببساطة يوضح آلية الفكر وراء إقراض صندوق النقد.

فالصندوق يعمل على تهيئة هذه الدول النامية لاستقبال الاستثمارات الأجنبية على أرضها.

تكمن المشكلة، في أن أغلب الدول المقترضة لا تملك أنظمة حكم ديمقراطية، بل العكس تمتاز بقدر كبير من الفساد، وانعدام الشفافية، فتذهب أموال القرض لتنفيذ مطالب الدول صاحبة الأموال (أغلبها الدول الأعضاء في صندوق النقد) الراغبة في الاستثمار بتلك الدولة، وبذلك بدلاً من أن تحسّن أوضاع الفقراء، تزيد من رفاهية الطبقة الحاكمة وأصحاب الأعمال داخل تلك الدولة، مما يزيد الإنتاجية والأسعار، مقابل زيادة شريحة الفقراء الذين تقطع من ضرائبهم الأموال لتسديد أموال القرض وفوائده.

هل ستنقذ القروض مصر؟ 

وفي ظل نظام ديكتاتوري هو الأعنف في تاريخ الدولة المصرية، تكون مصر النموذج المثالي لما ذكرنا.

ولا داعي للانتظار لما بعد القرض القادم، ففي 11 نوفمبر/تشرين الثاني 2016، اقترضت مصر 12 مليار دولار بهدف معالجة الاقتصاد وتعزيز النمو الشامل لخلق فرص عمل.

ففرض الصندوق شروطاً، منها تحرير نظام سعر الصرف أي تعويم الجنيه المصري، وخفض الإنفاق الحكومي، أي نزع الدعم عن المواطنين، وزيادة الضرائب.

فماذا حدث، انخفضت قيمة الجنيه المصري بشكل أكثر مما توقعه خبراء صندوق النقد، مما أدى إلى ارتفاع جميع السلع الاستهلاكية الأساسية، بجانب ذلك فرضت الدولة رسوماً جديدة وضرائب جديدة كضريبة القيمة المضافة، مما زاد نسبة المصريين الفقراء من 27.8% في العام 2015 إلى أكثر 35% على الأقلّ.

في ظل نظام يقبع بمستنقع فساد، ولا يأبه بدراسات الجدوى ولا يعرف غير القوة، يتضح أن القروض لا تفيد، وإن وجدت فهي تدعم استمرار النظام القائم على إفقار المصريين وإهانتهم بوصفهم دائماً بـ"الفقراء أوي"، في مقابل زيادة الأغنياء من الجيش وأصحاب الأموال.

أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال مقالاتكم عبر هذا البريد الإلكتروني: [email protected]

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

أحمد إبراهيم
كاتب مصري
باحث في العلوم السياسية والعلاقات الدولية
تحميل المزيد