كأس العالم بدون قرعة ولا دعوات ورجل فرّق بين بلدين! تفاصيل أغرب وقائع المونديال

عربي بوست
تم النشر: 2022/10/23 الساعة 10:37 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2022/10/23 الساعة 10:37 بتوقيت غرينتش
gettyimages

نحن نعرف الكثير عن كأس العالم، نعرف وقفة باجيو الشهيرة، ركض تارديلي التاريخي، الهدف الذي سجلته السنغال في مرمى فرنسا، أسنان لويس سواريز التي انغرست في كتف جورجيو كيلليني، ونعرف أيضاً كيف بدا ريفالدو ممثلاً فاشلاً أمام تركيا في كأس العالم 2002.

لكن ربما لم يتم تسليط الضوء على ما هو أكثر من ذلك، وفي هذا المقال سنحاول بشكل بسيطٍ أن نربط كأس العالم بكرة القدم، الحياة، والشعوب.

كأس عالم بدون قرعة ولا دعوات!

لم تكن أول كأس عالم عرفها العالم كما نراها الآن، بل كانت كأساً ومجموعة من المخمورين حولها، فمثلاً لم تشارك أية دولة من قامات أوروبا فيها، باستثناء فرنسا ورومانيا ويوغوسلافيا وبلجيكا فقط!

لم نر ألمانيا ولا إيطاليا ولا حتى إنجلترا أو البرتغال، والأسباب كثيرة، أهمها رفض هذه الدول للمونديال بشكل كامل، فلا أحد كان يحب الأوروغواي في ذلك الوقت، ولا أحد يحب ما تُدار به الأمور في الأوروغواي.

وبمشاركة 13 منتخباً فقط بدأت فعاليات البطولة، وفي أربع مجموعات اصطفوا، وعلى رأس مجموعتها تقدمت الأرجنتين، وكانت يوغوسلافيا هي المنتخب الأوروبي الوحيد الذي استطاع أن يقتنص بطاقة العبور من رأس مجموعة لا يترأسها منتخب لاتيني، حيث كانت الأوروغواي وأمريكا تترأسان مجموعتهما.

وربما كانت نسخة كأس العالم تلك أشبه كثيراً بكأس العالم للأندية في الوقت الحالي، على الرغم من أنها ربما أديرت بطريقة تجعلها تُريح الأوروغواي وكل منتخب لاتيني فيها، وهذا هو السبب الرئيسي الذي رفضت على أثره دولة مثل إنجلترا المشاركة في هذه النسخة.

السبب الإنجليزي الحكيم يعود إلى عام 1928 تحديداً، يوم أن قررت إنجلترا الانفصال عن الفيفا واعتبار أن كل المنافسات التي تقام تحت إمرته منافسات لا يُشرفها أن تشارك فيها، ولم تكن إنجلترا هي من أقرت ذلك وحدها، بل وقف إلى جانبها الحُكم البريطاني كاملاً، إنجلترا، ويلز، أسكتلندا، أيرلندا، وكل من يقع تحت شمس بريطانيا كان رافضاً لما يحدث من الفيفا. وكأس العالم 1930 كان مجرد خطوة طويلة للإنجليز، ورفضوا المشاركة بعدها في كل نسخ كأس العالم، إلا أنهم رضخوا أخيراً في عام 1950 وقرروا أن الأمر لم يعد يحتمل أكثر مما حدث فيه.

لكن، كأس العالم 1930 كان فريداً أكثر من كل ما قيل، كان له طابع سياسي مرعب، وكانت الخلافات فيه مستمرة داخل وخارج الملعب، وفي 1930 حدث ما يلي..

كرة أرجنتينية وأخرى أوروغويانية

قديماً في مونتيفيديو، واقفاً كان جون لانجينوس، يحمل كرتين تحت كل ذراع، وهو لا يعرف بأيتهما يبدأ المباراة، وجون لانجينوس هو حكم المباراة النهائية لكأس العالم عام 1930 بين منتخب الأوروغواي وجاره المنتخب الأرجنتيني، وهو الرجل الذي حضر إلى المباراة مرتدياً طاقماً رسمياً جداً ببذلة ورابطة عنق كأنه أحد الساسة.

وقبل اختراع الوزن والحجم والتفاصيل وإشهار الكرة للحدث، كانت كرة كأس العالم أشبه بالملاعب التي يستأجرها الشباب في أي مكان بالعالم؛ يمكنهم أن يحضروا خاصتهم من المنزل ويلعبوا بها.

وبسبب حالة الاحتقان والصراع الذي نشأ بين البلدين قبل المباراة النهائية، الحكم البلجيكي جون لانجينوس كان واقفاً يحمل تحت كل ذراعٍ كرة، واحدة من منتخب الأوروغواي وأخرى من نظيره الأرجنتيني.

ولم يكن الخلاف على كرة أو مضرب، بل كان أكبر من ذلك بكثير، في الأوروغواي قالوا إن أحد أكثر مظاهر العنف والتطرف في تلك الليلة كان حاضراً، لدرجة أن الوجود الأمني المكثف خارج الملعب استطاع أن يمنع دخول أكثر من 1500 مسدس كانت الجماهير تحملها للدخول إليه.

والصراع لم يكن سياسياً فحسب، ولا على من سينال أول لقب لأول مسابقة رسمية يمكن من خلالها أن تصبح بطل العالم؛ بل كانت حدة الأمور أكبر بكثير.

وعلى الجانب الأوروغوياني منحوه كرتهم وأصروا على بدء المباراة بها، وعلى الجانب الأرجنتيني منحوه كرتهم وأقسموا على ألا تبدأ المباراة إلا بها، واقفاً كان جون لانجينوس يحمل كرة تحت كل ذراع ولا يفهم بأيتهما يبدأ.

حكاية منتخب كوريا الشمالية في إنجلترا!

قبل مدة من كأس العالم 1966، طالت أو قصرت، كانت الحرب بين الكوريتين قد توقفت، وربما للأبد، لكن أحداً في أوروبا، شرقها وغربها، لم يرغب في أن تتوقف.

واختار السوفييت أن يقف خلف "الشمالية"، واختار الغرب أن يقفوا بجوار "الجنوبية"، ومع تشدد الصراع جاءت كأس العالم، حينها حاولت كوريا الشمالية أن تمنع كل تلك الأفكار من التسلل كالذخيرة الفاسدة إلى معسكرها.

وقررت أن تُغلق المعسكر على من فيه، لشهر، لأشهر، تدريبات، تحفيز، لا شيء يحدث ولا راحة تؤخذ، لقد تحول معسكر المنتخب الكوري الشمالي لكرة القدم قبل كأس العالم إلى معسكر حربي بكل ما تحمله الكلمة من معنى.

الملكة إليزابيث تسلم كأس العالم لقائد منتخب إنجلترا – ويكيبيديا


وكانت بريطانيا تعزف عن فكرة دعم أو حتى استقبال دولة يُقال إنها مُلطخة بدماء الحروب، حتى وإن كانت بريطانيا نفسها هي من تشرب الدماء وتسقيها لغيرها.

وحاولت الحكومة البريطانية أن تمنع بعثة المنتخب الكوري الشمالي من الوصول إلى العاصمة، وقالوا إنهم لن يوافقوا على تأشيرات لاعبي المنتخب الكوري الشمالي وهذا ما أغضب الفيفا، التي حذّرتهم من أنهم إذا لم يُحسنوا استضافة أي منتخب زائر لأرضهم فستسحب منهم البطولة وتُنظمها في أي مكان آخر.

وبالتحايل والضغط؛ رضخت بريطانيا، وميدلزبره كانت المدينة والمنطقة التي دخلتها كوريا الشمالية ولم تخرج منها قط، وفي شمال شرقي إنجلترا، كان شعب ميدلزبره ينتظر وصول المنتخب الذي رفضته دولتهم.

وفي رحلتهم إلى المدينة، احتلوا القطار، وفيه كان الإنجليز يجلسون ويسمعون كيف لهؤلاء الجنود المدربين بعناية وحرص، يرددون أناشيد كورية جعلت الإنجليز يفكرون مئات المرات فيمن يكون هؤلاء؟

وما اكتشفه الإنجليز أن الفريق الكوري الشمالي، ليس كما يسمعون عنه في وسائل الإعلام، ولا ما يقرؤونه في الصحف، إنهم طيبون للغاية ويحاولون بشتى الطرق أن يُظهروا أنهم ليسوا كما يُشاع عنهم.

وبدأت كوريا رحلتها أمام من ساندها، أمام السوفييت تحديداً، وخسرت أمامهم شرفياً أو كروياً، لا يهم، المهم أنها خسرت مباراتها الافتتاحية بنتيجة 3-0، في مجموعة أوقعتها مع السوفييت وإيطاليا وتشيلي.

وحينما قابلوا تشيلي تعادلوا معها بهدف لمثله، ثم جاءت مواجهة إيطاليا، وشعب ميدلزبره بالكامل يساند الكوريين ويدعمهم، ويتمنى لهم التوفيق.

وقبل نهاية الشوط الأول بثلاث دقائق، كانت كوريا الشمالية وإنجلترا والعالم كله يحتفل، وإيطاليا وحيدة بمفردها، لقد سجل بارك دوو إك، هدفاً حمل الذخيرة الكورية من معسكرها في الماضي إلى الأدوار الإقصائية في كأس العالم، لقد استطاعت كوريا الشمالية، بدون مساعدة من أي شخص، أن تصبح أول منتخب آسيوي في التاريخ يعبر إلى الأدوار الإقصائية من منافسات كأس العالم، وأمام أحد أكثر أبطال كأس العالم على مدار تاريخه تتويجاً بها.

وانتهت رحلته عند قطار البرتغال، لكن يوم أن عادوا إلى الوطن، كانوا قد أنهوا الفكرة السياسية الشائعة عنهم، وقال بارك دوو إك إن كرة القدم منحتهم فرصة عظيمة لتبييض الصورة التي سودتها السياسة والإعلام عنهم!

الرجل الذي فرّق بين بلدين

في ألمانيا، أو في غرب ألمانيا إذا تحرينا الدقة، أقاموا كأس العالم بنسختها في عام 1974، ولأن ألمانيا لم تكن ألمانيا بمفردها، بل كانت بشرقيتها وغربيتها، فشاء القدر أن تتقابل ألمانيا مع قرينتها.

حينما تواجهت ألمانيا الغربية مع شقيقتها الشرقية، كان يورغن سبارفاسر يراقب ما يحدث ولا يعرف أن الأمر أكبر من قدرات استيعابه وتفكيره.



في كل ألمانيا منهما كانت المباراة تعني لها الكثير والكثير، أهداف سياسية وقرارت شيوعية وأخرى كروية، ولأن يورغن سبارفاسر هو أحد رجال ألمانيا الشرقية المخلصين لذلك قرر أن يقضي على الجارة الغربية بهدف في الدقيقة الـ77 وخرج يورغن إلى النفق المؤدي إلى غرف الملابس منتصراً انتصارات عدة: نقاط المباراة، رجل المباراة، وأيضاً بطل قومي.

قالوا إن الشيوعية حاولت بشتى الطرق تحويل الانتصار إلى غاية تستفيد منها، لكن بعد سنوات أنكر هذا يورغن سبارفاسر وقال إنه لم يحصل على أي عائد مادي نظير ذلك الهدف، لا وظيفة ولا منزل ولا حتى سيارة كما ادَّعوا في ألمانيا أياً كانت جهتها.

والغريب أن يورغن سبارفاسر، الرجل الذي كبد ألمانيا الغربية هزيمتها تلك في مونديال 1974، كان الرجل نفسه الذي فر هارباً إليها قبل أن يسقط جدار برلين، حدث ذلك في عام 1988، وأعلن أنه لا يريد أن يكون شرقياً بعد الآن.

صراع سياسي أكبر وهذه المباراة تعني الكثير..

في العام نفسه، والبطولة نفسها، كأس العالم 1974، كان جوزيف مويبو إيلونجا لا يريد للبرازيل أن تنال أكثر مما حصلت عليه، وعلى حافة منطقة الجزاء كان ريفلينو يستعد لتنفيذ الركلة الثابتة قبل أن يتقدم إيلونجا ويركلها بعيداً.

جوزيف مويبو إيلونجا، هو أحد لاعبي منتخب زائر آنذاك، المنتخب الذي أصبح الكونغو الديمقراطية في وقتنا الحالي، ولأنهم ذهبوا إلى ألمانيا ليُظهروا للعالم كله كيف تُلعب الكرة في إفريقيا؛ فإن موبوتو سيسي سيكو لم يكن راضياً قط عما حدث لهم.

في مباراتها الأولى خسرت زائير بهدفين دون رد أمام المنتخب الأسكتلندي، وفي المباراة الثانية كأنهم لم يلعبوا كرة القدم قط؛ لقد خسروا بنتيجة 9-0 أمام المنتخب اليوغوسلافي، وفي زائير كان موبوتو سيسي سيكو، رئيس الدولة والديكتاتور، غاضباً جداً لدرجة أنه أرسل إليهم رجاله ليحذّروهم من عواقب الفضائح التي لحقت بهم في ألمانيا.

رجاله أخبروهم بأنهم إذا خسروا بنتيجة 4-0 أو أكثر أمام البرازيل فإنهم لن يعودوا إلى زائير على أقدامهم، ومن الممكن أن تحضر أُسرهم لاستلام جثة كل واحد منهم.


ربما أنت تفهم الآن لماذا كان إيلونجا يلعب تلك اللحظة كأنه بطل النسخة، هدف آخر من البرازيل كان سيكتب نهايتهم الحتمية، هدف واحد فقط كان كفيلاً بجعل المنتخب البرازيلي يتسبب في دمار مجموعة من البشر بقرار ديكتاتوري بحت؛ لكن الأقدار وقفت معهم وانتهت المباراة بنتيجة 3-0 فقط، ولم يكن إيلونجا وحده هو من يرغب في ركل الكرة بعيداً، ربما كل من مثّل المنتخب لحظتها..

كابوس إفريقي آخر لكنه أفظع!

إفريقيا السوداء تميل قليلاً إلى أفكار الأسلاف، الشجرة النامية قرب البيت، البقرة التي ترعى الحقل، يظنون أننا، نحن البشر، من أصول سوداء، لكن العنصرية هي من تمنعنا من قول ذلك.

كانت جنوب إفريقيا مستضيفة البطولة، لكن شرق، غرب، شمال، وجنوب إفريقيا كانوا يشجعون غانا، تخيل أن قارة بأكملها نامت حزينة، فكل ما كان يفصل غانا عن أن تصبح أول منتخب إفريقي يصل للمربع الذهبي هو قرار حكيم، صوت ارتطام الكرة بالعارضة سماه جيان بالكابوس الذي يطارده كل يوم، وكما قالت الغارديان في تقرير المباراة: لا يمكنك الوثوق بأسامواه لتنفيذ ركلة جزاء في التدريبات، فكيف لقارة بأكملها أن تثق به في هذه اللحظة؟

كأس العالم هي حدث فريد من نوعه، خاصةً إن تمثل في الشغف، جيان حينما وضع الكُرة في عارضة موسليرا، كانت إفريقيا بأكملها، وبعض المنسيين يتعاطفون مع غانا، وحينما سجل زيدان هدف التعادل في مرمى البرازيل، عدسات الكاميرات التقطت آلافاً من مُشجعي مصر، يحتفلون بالهدف، ممن هُم أصحاب البشرة السمراء.

ألمانيا وُضعت في مأزق، أمام طوفان الجزائر، داخل حُصون البرازيل، حينها كان الجميع في صف الجزائر، قلباً وقالباً، و تدور الدوائر إلى ما لا نهاية، لأننا، وبكل بساطة، لا نُواجه شغفنا بما تفرضه علينا عصبياتنا.

نحن لا نكره بعضنا البعض، ولا كرة القدم وحدها، هي ما تدفعنا إلى الوقوف بجانب ما يُمثل، أفكارنا، صُورنا، و ما نشعر بأنه أقرب إلينا مما يبعد الكثير، والكثير. إن كأس العالم هي ميدان تتجمع به التفاصيل، لنُصرة أفكار عَجفت عليها أزمنة، تُحاول أن تُثبت أن لا شيء يتساوى مع ما نُقدمه لبعضنا البعض، ولو بمساعدة، أو هتاف لا يُسمع في أصداء القارة، نحن مجموعة من المنسيين، يُمكنهم أن يتذكروا، من كانوا، وماذا أصبحوا، وإلى أي طريق يرحلون.

أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:[email protected]

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

عمر إبراهيم
كاتب في المجال الرياضي وكرة القدم
كاتب في المجال الرياضي وكرة القدم
تحميل المزيد